هنا أكثر من3600 أسرة لايشغلهم تغيير الدستور أو تعديله, أو أن تسبق الانتخابات الرئاسية البرلمانية أو العكس فالثورة, بالنسبة لهم, أن تتحسن أحوالهم اللاآدمية, أن يدخل الصرف الصحي إلي منطقتهم وأن يجدوا قوت يومهم. ورئيس مصر القادم هو من يشعر بالغلابة في العشوائيات ويعيدهم إلي عالم الأحياء من جديد. بالنسبة لحسن, ابن الثلاثة عشر عاما, الثورة أكيد ح تخليهم يسمعوا كلامكو, لما تكتبوا عنا المرة دي, هكذا قال لي الطفل الذي يشارك أسرته المكونة من8 أفراد الحجرة اللاآدمية في بطن البقرة. سئم الصبي مثل غيره من سكان المنطقة من تكرار الشكوي لوسائل الإعلام المختلفة التي زارت المنطقة, لتصور مأساة أهلها, ولكن لاحياة لمن تنادي. فهل تصل نسمات التغيير إلي بطن البقرة؟ فالديمقراطية والحرية, كلمات مبهمة المعني في بطن البقرة, السكان هنا يبدون وكأنهم لا ينتمون إلي عالم الأحياء, ولكن تستفزهم أحاديث الفساد وملياراته, في مجتمع يعيش فيه الملايين مثلهم, بدون المقومات الأساسية للحياة الإنسانية, يفترسهم الفقر, والمرض والجهل. هنا ورغم أن المنطقة تقع في مصر القديمة, خلف جامع عمرو بن العاص, إلا أن الانتقال اليها يشعرك أنك في عالم آخر. من الشارع الرئيسي إلي مداخل ضيقة لاتسمح بمرور السيارات, تستقبلك أكوام القمامة والروائح الكريهة, في عالم أقرب إلي الموت منه إلي الحياة. بيوت, عشش أو يمكن أن تسميها زرائب, آيلة للسقوط في معظمها, بل سقط عدد منها بالفعل, تعيش في كل حجرة منها أسرة مكونة من7 أو8 أفراد. بيوت تختلط فيها أكوام القمامة, بترنشات المجاري, الطيور بالحشرات التي شاركت السكان منطقتهم منذ عهد بعيد. منازل عشوائية تمثل حجارة الجبل في كثير من الأحيان أحد جدرانها. هنا يعيش الاحياء مع الحيوانات في كنف جميع أشكال التلوث, فالمكان اسم علي مسمي, كأنك ولجت إلي أحشاء البقرة. حجرات أقرب إلي المقابر تأوي مطلقات, وأرامل وكثير من الأطفال ورجال أرزقية, يعيشون اليوم بيومه, يعملون في صناعة الفخار, الدباغة أو الخشب. أما السيدات فيخدمن في البيوت أو يبعن المناديل والآيات القرآنية في المواصلات ثم يعدن ببعض الخبز والخضراوات من سوق الفسطاط ليعدن بيعه في المنطقة. منطقة يختلط فيها الفقر المدقع بالأمراض, الجهل بالبطالة وسوء الحال وفي أحيان أخري بأعمال العنف والبلطجة. تابعوا أحداث الثورة, ونزل بعضهم إلي ميدان التحرير فضولا أو رغبة في تغيير أحوالهم القاسية, واليوم يتسائل الكثيرون عن موقف الثورة منهم. ايمان, العائدة من جولة لبيع المناديل ببضع جنيهات لاتكفي غذاء بناتها الثلاث, تسأل: الشباب استشهدوا في الثورة بس الحاجة مارخصتش؟ الطماطم بخمسة جنيه, الزيت ب9 والبطاطس ب3 جنيهات ونصف, احنا محتاجين نحس بالتغيير, تقاطعها كريمة لتقول( احنا ماكلناش لحمة من ساعة العيد, ماشي لكن كمان الطماطم والخضار حتي اجنحة الفراخ اللي كنا بنمشي حالنا بيها, أصبحت ب7 جنيهات بدلا من4, طب اللي دخلها كله10جنيهات تأكل عيالها إزاي؟ ويتساءل أحمد خلف, الغلابة دي مصيرها ايه بعد الثورة؟ من ساعتها واحنا حالنا واقف, مفيش بيع ولا شراء, السياحة واقفة ومحدش بيشتري فواخيرنا ويقاطعه مصطفي مسعود قائلا احنا متفائلين بالثورة, ده مشوار حلو بس لازم يهتموا بأحوال المناطق اللي زينا, المهملة منذ سنوات طويلة. منطقة شاسعة, صدر لها قرارات ازالة منذ عشرين سنة, لكنها لا تتم إزالتها ولا تدخلها الخدمات أيضا. لأنها كما قرر لهم مسئولو الحي تحت الإزالة. هو احنا مش بني آدميين, تسأل سيدة عبد الغني, أرملة تعيش مع طفليها في حجرة سقط سقفها. تبدأ معاناتها اليومية بطابور أمام دورة المياه الوحيدة في المنزل الذي يضم9 أسر أخري. بعدها ينتظرون عربية إزاحة الترنشات, تأتي أو لا تأتي, رغم أن كل أسرة تدفع لها20 جنيه أسبوعيا, ولكن كثيرا ما يضطرون إلي اللجوء إلي ازاحتها بأنفسهم, عملية غالبا ما يقوم بها الأطفال الذين يعانون معظمهم من أمراض الحساسية, الكبد, والتقيحات الجلدية, ورغم ذلك يدفع السكان ايجارات من50 إلي150 جنيها في الشهر. وتسأل علية: هي الثورة مش ح تنظف لنا المنطقة, وتدخل الصرف الصحي, حرام نعيش كده, فين الملايين اللي اتسرقت من البلد؟ البعض منهم يريد تملك الأرض التي استقروا فيها منذ عشرات السنين مثل خلف عبد الراضي, الذي يردد أنا هنا منذ عام60, ح ترموني فين؟ هنا أكل عيشنا, بينما يتمني آخرون الخروج من المنطقة اللا آدمية إلي عالم الأحياء. آراء مختلفة لكن الجميع يؤكدون حقهم في النظافة, والحياة الآدمية بدون ترنشات, وكما تقول صباح: إحنا مش عارفين ندخل الحمام علشان عربية ازاحة الترنشات ماجاتش بقالها كتير, لأنهم خايفين من البلطجية, وتقاطعها عفاف: احنا محتاجين الثورة تنقذنا, أن نعامل كبني آدميين, من حقهم يعيشوا في مكان نظيف وأن يجدوا قوت أولادهم. وتتسائل: لو اتغير الدستور ح ناخذ حقوقنا؟ اسئلة كثيرة أمطرنا بها أهل بطن البقرة حول مستقبلهم في ظل ثورة مصر, مؤكدين أنهم لا يفهموا في السياسة, لكن عايزين ريس يحس بيهم ويحسن أحوالهم, كما تقول رشيدة حسين, التي تعدت السبعين من عمرها وتعيش وأحفادها في حجرة ضيقة تتقاسمها مع الطيور التي تربيها. رشيدة, كريمة, حليمة, أم منال, تختلف الاسماء لكن المشكلات واحدة, أرامل أو مطلقات يحصلن علي معاش قدره120 أو130 جنيه شهريا أو اعانات أهل الخير, ويقاومن من أجل استمرار البقاء في منطقة غير آدمية تفتقد كل مقومات الحياة والخدمات بدون عيادة طبية, ولا مدارس قريبة, أو صيدلية تسعفهم عند الضرورة, حياة شديدة القسوة تجعل من مشاهد الموت بسبب انهيار سقف أحد المنازل أو بسبب مرض شديد تحالف معه الفقر الفقر, مشاهد معتادة في المنطقة المهمشة. لكن النهاردة الجميع بدأ يهتم بحقوقه, وتصيح صباح: الثورة علمتنا محدش يسكت علي حقه, لتروي أنها تشاجرت مع أحدهم النهاردة في طابور العيش لأنه أخذ مكانها.وتضيف طالبت بحقي وثار الجميع عليه, وهو ما قام به محمود الذي يرفض استغلال صاحب الزريبة التي يعيش فيها مع أبنائه الأربعة وزوجته. يقول: عايزنا نطلع أو يزود الايجار طب أجيب منين؟ أرزقي يكسب يوم وعشرة لأ ومطلوب منه يدفع150 جنيه ايجار في حجرة يطفح ترنشها كل يومين ليحولها إلي مقبرة كريهة. ويضيف: مبسوطين من الثورة لكن عايزين حقوقنا, حد يحس بينا. أم اسماء عايزة بعد الثورة تخلص من البلطجية في منطقة الزرايب المجاورة الذين يهددون أبنائهم هناك وعند الجامع الذي يطلقون عليه الدولاب يبيعون المخدرات ويتشاجرون بالسلاح دون أن يوقفهم أحد, أخاف علي بناتي, خاصة هذه الأيام كنت ابعتهم يشتروا لي خضراوات من السوق أما الآن فزاد احساس عدم الأمان. تقول أم اسماء التي تقف في كشك صغير تبيع فيه بعض الوجبات البسيطة لأهل المنطقة الذين يشاركونها مخاوفها علي الأبناء وشباب المنطقة ويحلمون باليوم الذي تمنحهم فيه الثورة حقوقهم الإنسانية التي أهدرت طويلا لازالوا يعانون من الاهمال. فالعشوائيات ملف اجتماعي خطير طالما عاني من التهميش, فهل تعيده الثورة إلي بؤرة الاهتمام, خاصة أنه قضية ملايين محرومين من مقومات الحياة الأساسية, وأيضا من قدر كبير من الوعي. علشان الشباب اللي ماتوا يحسوا أنهم عملوا حاجة, تقول إيمان بتلقائيتها وهي تحمل دلو الترنشات لتقليه خارج المنطقة.