لابد من معاودة النظر إلى حزمة التحديات التى واجهت النظام العربى خلال السنوات الأخيرة كمقدمة لإدراك قيمة ما تقوم به المملكة ومصر حالياً . يكفى إدراك كارثية استبدال الحضور العربى بمشاريع تقودها قوى إقليمية غير عربية وهناك دراسة منشورة على موقع «معهد السلام الأمريكى» عام 2010م تتحدث عن «إصلاح الأنظمة العربية» كواحدة من أولويات الإدارة الأمريكية فى المرحلة المقبلة ، وتم الإعتماد على تركيا وقطر بديلاً عن قوى إسلامية وعربية ذات ثقل مثل مصر والسعودية وباكستان، وظهر ذلك واضحاً من فعاليات مؤتمرات «مبادرة أمريكا والعالم الإسلامى» ومن طبيعة توجه وإنتماءات الشخصيات التى كانت تحضرها ، ونوعية الأفكار المطروحة بالترويج للقوى التى تم تصعيدها كونها الأقرب لروح المشروع الغربى الإسلامى ؛ بزعم جمعها بين الإسلام والحداثة والقبول بقواعد اللعبة الديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان والحريات العامة ، وتنويع مصادر التشريع وإحترام حقوق المرأة وإحترام حقوق الأقليات الدينية . تم تجاوز السعودية غربياً بزعم » عدم قدرتها على ضبط تشددها » وفشل الوفاء بمتطلبات » التغيير » على الطريقة الأمريكية ، مقابل الترويج لتركيا وقطر بما تمتلكان من قوة ناعمة وعلاقات قوية مع التنظيمات الإسلامية ونفوذ إقتصادى فضلاً عن المسحة الشرعية القابلة للتوافق مع مشروع دمقرطة الشرق الأوسط وردم الهوة بين العالمين الإسلامى والغربى ، وصولاً لإعادة تقسيم النفوذ بالشرق الأوسط وفق معايير وموازين ومصالح مختلفة ولإحتواء العالمين العربى والإسلامى داخل حسابات الأجندة الأطلسية الأمريكية بما يشبه «سايكس بيكو» جديدة إستغلالاً للحالة الثورية المتحركة داخل الواقع العربى . فى الماضى كان هناك ما نطلق عليه تنافساً بين نظامى الحكم السعودى المحافظ «الدينى» والمصرى المدنى التعددى المنفتح ، وربما وظفت المملكة وقتها بعض التيارات والشخصيات فى الداخل المصرى لتلك المهمة ، مستغلة تطلعات التيار الدينى المصرى الصاعد لإقامة الدولة الدينية وإحياء «الخلافة الإسلامية» ، أما اليوم فشراكة سعودية مع الدولة المدنية المصرية لصد جموح التيارات الراديكالية والمشاريع الأيديولوجية التوسعية ، وبجانب الخطوات الإصلاحية التى أنجزتها المملكة فيما يتعلق بحقوق المرأة السياسية ومشاركتها فى الانتخابات وتقلدها المناصب وتقليص سلطات «هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» فى حدود معاونة الجهات الأمنية فحسب .. إلخ ، نضع الخطوات الرمزية ذات الرسائل العميقة التى قام بها الملك سلمان فى أثناء زيارة مصر «الصادمة » لمشروع الشرق الأوسط الجديد ، والتى تتجاوز فى تأثيرها الإستراتيجى زيارة بوتين لطهران العام الماضى ، كلقاء بابا الكنيسة المصرية ولقاء الإمام الأكبر وخطابه بالبرلمان، كدلالة على تطور حضارى نوعى فى اتجاه الشراكة مع نموذج التعددية والتنوع الحضارى والدينى والعقائدى الذى تحميه الدولة الوطنية وتفشل فى إقامته التنظيمات والقوى ذات الأطماع التوسعية وإن تسترت خلف عناوين كالخلافة وغيرها ، لتظهر حقائق جديدة على الأرض بشأن ما كانت تبحث عنه أمريكا وحلف الأطلسى منذ العام 1995م وهو نموذج الدول الإسلامية التى تعكس «روح الحداثة الديمقراطية بثوب إسلامى» ، وهو الذى دشنه الملك فى زيارته التاريخية لمصر ، مقابل تقهقر المشروع التركى الإخوانى وتيقن عدم مقدرته على القيام بالمهمة الحضارية المأمولة ، وبحسب « فورين بوليسى» فتركيا «تخلت عن الديمقراطية» و «لم تعد نموذجاً للإصلاحيين فى الشرق الأوسط على العكس مما كانت عليه فى مطلع الألفية» ، وعلى لسان وزير الخارجية السعودى فالإخوان «جماعة إرهابية» ولم تعد ذلك النموذج المبهر للغرب كشريك إسلامى .النظام العربى واجه أضخم تحديين يهددان وجوده ؛ التمدد المذهبى والفتن الطائفية، وخطر الإرهاب المسلح وفتنة المشاريع الأيدلوجية التوسعية وكلاهما لا يفشلان وينهزمان إلا أمام وحدة عربية راسخة ، وبعدما وصف الدكتور عمرو موسى طبيعة التحديات المركبة شرح الحل مؤكداً أن «التفكير يدور حالياً حول نظام إقليمي جديد ونظام عربي جديد»، والجديد هنا هو هذا التحشيد العربى الضخم خلف المملكة ومصر كما فى «رعد الشمال» وتأسيس القوة العربية المشتركة ، ضمن تحالف له هيبته وكلمته وتأثيره بحيث يحول دون أية محاولة لخداعه أو إبتزازه بطائفية أو مذهبية ، وقد حالت الإمبراطورية العثمانية قروناً دون ممارسة إيران تلك الألاعيب التى تمارسها اليوم ، بسبب حضور إقليمى متماسك وقوى مناهض لمحاولات تمددها، ولن يفلح فى المهمة اليوم إلا حضور عربى إقليمى مشابه. والجديد أيضاً هو «الجسر»، وهى الفكرة ذات التأثير ثلاثى الأبعاد فى مناهضة ظاهرتى التطرف والإرهاب : الأول : «بسمارك» بدأ بمشروع اقتصادى يربط بين الألمانيتين وهو الذى أنجح الوحدة ، فالمشاريع الاقتصادية تحقق مصالح مشتركة ويستفيد منها الجميع وتنعكس إيجاباً على أوضاع الشعوب ، وهى التى بدأت بها أوروبا وحدتها وصولاً لمجالات ومستويات أخرى ، مثل البرلمان الأوربى والعملة الموحدة ومشروع التكافل الاجتماعى الموحد.. إلخ، وإنشاء الجسر هو البداية المنطقية لتكامل اقتصادى عربى، وهو ما لن يتحقق فى ظل عدم وجود شبكة مواصلات تربط بين مشرق الوطن العربى ومغربه . الثانى : تنمية سيناء وتوفير فرص عمل للشباب ونقل المنطقة من بيئة حاضنة للإرهاب إلى بيئة حاضنة للاستثمار والإنتاج. الثالث: الحرص على احترام التوازنات الدولية الجديدة والاستفادة من التعددية القطبية، خاصة أن الجسر يمر بالشق الجنوبي لطريق الحرير، بما يعزز العلاقات بين الدول العربية والصين ، وبينها وبين المحور الشرقى عموماً . لمزيد من مقالات هشام النجار