تركيا كوسيط بين العرب وإسرائيل خالد السرجاني قام وزير الدفاع الإسرائيلى أيهود باراك بزيارة الأسبوع الماضي لتركيا، قالت مصادر دبلوماسية إن من بين المهام الرئيسية لها هي رغبة إسرائيل في أن تلعب تركيا مهمة حلقة الاتصال بينها وبين سوريا من أجل المضي قدما في المسار السوري المجمد منذ عهد رئاسة أيهود باراك نفسه للحكومة الإسرائيلية. والسؤال الواجب طرحه الآن هو هل تستطيع تركيا أن تقوم بهذا الدور في الوقت الراهن، وهل يتوافق هذا الدور مع ما تسعى إليه من سياسة إقليمية في المرحلة المقبلة؟.
والحاصل أن تركيا تسعى منذ فترة للعب هذا الدور فبعد الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان، تقدمت تركيا إلى الصدارة عارضة القيام أولا بدور الوساطة بين الجانبين ثم المشاركة في القوات الدولية لحفظ السلام في لبنان وذلك من اجل أن تؤمن لنفسها دورا مركزيا في تفاعلات المنطقة في مرحلة ما بعد الحرب وكان التحليل السائد يرى أن ما تقوم به تركيا من دور هو مقدمة لكي تصبح دولة مركزية في النظام الإقليمى للمنطقة.
وهو نظام لا يزال قيد التأسيس. وبهذه المناسبة طرح المهتمون بتطورات المنطقة أسئلة حول أهلية تركيا للعب هذا الدور، وهنا بدا أن لتركيا العديد من المقومات الضرورية للعب هذا الدور المهم وفقا للرؤية الأميركية لمستقبل المنطقة.
وفى مقدمة هذه المقومات أنها تمثل الإسلام السني في الوقت الذي تريد فيه الولاياتالمتحدة أن تحاصر صعود الإسلام الشيعي ممثلا في كل من إيران وشيعة العراق الذين أصبحوا يسيطرون على الدولة العراقية وأخيرا حزب الله اللبناني ولأسباب متعددة لا تستطيع الولاياتالمتحدة أن توازن هذه القوى الشيعية التي معظمها عربي عن طريق دوله عربية لان هناك كوابح متعددة تحول دون أن تقوم القوى السنية العربية الكبرى مثل مصر والسعودية والأردن بهذا الدور بالنجاح الذي يمكن أن تحققه تركيا إذا قامت به.
ولتركيا تراث تاريخي في حصار الإسلام الشيعى وان اتخذ هذا الأمر طابعا قوميا حيث حالت حينما كانت تمثل بالإمبراطورية العثمانية دون تمدد الإمبراطورية الصفوية الفارسية شيعية المذهب التي كانت توجد في إيران نفوذها الإقليمي. وقد حالت تركيا بالذات دون أن تسيطر هذه الإمبراطورية الفارسية على العراق وظل النزاع بين الجانبين حول هذا البلد العربي الذي يقع على الحدود بين الإمبراطوريتين الكبيرتين في ذلك الوقت بالطبع وهو نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
ولتركيا ميزة أخرى تعد احد المقومات الرئيسية لدورها المنتظر في منطقة الشرق الأوسط، وهذه الميزة هي أنها أصبحت تمثل بالنسبة للولايات المتحدة التطبيق المعتدل للإسلام الذي يجرى مصالحة بين الإسلام والحداثة وبينه وبين التعددية السياسية وبين التطبيق الديمقراطي الحديث والنموذج الذي يمزج بين الإسلام وبعض التقاليد الراسخة في الثقافة الغربية مثل التسامح والعلمانية وغيرها.
ولم تخف الإدارة الأميركية في السنوات الأخيرة رغبتها في أن يكون النموذج التركي في التطبيق الديمقراطي هو المطبق في كل الدول الإسلامية الصديقة لها.
وكان مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي سبق وأعلنه الرئيس الأميركي جورج بوش مستمد في بعض نقاطه الرئيسة من التطبيق التركي في السياسة والاقتصاد، خاصة وأن تجربة وجود حزب إسلامي أو ذو جذور إسلامية في السلطة عبر صناديق الانتخاب وعدم استبعاده للقوى السياسية الأخرى وعدم تقويضه لأسس الدولة العلمانية نجحت بالصورة التي دفعت الولاياتالمتحدة لتطبيقها في دول أخرى من اجل أن تتحول هذه الدول إلى الديمقراطية من دون أن تتخلى عن طابعها الإسلامي.
وبالتالي فان احد أهداف الدور التركي المنتظر في منطقة الشرق الأوسط هو تصدير النموذج السياسي التركي إلى دول المنطقة من دون أن يبدو ذلك وكأنه مفروض من قبل قوى خارجية عنها أو دول تعادى الإسلام.
من هنا نستطيع القول إن مسعى إسرائيل لدى تركيا يستهدف إعطائها دورا رئيسيا في تفاعلات المنطقة كمقدمة للقيام بالدور الذي تسعى إليه الولاياتالمتحدة، ولكن هذا الأمر يتطلب منا طرح سؤال آخر هو هل لدى تركيا مقومات أخرى للعب دور الوسيط بين العرب وإسرائيل؟
وفى هذا المجال نستطيع القول إن تركيا لديها مقومات مهمة في مقدمتها أنها على مدى الصراع العربي الإسرائيلى لم تنحاز لطرف من أطراف الصراع على حساب الطرف الآخر، وكان ذلك طوال العصر الذي حكمت فيه النخبة العلمانية التي كانت تؤمن بالقيم الغربية وكانت ترى أن هناك مشتركات بينها وبين إسرائيل ولكنها لم تنحاز لها حفاظا منها على المصالح الاقتصادية لبلادها.
وهذا الوضع جعل تركيا مؤهلة للعب دور الوسيط بين الجانبين، ولكن مع مجيء حزب العدالة والتنمية إلى الحكم أصبح أكثر تأهيلا للعب هذا الدور لأنه حافظ على علاقات تركيا مع إسرائيل وأزال أية شبهه في أن تكون منحازة لإسرائيل وفى نفس الوقت أصبحت تركيا أكثر اقترابا من الدول العربية.
وإذا كان هناك من المراقبين من رأى أن تركيا تستطيع أن تقوم بدور الوساطة بين إسرائيل وحماس، فان هذا التحليل يجانبه الصواب لأنه يتجاهل أمرا غاية في الأهمية وهو أن تركيا تبدي رغبة في القيام بدور حلقة الوصل بين العرب وإسرائيل كمقدمة لكي تكون هي الدولة المركزية في نظام إقليمي في طور التأسيس وهى هنا لابد وان تلتزم برغبات القوة التي تسعى إلى تأسيس هذا النظام ونقصد بها الولاياتالمتحدة التي تضع خطا أحمر على اى دور رئيسي لحركة حماس وهى وضعت في الاعتبار أن إسرائيل لن تتحمس لوساطة تعطي لحماس شرعية الأمر الواقع.
ومن هنا نفهم لماذا أسرعت إسرائيل بالبحث عن تحريك للمسار السوري حتى يحدث تغيير على صعيد المسار الآخر وهو المسار الفلسطيني الذي يبدو أن كلا من الولاياتالمتحدة وإسرائيل ترغبان في أن يكون التغيير في اتجاه تراجع حماس لصالح قوى حركة فتح. وبالطبع لا يستطيع المراقب أن يتكهن بما إذا كانت تركيا ستبدأ وساطتها من نقطة الصفر أم من حيث توقف هذا المسار عام 2000، فهذا الأمر سيتضح عندما تبدأ في وساطتها وليس الآن.. عن صحيفة البيان الاماراتية 20/2/2008