تابع العالم الأحداث التي شهدتها عملية القرصنة الأخيرة ضد سفن »اسطول الحرية« لإغاثة أبناء الشعب الفلسطيني في غزة باهتمام شديد، ولم يلتفت إلي موقف تركيا الرسمي من تلك الأحداث، إلا من ظاهره الذي وضح من موقف عنتري داخل مجلس النواب التركي، أعقبته تصريحات نارية نفخت فيها وضخمتها »قناة الجزيرة« من خلال محللين أكدوا علي دور المارد التركي والذي أصبح هو ملاذ العرب ضد تعنت إسرائيل، وأكدوا علي ان هناك ردودا قد تصل إلي عسكرية لردع إسرائيل الخاسرة والتي قد تحرمها تركيا من استخدام أجوائها في أي عمليات عسكرية مقبلة، فضلا عن الإشارة إلي الحلف الجديد الذي سيقود المنطقة العربية ويتحكم فيها بزعامة تركيا وعضوية دمشقوطهران! هنا يجب ان نقف أمام عدة نقاط أساسية.. ما هو دور الإمبراطورية العثمانية الحالي؟ لقد وضح من التصريحات الرسمية التركية ان هناك إجراءات اتخذتها تركيا لمعاقبة إسرائيل منها سحب السفير »إلي متي؟!« ثم إلغاء المباريات التدريبية للفريق القومي الأوليمبي بتل أبيب، ثم الإعلان عن وقف المناورات العسكرية المشتركة التي كانت مقررة ان تعقد بين وزارتي الدفاع في تل أبيب واسطنبول.. ولم يظهر أمام العالم طبيعة العقود العسكرية التي أبرمت بين الدولتين ونفذت خلال الأشهر القليلة الماضية، ومنها صفقة طائرات بدون طيار قامت بشرائها تركيا من إسرائيل بعد إلحاح خلال مارس الماضي 0102، وصفقة تطوير تسليح دبابات تركية تمت بتصنيع مشترك بين إسرائيل وتركيا.. بالإضافة إلي ذلك فإن حجم التبادل السياحي بين الدولتين يقدربثمانية ملايين سائح سنويا، وحجم الميزان التجاري بين الدولتين قد تعدي المائة مليار دولار. كل هذه المعطيات تعبر عن حقيقة وجه السياسة التركية التي أصبحت لاعب سيرك في المنطقة العربية يجتذب أنظار العرب السذج ويدغدغ مشاعر القلوب العربية دون ان يروا حقيقة هذا الوجه. فتركيا منذ ان فقدت أملها في الالتحاق بدول الاتحاد الأوروبي، وأصبحت مهووسة بدور إقليمي ليس حبا في العرب، ولكن لتسويق نفسها أمام الاتحاد الأوروبي بأنها دولة فاعلة في المنطقة يجب الاعتماد عليها فأنفتحت علي القضايا العربية، بداية من مسلسل دافوس بطولة اردوغان مع شيمون بيريز وهو مسلسل تمثيلي أمتع السذج بالموقف التركي! وهنا يجب أن نشير إلي مباركة إسرائيل لهذا الدور، في نظرة تآمرية، فقد سعت إسرائيل لإعطاء دور لتركيا ظنا منها انها تعلق الدور المصري، وبالتالي تسعي لاستمالة مصر أكثر إلي جانبها تحسبا أن تأخذ تركيا دورا منها علي حساب مصر!.. إلا أن تركيا لم تفهم طبيعة هذه العلاقة نتيجة اعتبارات كثيرة منها أحلام إعادة الدولة العثمانية، ومنها دغدغة مشاعر الحزب الإسلامي وتقويته علي حساب المؤسسة العسكرية، ومنها إثارة موقف الاتحاد الأوروبي لضمان مصالحه في المناطق العربية، وهو الأمر الذي دفع تركيا مؤخرا للعب دور أكثر من الوسيط في إطار تحالفات مع إيران في محاولة لايجاد مخارج لطهران أمام العقوبات المفروضة عليها من الأممالمتحدة نتيجة تهربها من الملف النووي.. هذا الأمر واكبه صفقات واتفاقيات وبروتوكولات وقعت لصالح الاقتصاد التركي باعتبار أن إيران تحت الحصار وأن المنتج التركي أصبح أهم الواردات لطهران فضلا عن عمليات السياحة والشركات المشتركة التي وقعت بين الدولتين. أما بالنسبة للحليف الثالث وهو دمشق فهي دائما سياسي بدرجة تاجر »مني فاتورة« ممتاز أو بمعني أصح سمسار سياسي ذهب بكل جوانحه واهتماماته ومقدراته لربط مصالحه بكل من تركيا باعتبارها زعيما إسلاميا سنيا له ثقل في المنطقة، وجار استراتيجي وكلَّه في عملية المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل ووقع معه العديد من البروتوكولات، منها رفع التأشيرات بين البلدين واتفاقات سياحية وتجارية تخطت 08 مليون دولار، وعمل في المقابل علي تقريب وجهات النظر ودعم التحالف مع شريكه الأساسي ومحور عدم استقرار المنطقة ايران، بهدف تكوين تحالف يمكن توظيفه لصالح أهدافهم الاستراتيجية والتي قد تتلاقي مرحليا في أهداف تكتيكية، ولكنها بعيدة عن التوافق، فدمشق تسعي لدور إقليمي متميز يكون من أهدافه السيطرة علي لبنان ورعاية القضية الفلسطينية والمتاجرة بأوراق حزب الله وحماس أمام الإدارة الأمريكية، وابتزاز الاتحاد الأوروبي بعلاقتها بطهران. وطهران تسعي إلي المفاوضة بمكاسب ملفها النووي بعلاقتها بحزب الله ودورها الخفي في إفشال المصالحة الفلسطينية، وتوظيف دورها في إقلاق الخليج كخدمة غير مباشرة لتجارة الأسلحة في المنطقة العربية، وتركيا تريد أن تدخل الاتحاد الأوروبي من خلال إظهار أهميتها في المنطقة وتربط تلك الأهمية بمصالح الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية والمنطقة العربية. سواء من خلال دورها في العراق أو علاقتها بطهران أو تأثيرها علي موقف إسرائيل، إلا أن هذا الدور خرج عن إطاره الصحيح المطلوب تركيا، نتيجة إصابة السياسة التركية »بالشيزوفرنيا« في القرار، ما بين نظريات أتاتورك وبين الحزب الإسلامي الحاكم، وبين تقاليد المؤسسة العسكرية. كل هذا نتج عنه ما شاهدناه مؤخرا من تخبط مصالح وصراعات تحت مسمي حماية الشعب الفلسطيني والحرص علي مصالحه، فأصبحت القضية الفلسطينية وسيلة لابتزاز مشاعر العرب، وليست هدفا لايجاد دولة فلسطينية، الكل يسعي للمتاجرة به، سواء من الأناضول إلي دمشق ثم طهران فأصبحت القضية الفلسطينية داخل سوق النخاسة بين الجهاد الإسلامي وحماس وفرقاء فتح! [email protected]