الحياة الزوجية تقوم علي السكن والمودة والرحمة وحسن المعاشرة وأداء كل من الزوجين ما عليه من واجبات ولكن عندما يتضاعف البغض ويشتد الشقاق ويصعب العلاج. وعندما يذهب ما أسس عليه البيت من السكن والمودة والرحمة، وتصبح الحياة الزوجية غير قابلة للإصلاح فإن الإسلام يطرح العلاج الذي لابد منه، فإن كانت الكراهية من الرجل فبيده الطلاق وهو حق من حقوقه ويجب أن يستعمله في حدود الشرع.. وإن كانت الكراهية من جهة المرأة فقد أباح لها الإسلام أن تتخلص من الحياة الزوجية بطريقة الخلع بأن تعطي الزوج ما أخذت منه بحق الزوجية لتنهي علاقتها به. وهذا العام تمر10 سنوات علي تطبيق قانون الخلع في مصر.. فهل حقق القانون أهدافه أم لا؟ وما هي السلبيات التي ظهرت أثناء تطبيق هذا القانون؟ علماء الدين والاجتماع ورجال القانون يجيبون عن هذا التساؤل في التحقيق التالي: يجزم الدكتور محمد مختار المهدي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بأن الخلع هو الحل الذي أعطاه الإسلام للنساء لإنهاء حياة زوجية فاشلة, ولكن تطبيقه علي مدي السنوات العشر الماضية صار يشكل تهديدا لاستقرار الحياة الأسرية, لأن بعض النساء يلجأن إلي الخلع عند حدوث أي خلاف ولو بسيطا مع الزوج. ولقد أعلنت العديد من النساء اللاتي لجأن إلي الخلع في حالة تهور أنهن نادمات علي ما أقدمن عليه. ولذلك يحتاج قانون الخلع في مصر إلي إعادة النظر في تفاصيله, وأساليب تطبيقه. ويشير إلي أن خلع الزوج في الإسلام هو آخر الحلول, وليس أولها لإنهاء الحياة الزوجية لأن المفروض أن تقوم الأسرة علي الاستقرار والصبر والتعقل. ثغرات تحتاج إلي تعديل تشريعي أما المستشار خليل مصطفي خليل رئيس محكمة الاستئناف العالي لشئون محاكم الأسرة, فيقول: خلال السنوات العشر الماضية أثبت الواقع العملي لتطبيق قانون الخلع في المحاكم أنه توجد في هذا القانون بعض الثغرات التي تؤدي إلي إطالة إجراءات اتمام إنهاء الحياة الزوجية بين الطرفين أهمها الاختلاف حول قيمة المهر الذي يجب أن تدفعه الزوجة للزوج حتي يتم الخلع. فالزوجة تقول رقما في المهر والزوج يبالغ في الرقم المطلوب, ولذلك تطول فترة التقاضي, وتصل في بعض الأحيان إلي سنوات عديدة. وأري أن قانون الخلع في مصر يحتاج إلي تدخل تشريعي لسد هذه الثغرة القانونية, علي أن يتم حساب المهر علي ما هو مكتوب في قسيمة الزواج بالفعل, وإذا شكك الزوج في قيمة المهر فعليه التوجه إلي المحكمة المدنية حتي لا يعرقل تنفيذ إجراءات دعوي الخلع. استمراره.. وإز الة العراقيل ويؤكد عبدالمعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف أن الخلع تشريع رباني وجد لتحقيق العدالة بين الزوجين.. فالطلاق للرجل والخلع للمرأة. وإذا وجد في تطبيقه بعض العراقيل وجب أن يبقي الخلع ويتم تعديل العراقيل التي تقف في سبيل تحقيقه. ولعله من سلبيات تطبيق الخلع خلال السنوات العشر الماضية أنه كثرت النكات والاستهزاء بالرجل المخلوع أو المرأة المخلوعة وهذا أمر غير مقبول علي الاطلاق, ولذلك يجب أن يقوم رجال الدين والقانون ومختلف وسائل الإعلام بتوعية الناس بأن الخلع أمر أقره الشرع والدين وهو تشريع رباني. اختصار زمن التقاضي وتبسيط إجراءاته وتقول نادية حليم أستاذ العلوم الاجتماعية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: هذا القانون يهدف إلي تيسير إجراءات التقاضي, وسرعة حل المنازعات واختصار الوقت في فض الاشتباكات بين الأزواج والزوجات, والإجراء الوحيد في الخلع هو ان تبري الزوجة مقدم الصداق( المهر), وهي غير مطالبة برد أي شيء آخر وينص القانون علي تنازل المرأة عن حقوقها المالية الشرعية وهي النفقة ومؤخر الصداق. وتضيف انه إذا كان الهدف من الخلع تقصير إجراءات التقاضي فان هذا الهدف تحقق بصورة جزئية للبعض فقد استغرقت بعض دعاوي الخلع أكثر من عامين, ولكن الغالبية استغرق الحكم فيها ما بين ستة أشهر وسنة. وأرجعت ذلك إلي أسباب أوضحتها دراسة لمركز قضايا المرأة المصرية بعنوان الآثار الاجتماعية للخلع ومنها عدم استجابة الزوج للمثول أمام المحاكم أو تهربه من تسلم الإعلانات أو يتجاهلها, والزام الزوجة بالحضور بنفسها لكي تقدم التنازل عن حقوقها المالية والشرعية, رغم عدم وجود نص قانوني بذلك. وتقول: إذا كان قانون الخلع لا ينص إلا علي رد المهر والتنازل عن الحقوق الشرعية التي تشمل مؤخر الصداق والنفقة فالواقع يشهد أن المرأة تضطر إلي التنازل عن أشياء لا ينص عليها القانون مثل الهدايا التي أهداها لها الزوج ومنقولات المنزل( القائمة نقدا) وفي بعض الأحيان تضطر الزوجة لترك الشقة والتنازل عن حضانة الصغار لاغلاق باب المنازعات والمنغصات والمكائد. وفي بعض الأحيان تضطر الزوجة إلي دفع مبالغ مالية كبيرة قيمة الصداق( المهر) عندما يدعي الزوج انه دفع مبالغ مالية غير حقيقية لتعجيز الزوجة في طلبها للخلع وفي بعض الأحيان لمنع الزوجة من حصولها علي حقوقها. الخلع.. قرار الزوجة وحدها وتقول عزة سليمان مديرة مركز قضايا المرأة: إن هذا القانون يحتاج إلي مذكرة تفسيرية له, كما أن بند الصداق المنصوص عليه في عقد الزواج يجلب اعتراضات كثيرة, لأن القيمة المنصوص عليها في قسيمة الزواج هي قيمة رمزية لا علاقة لها بالمبلغ الفعلي المدفوع. وهذا الأمر يعرض الزوج لظلم في بعض الأحيان, إلا أن ذلك لا يعفي الزوج من العقاب الذي يستحقه لعدم ذكر القيمة الحقيقية للصداق تهربا من دفع الرسوم للدولة. كما أن المادة20 فتحت بابا للمناقشة حول أمر غير منطقي, وهو مبدأ التراضي علي الخلع والذي ينص علي أن يسبق رفع الدعوي التراضي بين الزوجين علي الخلع, فإذا لم يتم أقامت الزوجة دعواها, وحكمت المحكمة بتطليقها.. فهذه المادة تعطي الزوج الحق في الموافقة علي الخلع وهو ما لم ينص عليه القانون أو الشرع الذي يقوم علي ان الخلع قرار الزوجة فقط. ولعل أهم مشاكل تطبيق الخلع في مصر هو الافتقار إلي البيانات والأرقام عن الحجم الفعلي لدعاوي الخلع في مصر خلال السنوات العشر الماضية مما يجعل من العسير التصرف علي المردود الفعلي والحقيقي لقانون الخلع علي المجتمع. وتوضح أن العديد من المشكلات الأسرية دفعت الزوجة إلي اللجوء إلي الخلع أو طلب التطليق, أولها اعتداء الزوج المتكرر بالضرب وتصل نسبة هذا السبب إلي77,4% من اجمالي الحالات, كما شكل عدم القدرة علي الانفاق أو البخل الشديد للزوج نسبة73,4%, وغياب الزوج عن المنزل معظم الوقت41,6% وعلاقة نسائية خارج نطاق الزواج25,9% والزواج بأخريات12,8% وغالبا ما تلجأ الزوجة إلي الخلع بعد استنفاد كل السبل للصلح لاستمرار الحياة الزوجية. أعاد توازن العلاقة الزوجية يقول الدكتور محمد نور فرحات أستاذ القانون بجامعة الزقازيق إن حق المرأة في خلع نفسها من الرجل مسألة مقررة بنصوص القرآن الكريم وبالسنة المؤكدة والمشرع المصري عندما أقر مادة الخلع في القانون رقم1 لعام2000 أخذ بنظام الخلع الذي أقرته الشريعة الإسلامية. ويري د.نور فرحات ان الخلع اعاد التوازن إلي العلاقة الزوجية فلم تعد قط في يد الزوج.. وقد فوت قانون الخلع تعسف بعض الأزواج مع زوجاتهم بعدم طلاقهن رغم استحكام النفور وفي ذلك نتذكر قول الله تعالي فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وهو أمر مخالف للعدل والانصاف.. ووجود سوء استخدام لحق طلب الخلع ومع هذا فان هذا لا يؤدي إلي إدانته علي الاطلاق. كما أن وجود اساءة لا تؤدي إلي القول بضرورة مصادرة أصل الحق. الفقهاء الأوائل.. أكثر تحررا أما الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر فتقول: إن قانون الخلع منذ أن رأي النور منذ عشر سنوات علي يد المستشار الجليل فتحي نجيب قامت الدنيا ولم تقعد في مصر علي الرغم من أنه يطبق منذ سنوات عديدة بكل يسر وسلاسة في العديد من الدول العربية الشقيقة والدول الإسلامية. وصارت كلمة( الزوج المخلوع) مثيرة للسخرية من خلال العديد من المقالات والصور الكاريكاتورية التي أفسدت تطبيق هذا القانون في مصر علي الرغم من أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أقره منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام. وأضافت أنها تري أن الفقهاء الأوائل كانوا أكثر سماحة وتفهما وتحررا فقد قال ابن رشد في كتابه الشهير( بداية المجتهد) لقد أعطي الله الحق الأصيل في المبادرة بالطلاق للرجل كما أعطي المرأة الحق في الخلع حتي يكون ميثاق الزواج في حالة من العدالة والتوازن.. وأكدت أن كل قانون جديد اثناء تطبيقه وتفعيله يحدث في المجتمع حالة من القلق.. وهذا أمر طبيعي فقد طبق الخلع في مصر بعد قرون طويلة عانت فيها المرأة القهر داخل أربعة جدران ويتركها زوجها في بعض الحالات مثل بيت الوقف كأن يحبسها في حجرة فوق السطوح مثلما كان يحدث في بيت الطاعة. أيضا بقانون الخلع لم يصبح الرجل صاحب الحق الوحيد في استمرار الحياة الزوجية ولم تعد المرأة ذليلة مقهورة. وإذا رأينا بعض السلبيات في أثناء تطبيق الخلع خلال السنوات العشر الماضية فهذا أمر طبيعي لان هذا الشرع والقانون يظهر من تحت الركام.. وأضافت د.آمنة نصير: انني أري تفهما كبيرا من النساء في مصر لهذا القانون ولكن مازال الرجل يستقبله بكثير من المرارة والضجر, ولعل أهم فوائد تطبيق قانون الخلع علي الحياة الزوجية في مصر هو ايجاده لشيء من الحرص والحذر من قبل الزوجين معا فالقانون أعطي المرأة حرية مشروطة في إنهاء حياتها الزوجية كما جعل الزوج يحتاط في تصرفاته وأفعاله لا يقع تحت طائلة قانون الخلع. ولذلك أقدم نصيحة لكل زوجة ان تتريث كثيرا قبل اللجوء إلي قانون الخلع حرصا علي حياتها الأسرية وعدم تشتيت أبنائها.. ولتجعل الخلع حلا نهائيا تلجأ إليه عندما تغلق في وجهها أبواب الحيا تماما مع الزوج, أما إذا كانت هناك نافذة أمل في استمرار حياتها الزوجية فلا تلجأ إليه. أما الدكتورة عفاف النجار عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر فقالت اتفق تماما مع كل ما قالته الدكتورة آمنة نصير في نصيحتها إلي كل زوجة تفكر في خلع زوجها, عليها ان تفكر عدة مرات قبل ان تقدم عليه وتنفذه فهو انهيار للأسرة وضياع للأبناء. وأضافت د. عفاف النجار إن اعطاء الشرع للمرأة حق انهاء حياتها الزوجية بالخلع ليس معناه ان تفكر فيه عند وجود أي مشكلة كبيرة أو صغيرة.. فعليها ان تحترم كيان أسرتها ومستقبل ابنائها.