قبل رحيله بثمانية عشر يوما وقع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر على قانون بإنشاء نقابة الصحفيين، ليكون بديلا للقانون 185 لسنة 1955 ، ونشر القانون الجديد فى العدد رقم 38 من الجريدة الرسمية بتاريخ 17 سبتمبر 1970 حاملا بصمات مرحلة مهمة فى تاريخ الصحافة المصرية . لكن هذا القانون ، الذى يحمل رقم 76 لسنة 1970 لم يعد ملائما لصحافة القرن الحادى والعشرين . بل إن العديد من مواده تتناقض تماما مع الدستور الحالى ، بل مع الدساتير السابقة اعتبارا من دستور 1971 وتعديلاته عام 1980. وقد لاتعلم الغالبية العظمى من أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، وربما غالبية مجلس النقابة ، أن مادة مهمة فى هذا القانون حكمت المحكمة الدستورية العليا منذ نحو 14 عاما بعدم دستوريتها ، وهى المادة 62 التى تنص فى فقرتها الثانية على أن (لخمس الأعضاء الذين حضروا اجتماع الجمعية العمومية حق الطعن فى صحة انعقادها وفى تشكيل مجلس النقابة). وتعود وقائع تلك القضية الى قيام الصحفى الراحل عادل سليمان عضو النقابة برفع دعوى بتاريخ 2 مايو 1998 أمام المحكمة ضد كل من رئيس مجلس الوزراء ونقيب الصحفيين ورئيس محكمة جنوبالقاهرة بصفته رئيس اللجنة المشرفة على انتخابات النقابات المهنية ، طالبا الحكم بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 62 من القانون 76 لسنة 1970 فيما تضمنته من اشتراط رفع الطعن فى صحة انعقاد الجمعية العمومية وفى تشكيل مجلس النقابة أمام محكمة النقض - الدائرة الجنائية - من خمس الأعضاء الذين حضروا اجتماعاتها . وبعد نظر القضية بالمحكمة الدستورية لمدة 4 سنوات ، قضت فى جلستها بتاريخ 15 ديسمبر 2002 برئاسة المستشار الدكتور محمد فتحى نجيب بعدم دستورية اشتراط نصاب معين للطعن فى صحة انعقاد الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين وفى تشكيل مجلس النقابة . ولا يتسع المجال هنا لنشر تفاصيل ذلك الحكم، لكن أهم مااستند اليه ، النص الدستورى بالحق فى التقاضى . لذا أكدت المحكمة أن تعليق إرادة الشخص الطبيعى فى مباشرة حقه فى التقاضى على موافقة ارادات اخري، يترتب عليه إهدار إرادة هذا الشخص، وهو إهدار لحق كفله الدستور . وقد أوردنا هذا الحكم الذى أصدرته المحكمة الدستورية كنموذج لما يمكن أن يصدر من أحكام بشأن قانون عفا عليه الزمن وأصبح سبة فى جبين البرلمان والنقابة لو استمر العمل به! ويكفى أن نذكر بعض المواد التى يحويها هذا القانون الرجعى المعيب للتدليل على انه لم يعد صالحا ابدا للعمل به فى الوقت الراهن. خذ عندك مثلا المادة رقم 3 التى تنص على أن (يجرى نشاط النقابة فى إطار السياسة العامة للاتحاد الاشتراكى العربي) والمادة رقم 16 التى تلزم مجلس النقابة بإبلاغ الاتحاد الاشتراكى ووزارة الإرشاد القومى بقرارات لجان القيد ، والمادة رقم 20 التى تمنح وزير الإرشاد حق نقل اسم عضو ترك العمل بالصحافة الى جدول غير المشتغلين ، والمادة 33 التى تنص على أن يصدر بمشروع اللائحة الداخلية للنقابة وفروعها قرار من وزير الإرشاد القومى بعد موافقة الاتحاد الاشتراكى العربى .والمادة 42 التى تلزم مجلس النقابة بإخطار الاتحاد الاشتراكى ووزير الإرشاد بنتيجة انتخاب أعضاء النقابة والنقيب وقرارات الجمعية العمومية خلال اسبوع من تاريخ صدورها . والمادة 62 فقرة أولى التى تنص على أن (لوزير الإرشاد القومى أن يطعن فى تشكيل الجمعية العمومية وتشكيل مجلس النقابة، وله كذلك حق الطعن فى القرارات الصادرة من الجمعية العمومية) ، والمادة 65 التى تحظر العمل بالصحافة الا للأفراد الحاصلين على موافقة من الاتحاد الاشتراكى العربى !.. تلك عينة من مواد عديدة يكتظ بها قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 الصادر منذ 46 عاما . ومرت السنوات وصدرت دساتير تنسف هذا القانون وتقتلعه من جذوره لو رفعت قضايا ضده أمام المحكمة الدستورية على غرار تلك القضية التى صدر الحكم بشأنها فى ديسمبر عام 2002 . وقد لايعرف الكثيرون أن قانون نقابة الصحفيين ، حينما صدر عام 1970 ، كان مبنيا على فلسفة قانون تنظيم الصحافة رقم 156 لسنة 1960 الذى تم بموجبه تأميم الدور الصحفية الاربع التى كانت مملوكة للأفراد فى ذلك الوقت وهى الأهرام واخبار اليوم ودار الهلال وروزاليوسف. وقد حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية مادتين فى ذلك القانون الذى كان -من وجهة نظرنا - وبالا على الصحافة المصرية ، إذ خلط بين العمل المهنى فى الصحافة والعمل السياسى ، وأدى إلى سيطرة الأداء البيروقراطى على مهنة الصحافة، وأقحم الاتحاد القومى - ذا الصبغة السياسية - فى عملية تشكيل مؤسسات خاصة لإدارة الصحف وتعيين مجالس إدارتها. وهكذا صدر قانون نقابة الصحفيين مترجما لنصوص قانون لامثيل له فى أى دولة تحترم حرية الرأى والتعبير. لكنها كانت مرحلة اختلط فيها العمل الصحفى بالعمل السياسى. وكانت لقادتها وجهة نظرهم التى نحترمها ونقدرها، لكن من الخطورة أن نظل مرتدين عباءة الماضى السحيق والا نواكب التطورات الراهنة فى عالم الصحافة. إننا نأمل أن يشهد عام 2016 صدور حزمة التشريعات المنظمة للعمل الصحفى والإعلامى فى مصر طبقا للدستور، إلى جانب قانون جديد لنقابة الصحفيين وقانون نقابة الإعلاميين التى أصبح انشاؤها أمرا ضروريا وملحا. ويبقى السؤال المطروح فى أوساط الجماعة الصحفية والاعلامية : لماذا التعتيم على هذه التشريعات؟ وهل نحن جادون فعلا فى النهوض بالإعلام المصرى وانتشاله من حالة الانفلات والتسيب ومستنقع التفاهة والسطحية!