بعدما أنشغل الناس لعدة أسابيع، بأنباء التغيير الوزارى وانتظروه رغم نفى الحكومة اكثر من مرة حدوثه، ورغم أن الأمر لم يتعد كونه ترقيعا وزاريا بخروج عدد محدود من الوزراء وحلول غيرهم من الشخصيات غير المعروفة مكانهم ، فإنه شغل الناس الذين كانوا يمنون النفس بتغيير شامل وكامل لحكومة لم تقنع الشارع المصرى بأدائها رغم مرور عدة شهور وارتفعت فى عهدها الأسعار وانهار الجنيه الذى تراجع إلى أدنى مستوياته فى مواجهة الدولار. ليبقى السؤال : لماذا التعديل ؟ ولماذا فى هذا التوقيت ؟ فالمعروف أن الحكومة مطالبة بتقديم بيان امام البرلمان لنيل ثقته حسب نصوص الدستور وقد كلفها الرئيس باعداد برنامجها للمرحلة المقبلة ، لتعرضه على النواب ، لتتمكن من مواصلة عملها بتشكيلها الحالى إذا حصلت على ثقة النواب ، وهو الأمر المنتظر تنفيذه خلال الفترة القليلة المقبلة، ما يعنى أنها فرغت من صياغة برنامجها وأسهم فيه عدد من الوزراء الذين غادروا المقر الوزاري، وهو يعنى أيضا أن الوزراء الجدد لا علاقة لهم ببرنامج الحكومة المعد للبرلمان، ما يضع علامة استفهام كبيرة ، إذ كيف ينفذ وزير برنامجا لم يقترحه أو يشارك فى إعداده أو حتى يناقشه، ناهيك عن أن أحدا لم يوضح للراى العام ، لماذ خرج أولئك الوزراء فى هذا التوقيت ، فمثلا وزير الرى والموارد المائية حسام المغازي، لديه ملف مهم للغاية، وهو متابعة أزمة سد النهضة الإثيوبي، وحضر على مدى عامين ونصف العديد من الاجتماعات ، ثم فجأة يأتى وزير جديد مطالب بخوض المعركة التفاوضية مع الجانب الإثيوبي، وربما لديه توجه مختلف او استراتيجية أخري، تبدأ معها القضية من نقطة الصفر وهو مايصب فى مصلحة الجانب الإثيوبى الذى يستغل الوقت من أجل إنجاز العمل فى السد ، بينما نحن مشغولون بالتفاوض ونغير كل حين الشخص المسئول ، ثم إن التغيير يأتى دائما فى الوزارات التى لا يجيد وزراؤها تلميع انفسهم إعلاميا حتى أنهم يخرجون من الوزارة دون أن تتذكر الناس أسماءهم وبعضهم لم يقض فى منصبة إلا بضعة أشهر ، ولا يعرف لماذا جاء ولماذا رحل، ولنا فى وزير السياحة هشام زعزوع المثل، فالرجل كان وزيرا ثم استبعد فى تعديل وزاري، وبعد فترة بسيطة عاد من جديد وكأن الشخصيات التى تملك خبرة العمل السياحى فى مصر قد نضبت ، وها هو يخرج فى التعديل الأخير دون أن نعرف لماذا أعيد؟ ولماذا خرج للمرة الثانية؟ وهل يكمن أن نراه فى الحكومة بعد وقت قصير!!، ثم نأتى إلى الدكتور جلال السعيد فالرجل أسندت إليه قبل فترة حقيبة وزارية فى حكومة الدكتور كمال الجنزورى ثم غادرها لكنه عاد من بوابة العمل التنفيذى محافظا للعاصمة وها هو يعود للوزارة من بوابة النقل، وشمل التعديل أيضا عودة رجال القطاع الخاص إلى العمل الحكومى ممثلا فى ثلاثة وزراء هى المالية والاستثمار والسياحة ، رغم ما تعرضت له الفكرة عند تنفيذها أيام مبارك وكان عنوانها رشيد محمد رشيد ، فهل دخول رجال الاقتصاد الخاص ضمن الحكومة أمر يكفى لإحداث التغيير المطلوب القادر على التغلب على العقبات الاقتصادية التى تقض مضاجعنا وتنذر بمشكلات لاقبل لنا بها، ويبقى سؤال يلح على ذهني: هل معنى قصر التعديل الوزارى على عشر حقائب وزارية أن بقية الوزراء يحققون المطلوب منهم ، أم أن رئيس الحكومة عجز عن إقناع البعض لتولى المسئولية فى وزارات أخرى فتم الاكتفاء بالعدد الذى تم تغييره ، الغريب أن وسائل الاعلام وكالعادة تفننت فى تقديم الوزراء الجدد ومنحهم من الصفات ما يجعلهم بمنزلة المنقذين أو من يملكون عصا موسي، فهذا نصير العمال وذاك فيلسوف المحاسبة وثالث رجل الملفات الشائكة، ولا ندرى بعد عدة أيام ومع أولى الأزمات التى ستواجه هؤلاء الوزراء ماذا سيقال عنهم. إن محاولة حكومة المهندس شريف إسماعيل تجديد دمائها وتجميل وجهها وكسب ثقة الجماهير والإيحاء بأنها تراقب عمل الوزراء وتقيم أداءهم ، لا يعدو اكثر من كونه عملية ترقيع لا تجدد ثوبا ولا تخفى عيبا ، كما أن التغيير المتكرر فى أعضاء الحكومات المتعاقبة منذ فبراير 2011 وحتى الآن والتى بلغت ثمانى حكومات بداية من حكومة أحمد شفيق التى لم تستمر سوى نحو شهر واحد وحتى حكومة شريف إسماعيل ، وشهد بعضها تعديلات وزارية شملت 66 تغييرا ، لم نعرف معها أسباب الاختيار ومعاييره ، ولا جدوى التعديلات وأهمية توقيتاتها ، ويبدو أن الأمر يتم كلما اشتد انتقاد الناس للحكومة بهدف منحها قبلة حياة تقاوم بها الامواج العاتية حتى يقدر لها الرحيل ، وللتدليل على أن الأمر يتم بلا معايير ولا رؤية وبالتالى لا يحقق الأهداف فيأتى الوزير ويخرج دون أن يترك بصمة تذكر ، يمكن مراجعة تصريحات رئيس الحكومة ردا على تساؤل حول اسباب الابقاء على وزيرى الصحة والتعليم رغم ماتردد من انهما ضمن التعديل الوزارى ، إذ قال رئيس الحكومة إن أداء الوزيرين سيكون أفضل فى الفترة المقبلة وانهما وضعا تصورا كاملا للتطوير ، هذا هو تبرير رئيس الوزراء لبقاء الوزيرين دون أن يطرح هو عليهما سؤالا عن أسباب عدم قيامهما بالتطوير فى الفترة الماضية، الحكومة لم تكن بحاجة لترقيع فالثوب بحاجة للتغير الكامل لعل وعسى يسد الثقوب ويستر العيوب ! لمزيد من مقالات أشرف محمود