أينما تذهب يطارك البعض بسؤال: هل صحيح ان الدولار سيتجاوز 10 جنيهات ؟ السؤال يعكس حالة القلق لدى الكثيرين ، بقدر ما تشير الى الشائعات التى تغذى الدائرة الجهنمية التى يعتمد عليها المضاربون .. ارتفاع الدولار يعنى ارتفاع الاسعار ،وخفض مستويات المعيشة ، وهو ما انعكس بوضوح على الاجر الحقيقى لاصحاب الدخول الثابتة الذين تنتمون الى الطبقة المتوسطة الاكثر تأثرا بهذه التطورات الاقتصادية، لاسيما وان السياسات الاجتماعية الحمائية للحكومة تركز على محدودى الدخل . ما العمل لوقف جموح المضاربات على العملة ، التى اضحت مهنة تحقق لاصحابها مكاسب خيالية ، يقدرها بعض الخبراء المصرفيين بنحو 300 مليار جنيه خلال السنوات الخمس الماضية ،وهى مكاسب غير مشروعة لا يدفع اصحابها ضرائب عليها. كيف يمكن وقف هذه الدورة الجهنمية التى تضارب بقوت الناس ؟ هل ننتظر من البنك المركزى ان يجارى الاسعار فى السوق السوداء ، ويخفض قيمة الجنيه ، كل فترة، بحجة ان السعر الذى بهذه السوق هو السعر المتوازن للجنيه ؟ لقد اتخذ البنك المركزى كافة الاجراءات ، من خلال حزمة متكاملة من ادوات السياسة النقدية ، حيث ألغى القيود على الايداعات النقدية بالعملات الاجنبية، كما عدل سعر الصرف ليخفض الجنيه بنحو 14.3 % ، كما قام برفع الفائدة على الودائع لتدعيم قيمة العملة المحلية ، فى الوقت الذى طرحت فيه البنوك العامة اوعية ادخارية بالدولار بسعر فائدة جيد ومتميز ، الى جانب اصدار شهادة الجنيه بعائد 15 % مقابل التنازل عن الدولار لجذب العملات الاجنبية ، كما ضخ المركزى نحو 2.1 مليار دولار فى السوق لتلبية الطلب الحقيقى ، وادى ذلك الى الافراج عن كافة السلع الاساسية بالموانئ وتغطية المديونيات الدولارية للمستوردين لدى البنوك ، وهى رسالة طمأنة لمواجهة الطلب على الدولار بالسوق السوداء . النتائج بدأت تظهر بوضوح ، حيث شهدت الايداعات بالعملة الاجنبية فى البنوك قفزة هائلة ، خلال الاسبوع الماضى ، حيث زادت بنسبة 2133 %، وفقا لما كشف عنه طارق عامر محافظ البنك المركزى ل «الاحد الاقتصادى » كما كشف محافظ المركزى عن زيادة كبيرة فى تدفقات الاستثمار الاجنبى فى المحافظ ، سجلت 500 مليون دولار فى البورصة ، واذون الخزانة خلال الايام القليلة الماضية، وهو ما يمثل رد فعل سريع واستجابة تعطى مؤشرا جيدا، على نجاح اجراءات المركزى ، ومباحثات ، عامر ، مع صناديق الاستثمار العالمية ، تنشيط استثماراتها فى ادوات الدين العام المحلى ، خلال زيارته الى لندن قبيل تعديل سعر الصرف ، واعلان بنكى الاهلى و مصر ضمان تحويل المستثمر الاجنبى لاستثماراته فى اذون الخزانة ،بنفس سعر الصرف الذى دخل به فى السوق ، مع هامش الربح . هل اجراءات البنك المركزى وحدها كافية لوقف هذه الدائرة الجهنمية للمضاربات على العملة والاضرار بالاقتصاد القومى ؟وهل نفذت ادوات السياسة النقدية فى مواجهة السوق السوداء ؟ بديهى ان اجراءات المركزى مهمة ، واثارها الايجابية على الاقتصاد كبيرة ، بشهادة المؤسسات الدولية سواء وكالات التصنيف الائتمانى تقارير مؤسسة فيتش ، وموديز ، او صندوق النقد الدولى ، ومازال فى جعبة البنك المركزى الادوات والآليات التى يفاجأ بها السوق لتحقق اهدافها وتكبيد المراهنين على الدولار خسائر فادحة ، ولكن لابد من ان تعمل معها بالتوازى السياسة المالية وهو ما يعول عليه كثيرا بعد التعديل الوزارى وتولى حقائب المالية والاستثمار ، وقطاع الاعمال العام لخبرات وكفاءات مشهود لها بالكفاءة ، لاسيما ان جانبا من خبراتهم بالجهاز المصرفى ، فوزير المالية عمرو الجارحى لديه خبرات كبيرة وعمل ببنك التجارى الدولى ، كما تمتلك داليا خورشيد وزيرة الاستثمار خبرات مهمة فى عملها بمجموعة سيتى بنك . هشام عكاشة رئيس البنك الاهلى ، يرى ان تذبذب الاسعار فى السوق السوداء ، قد يكون أمرا طبيعيا مع المتغيرات الاخيرة ، وتنوع حجم الطلب مرحليا ، لاسيما الاجراءات التى اتخذها البنك المركزى ، واثرت بقوة فى السوق ، لاسيما انها حزمة متكاملة ، الى جانب بدء تطبيق القواعد والضوابط الجديدة فى الاستيراد ، ورفع الرسوم الجمركية على بعض السلع ، لافتا الى ان مواجهة المضاربات على الدولار ، يجب ان يكون مسئولية المجتمع باكمله ، من اجل بناء الاقتصاد ،مشيرا الى ان السياسة النقدية اتخذت كافة البدائل ولايزال فى جعبتها مايمكن ان تقوم به، ولكن المطلوب ان تعمل معها وبالتوزاى السياسة المالية . ويضيف عكاشة :المصنعون لديهم مسئولية وحس وطنى ، وهو ما جعلهم يتحملون خلال فترة انقطاع الطاقة عن مصانعهم ، وهم قادرون بنفس المستوى ان يقاطعوا ابتزاز المضاربين على الدولار بالسوق السوداء ، لان السعر غير عادل و يعكس جشع واستغلال هؤلاء ، كما يعلموا ان هذه فترة طارئة وسنتجاوزها ، وعلى الجميع ان يتكاتف لامتصاص اثارها ، وعبورها بأمان. فى رأيى ،من يشترى الدولار من السوق السوداء كمن يغذى النار بالوقود ، ويسهم بشكل مباشر فى استنزاف موارد الوطن ، وارتفاع الاسعار ، وليس هناك مبرر ان يراهن البعض على الدولار ويكتنزه ، بما يضغط على الطلب الحقيقى ، لاسيما وان ارتفاع العائد على الجنيه مقابل التنازل عن الدولار يمنح عائدا تراكميا يصل الى 48.3 % على مدى 3 سنوات مدة الشهادة ، وهو ما لا يمكن تحقيقه بالرهان على القيمة الرأسمالية للدولار – كما يؤكد منير الزاهد رئيس بنك القاهرة - أن بارتفاع الدولار الى 15 جنيها ،وهو امر مستبعد تماما ، فى ظل التوقعات بتحسن موارد النقد الاجنبى ، مع عودة حركة السياحة قريبا ،وبدء استخراج الغاز الطبيعى من حقل ظهر العام المقبل ، الى جانب تقليص الواردات ، وزيادة الصادرات ، وتدفق الاستثمار الاجنبى المباشر وغير المباشر فى البورصة وادوات الدين العام .