القومي لذوي الإعاقة يعرب عن تقديره لشراكته مع الأزهر في مختلف المجالات    «عزوز» يؤدي اليمين الدستورية خلفًا للنائب الراحل سعداوي ضيف الله    وزير الاستثمار يسلم 6 رخص ذهبية جديدة لعدد من المشروعات الاستثمارية    أكثر من 1% زيادة في سعر العملات المشفرة.. والبتكوين تصل إلى 105.33 ألف دولار    عضو بحزب الشعب الجمهوري: برنامج تكافل وكرامة بمثابة طوق نجاة لآلاف الأسر ودعم الفئات الأولى بالرعاية    رئيس ميناء الإسكندرية يستعرض تطوير ساحات البضائع والمنطقة اللوجستية (صور)    بعد اتفاق تجاري أمريكي صيني.. ارتفاع عائد السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى أعلى مستوى في شهر    الكرملين: روسيا جادة في التوصل لتسوية طويلة الأمد بشأن أوكرانيا    مصر تبحث مع 4 دول عربية التعاون في مجال الإعلام    البيت الأبيض يعلق على هدية الطائرة من قطر    رئيس أورلاندو بايرتس يكشف تفاصيل فسخ التعاقد مع ريفيرو    ترتيب الدوري الإيطالي 2024-25 قبل مباريات اليوم الإثنين    مدرب نوتنجهام يرفض الاستسلام أمام فرص تأهل فريقه لدوري أبطال أوروبا    الشروق تنشر حيثيات حكم المؤبد على المتهم بهتك عرض طفل دمنهور    إحالة عامل للمفتي لاتهامه بقتل مسنة بغرض السرقة في القناطر    كورال "سلام" يحيي حفل توزيع جوائز أدب الطفل بالهناجر.. غدا    مجلس الوزراء يستعرض جهود توطين صناعة الدواء: مصر تصدر لأكثر من 147 دولة حول العالم    صحة دمياط: الكشف على 1758 مواطنا في قافلة بقرية الوسطاني    وزير الخارجية التركي يطالب برفع العقوبات الغربية عن سوريا    رسميًّا.. 30 فرصة عمل في شركة مقاولات بالسعودية -تفاصيل    مجلس النواب يحيل 33 تقريرا عن اقتراحات النواب للحكومة    موعد امتحان الأنشطة والمواد غير المضافة للمجموع لطلاب «تانية ثانوي» في القليوبية 2025    حبس متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي للنصب على المواطنين بالجيزة    «بعبع» تسريب امتحانات الثانوية العامة.. هل يتكرر في 2025؟| ننشر خطة «التعليم» كاملة    تأجيل محاكمة عامل وعمه قتلا شابا فى شبرا الخيمة ليونيو المقبل    عاجل.. الأرصاد تحذر من موجة حارة جديدة في هذا الموعد    أشرف العربى إطلاق تقرير "حالة التنمية في مصر" 18 مايو بشراكة مع "الإسكوا"    وزير الأوقاف: شيخ الأزهر الإمام الشيخ حسن العطار شخصية مصرية جديرة بعشرات الدراسات    تكريم غادة جبارة ومنال سلامة في افتتاح مهرجان المسرح العالمي    الجمهور يفاجئ صناع سيكو سيكو بعد 40 ليلة عرض.. تعرف على السبب    إعلام عبرى: قوات من الجيش ودبابات وناقلات جند تمركزت قرب نقطة تسليم عيدان    أحمد زايد: تطوير الأداء بمكتبة الإسكندرية لمواكبة تحديات الذكاء الاصطناعى    البحث عن السعادة.. «الطائر الأزرق» يختتم عروضه على مسرح 23 يوليو    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    ما موقف من تضرر من أزمة البنزين المغشوش ولا يمتلك فاتورة؟.. البترول توضح    موعد تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالقاهرة الجديدة    استمرار حملة "تأمين شامل لجيل آمن" للتعريف بالمنظومة الصحية الجديدة بأسوان    سقوط المتهم بالنصب على راغبي السفر ب«عقود وهمية»    فابريزيو: ألونسو يوقع عقود تدريب ريال مدريد    حسام المندوه يكشف تفاصيل الوعكة الصحية لحسين لبيب    التعليم: فتح باب التقديم للالتحاق بالمدارس المصرية اليابانية (المرحلة الثانية) لعام 2025- 2026    الصحة: فريق الحوكمة يتفقد عددا من المنشآت الصحية بجنوب سيناء ويتخذ إجراءات فورية    عاجل- رئيس الوزراء يتابع ملفات الاتصالات.. ومبادرة "الرواد الرقميون" في صدارة المشهد    CNN : اتفاق بين ترامب وبكين على تخفيض الرسوم الجمركية لفترة أولية مدتها 90 يوماً    هل يجوز للحامل والمرضع أداء فريضة الحج؟    سهير رمزي: بوسي شلبي جالها عرسان ورفضت بسبب محمود عبدالعزيز    محافظ أسيوط: توفير 706 فرصة عمل لشباب الخريجين بمراكز المحافظة    براتب يصل ل 500 دينار.. 45 فرصة عمل بالأردن في شركات زراعية وغذائية وصناعات خشبية (قدم الآن)    إنبي: ننتظر نهاية الموسم لحساب نسبة مشاركة حمدي مع الزمالك.. وتواصل غير رسمي من الأهلي    لماذا يرتدي الحجاج "إزار ورداء" ولا يلبسون المخيط؟.. د. أحمد الرخ يجيب    أكبر صندوق سيادي بالعالم يسحب استثماراته من شركة إسرائيلية بسبب المستوطنات    البنك الأهلي يرغب في ضم كريم نيدفيد    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    ما حكم الأضحية إذا تبين حملها؟.. الأزهر يوضح    الرعاية الصحية: لدينا 13 ألف كادر تمريضي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    فتوح: قرار الاحتلال استئناف تسوية الأراضي بالضفة يهدف لترسيخ الاستعمار    عاد إلى إفريقيا.. الوداد يحسم مشاركته في الكونفدرالية بفوز في الجولة الأخيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور لا بديل عنه

من أغرب التعليقات التى جرى تسريبها فى جلسات غير رسمية نقلاً عن بعض السادة وزراء الخارجية العرب فى أثناء وجودهم بالقاهرة للمشاركة فى أعمال الاجتماع الدورى رقم 145 لمجلس وزراء الخارجية العرب (10/3/2016) اعتقاد بعضهم أن اليمن لن يعود كما كان وكذلك سوريا والعراق وربما ليبيا، الأمر الذى يعنى أن النظام العربى ومنظمته أى جامعة الدول العربية مقبلان على تغيرات هيكلية قد تضع نهاية كاملة لهذا النظام، وقد تؤدى إلى انفراطه على ضوء احتمال ظهور دويلات وكيانات عرقية وأخرى طائفية على أنقاض بعض تلك الدول التى باتت مهددة بالتقسيم، وعلى ضوء ما يجرى طرحه من رؤى وأفكار أمريكية وأخرى روسية حول منطقية «الحل الفيدرالى» لسوريا الجديدة، وهو حل قد يتحول إلى «كونفيدرالى» أو إلى تقسيم وقد ينتقل من سوريا إلى العراق وإلى دول عربية أخري.
ربما يرى البعض قدراً لا بأس به من المنطقية والعقلانية فى طرح هذه الرؤي، لكن روح اليأس والاستسلام للواقع العربى شديد المرارة هى المثيرة للغرابة وللألم ممن يفترض فيهم إيجاد الحلول ومقاومة التحديات ومواجهتها، وهي، أى هذه الروح، تجعل من وطننا العربى حالة أقرب إلى حالة الإمبراطورية العثمانية فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، عندما تفاقمت عليها الأطماع الغربية وأخذت توصف ب «رجل الشرق المريض» وأخذوا يسعون إلى تفكيكها وتقسيمها فيما بينهم.
الآن يبدو أن وطننا العربى معرض للمخطط نفسه، التفكيك وإعادة التقسيم بتحويله هو الآخر إلى «رجل شرق مريض» ولكن هذه المرة المخطط أوسع فى أطرافه وأعمق فى أبعاده. فالأطماع لم تعد مقتصرة على القوى الدولية الكبرى خاصة الولايات المتحدة وروسيا، ولكن القوى الإقليمية الشرق أوسطية: الكيان الصهيونى وإيران وتركيا متورطة هى الأخرى فى هذا المخطط، وهنا يجدر بنا أن نتساءل: لماذا وكيف جرى تحويل وطننا العربى إلى كيان هش قابل للتفكيك وإعادة التقسيم برغم أن ما يمتلكه وطننا العربى من مصادر قوة تفوق بكثير ما تمتلكه هذه القوى الثلاث مجتمعة؟
فوفقاً للمعطيات الحسابية تبلغ مساحة وطننا العربى ما يزيد على 13 مليون كلم2 فى حين لا تزيد مساحة تلك الدول الثلاث مجتمعة عن 3 ملايين كلم2. ويقترب عدد السكان فى الدول العربية من 350 مليون نسمة فى حين لا يصل عدد سكان تلك الدول الثلاث إلى 170 مليون نسمة، كما يزيد الدخل الإجمالى للدول العربية على 3 تريليونات دولار سنوياً، فى حين لا يتجاوز دخل تلك الدول 2 تريليون دولار سنوياً.
هناك أسباب كثيرة مسئولة عن تدنى فعالية القدرات العربية أهمها الانقسامات والصراعات العربية- العربية، وعمق الاختراق الأجنبى للقرار السياسى العربي، والهدر الهائل للموارد، وبشكل عام يمكن القول إنه على الرغم من التفوق العربى فى مصادر القوة، لكن تشغيل هذه القوة عديم الكفاءة، فحال الدول العربية أشبه بعربات قطار محملة بشتى أنواع البضائع والمنتجات لكنها تفتقد إلى قاطرة وإلى نظام للتشغيل، ومن هنا بالتحديد تتأكد الأهمية القصوى لتوفير شرطين أساسيين لتجديد فرص واحتمالات النهوض العربي؛ الشرط الأول هو القيادة العربية القادرة على تحمل مسئوليات النهوض بالعمل العربى المشترك نحو تحقيق الأهداف، والشرط الثانى هو التوافق العربى على أجندة عمل عربية ذات أولويات محددة، أجندة عمل للإنقاذ حتماً سوف يأتى على رأسها حتمية الدفاع عن وحدة وتماسك الدولة الوطنية العربية والحيلولة دون انفراطها، إضافة إلى طرح مشروع لنظام عربى يؤسس ل «اتحاد عربى» واضعاً نصب العيون هدف تحقيق التكامل العربى الاقتصادى والسياسى معاً.
لقد تأكد للكثير من السادة وزراء الخارجية العرب، خلال اجتماعهم الأخير، مدى فداحة غياب ما يعتبرونه «كبير العرب» فبقدر ما كانت الحسرة تعتصر قلوب هؤلاء الوزراء العرب النابهين وهم يقولون إن الواقع العربى المؤلم سيحول دون عودة اليمن وسوريا والعراق إلى سابق عهودها السابقة، بقدر ما كان موقع القيادة العربية الشاغر بغياب مصر ودورها القيادى يؤلمهم، ويدفعهم إلى التحسر على هذا الغياب للدور المصرى الذى لم يكن فى مقدور أى من الدول العربية أن تملأه على مدى أكثر من أربعة عقود مضت.
لقد دفع فشل المتنافسين على وراثة دور مصر القيادى إلى الافتراء عليها واتهامها فى صحفهم بأنها «أصبحت عاملاً معطلاً للحلول فى المنطقة!..» وأنه «إذا كانت القاهرة لا تصنع الحلول، وقد يكون ذلك أمراً مقبولاً، لكن أن تضع السياسة الخارجية المصرية العصا فى العجلة، كلما أردنا تقدماً ايجابياً فى حلول مشكلات الشرق الأوسط، فهذا أمر غير منتظر، فضلاً عن أنه غير مقبول بالمرة!».
إلى هذا الحد، وصلت بذاءة الافتراء على مصر بل وأكثر لسبب محدد هو أن مصر لم تنساق وراء سياسات «تسعير الأزمات» داخل الدول العربية. فبعد سلسلة من الافتراءات على السياسة العربية لمصر كانت خلاصة أصحاب هذه الافتراءات أن «مصر غائبة عن المشهد العربي، والمشهد الأفريقي، وهى بوضعها الحالى لا تستطيع أن تتعايش مع الإيقاع السريع للأحداث الخارجية بسبب هواجسها الداخلية المتعاظمة، ولأنها لا تستطيع فإنها لا تريد أن يستطيع أحد آخر. هى تشبه تماماً الأب الكبير السن الطريح الفراش، الذى يرفض أى تحرك من أبنائه بحجة أنه سيشفي، وسيبادر إلى القيام بأعماله بنفسه».
أعرف أن هذه الافتراءات بحق مصر قد لا تعبر أو قد لا تتطابق تماماً مع الرؤى الرسمية لأصحاب القرار فى دولهم لكنها بقدر ما تكشف عن مدى عمق الحقد المتأصل تاريخياً فى إدراكات هذه الدول على دور مصر ومكانتها، بقدر ما تكشف أيضاً عن حسرة هؤلاء عن عجز كل خزائن الدولارات التى يملكونها عن ملء موقع مصر الشاغر منذ أربعة عقود.
فالدور ليس مجرد ثروة، أو مجرد خزائن ثروات فحسب، ولكن دور أى دولة ينبع من عمق تجربتها التاريخية، فهو محصلة تفاعلات هذه التجربة التاريخية أولاً، وهو ثانياً انعكاس مباشر للموقع الاستراتيجى للدولة وقدرتها على تفعيل هذا الموقع، وهو ثالثاً تعبير عن القدرات الكلية للدولة (القوة الشاملة) بأنواعها المختلفة، وهو رابعاً وأخيراً مرتبط بحزمة من المحددات التى قد تسمح والتى قد تعوق أداء هذا الدور: محددات داخل الدولة مرتبطة بنظامها السياسى ومدى توافر شروط وفعالية هذا النظام، إضافة إلى مستوى التماسك الوطنى بأشكاله المختلفة السياسى والاجتماعى والعرقى والمذهبى وقدرته على مواجهة عوامل الانفراط، إلى جانب محددات أخرى من خارج الدولة ترتبط بالبيئة الإقليمية والدولية، وكيف أن هذه البيئة مواتية أم غير مواتية، محفزة أم معوقة.
بهذا المعنى فإن الدور لا يمكن شراؤه بكنوز الدنيا حتى لو كانت متاحة وإذا كنا جميعاً، ليس فقط نحن المصريين فحسب، بل نحن كل العرب، نرفض مثل تلك الافتراءات على مصر ودورها، فإننا جميعاً أيضاً نرفض ولا نقبل أن تبقى مصر مترددة، لأى سبب كان، عن القيام بدورها وتحمل مسئولياته، ليس فقط دفاعاً عن شرف عربى ينتهك وتاريخ عربى يبدد، بل عن حاضر ومستقبل مصر والعروبة الذى ينتظره كل مصرى وكل عربى ولا يرى بديلاً عنه.
لمزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.