يتمثل الدور العسكرى المصرى فى الشرق الأوسط وافريقيا فى نمطين متمايزين لكل منهما طابعه الخاص والأهداف المراد تحقيقها، بل والمخاطر المتوقع حدوثها. هذان النمطان هما، التدخلات العسكرية المباشرة، والمشاركة بقوات لحفظ السلام. بالنسبة للتدخلات العسكرية تُستخدَم قوات الدولة ومعها ما تتسلح به من معدات وآليات عسكرية للتدخل عسكريا فى دولة ما، وقد يكون الدافع لهذا التدخل واحدا أو أكثر من الأسباب الآتية: السيطرة على وضع ما فى دولة صراعية تهدد أمن الدولة المصرية؛ أو تحقيق مصلحة دولية ما؛ أو لعب دور إقليمى يعطى مزيدا من الثقل العسكرى للدولة المتدخلة. وفى الحالة المصرية فإن تدخلها العسكرى فى كل من اليمن وليبيا يرتبط بالسببين الأول والثالث. والحاصل أن التدخل العسكرى إما أن يجرى بشكل فردى أو فى إطار تحالف دولي، وتفضل مصر إذا ارتأت القيام بتدخل عسكرى أن يتم فى إطار تحالف عسكرى مع دول أخرى حتى تعزز من القدرة على تحقيق أفضل النتائج بأقل قدر من الخسائر المادية والبشرية. تكلفة محدودة وعلى الجانب الآخر فإن المشاركة فى إرسال قوات حفظ السلام المصرية تختلف عن التدخلات العسكرية لعدة أسباب يمكن تلخيصها فى النقاط التالية: 1- تعتبر مهام حفظ السلام عملا سلميا يهدف إلى إقرار السلام دون التدخل عسكريا فى أى صراع لفرض السلام، وبالتالى فإن مصر تمارس أدوارا يتولاها عسكريون ومعهم عتاد عسكرى محدد – ولا ترتبط بأية عداءات - بتكلفة أقل من سياسة التدخلات العسكرية. 2- تستخدم فيها الأسلحة فى حالات الدفاع عن النفس فقط، وفى فترة من الفترات اتجهت الأممالمتحدة إلى استخدام الأسلحة الخفيفة ولكنها لم تثبت كفاءتها فى التعاملات العسكرية مع الأطراف المسلحة فأعادت التسليح بالأسلحة الثقيلة. 3- تتم من خلال المنظمات الدولية مثل الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي، وتتعامل مصر فى هذا الشأن من خلال إرساليات الأممالمتحدة. 4- ليس شرط المشاركة أن تكون الدولة فى حالة حرب، فقد ترسل هذه القوات إلى أماكن بغرض الحفاظ على اتفاقيات السلام، أو إلى مناطق مهددة بين الحين والآخر بتجدد اندلاع الصراع. 5- يشارك فيها القوات المسلحة والشرطة وعناصر مدنية، بالتالى هناك تنويع فى القطاعات. 6- تقع أغلب الأدوار المصرية فى عمليات حفظ السلام فى القارة الأفريقية، وهى حلقة مكملة للأدوار السياسية بالقارة. وفى كلتا الحالتين تتشابه التدخلات العسكرية وقوات حفظ السلام فى احتمالات تكبد خسائر بشرية، وهو ما يمثل أحد التحديات التى تواجه قوات حفظ السلام المصرية، وفى هذا الإطار لابد من النظر إلى تطور هام وخطير حول ارتفاع معدل الصراعات فى الإقليم، وهو ما أكده تقرير معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام (SIPRI سيبري) لعام 2015 حيث سجل ارتفاعا فى معدل الإنفاق العسكرى لدول شمال أفريقيا بلغ 8%، ولدول الشرق الأوسط بمعدل 4% كأحد نتائج تفجر الصراعات فى الإقليمين، لكن التساؤل المطروح هنا هو: هل أثر ذلك على الدور العسكرى المصرى ومشاركته فى عمليات حفظ السلام، خاصة مع ارتفاع الهجمات الإرهابية ضد القوات المسلحة المصرية فى الداخل؟ والجدول التالى يعطى إجابة عن هذا التساؤل: جدول يوضح تطور عدد قوات حفظ السلام المصرية المشاركين بالأممالمتحدة خلال 2015 المصدر: موقع الأممالمتحدة http://www.un.org/en/peacekeeping/contributors/2015 ونلاحظ من الجدول السابق أن مشاركة القوات المسلحة المصرية أكبر بكثير من مشاركة الشرطة لكن الجدير بالملاحظة أن نسبة المشاركة المصرية قد انخفضت عدديا منذ مايو عام 2015 وهبط ترتيبها عالميا إلى المركز ال 16، ثم بدأت فى الارتفاع النسبى فى الشهور الأخيرة. ومن المعروف أن مساهمات الدول من خلال الأممالمتحدة مرجعها الرئيسى الدولة المرسلة، ولا تفرض الأممالمتحدة عددا معينا بالنسبة للدول للمشاركة، فكل دولة ترسل الأعداد التى تريدها. وعلى ذلك فإن مرجعيات الهبوط أو الارتفاع تعود إلى أسباب داخلية للدولة المرسلة، وعلى الرغم من ذلك تعتبر مصر أكبر دولة عربية مساهمة فى عمليات حفظ السلام. مهام محددة أما بالنسبة لأماكن الانتشار فتقع غالبيتها فى دول أفريقية وبعضها فى دول عربية وفى أمريكاالجنوبية وتكلف قوات حفظ السلام بمهام محددة، حيث تسهم مصر فى بعثة الأممالمتحدة لتنظيم الاستفتاء فى الصحراء الغربية «مينورسو» وهى تشارك هناك بخبراء فقط، كما تشارك فى بعثة الأممالمتحدة المتكاملة بأهدافها المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار فى جمهورية أفريقيا الوسطى “مينوسكا”، وتشارك فيها مصر بثلاثة قطاعات تستهدف حماية المدنيين وتعزيز استقرار المرحلة الانتقالية، وتشارك فى بعثة الأممالمتحدة إلى مالى «مينوسما» وذلك لدعم الأمن والاستقرار بها، وفى البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقى والأممالمتحدة فى دارفور «يوناميد»، وأيضا فى بعثة ليبيريا «يونميل» وذلك لمراقبة وقف إطلاق النار وحماية البعثات الأممية، وبعثة جنوب السودان «يونميس» وهدفها حماية المدنيين وإيصال المساعدات الإغاثية، بالإضافة إلى بعثة الأممالمتحدة فى كوت ديفوار «يونوسى» لدعم الحكومة وحماية المدنيين، كذلك بعثتها فى هايتى بأمريكاالجنوبية والتى تهدف إلى دعم الأمن والاستقرار بها والمساعدة فى عمليات الإغاثة وبالأخص فى الكوارث الإنسانية. لم تكن إسهامات مصر فى حفظ السلام قاصرة على السنوات الأخيرة، فقد كانت فى مقدمة الدول الداعمة لعمليات حفظ السلام منذ تأسيس البعثة الأولى للأمم المتحدة فى الشرق الأوسط عام 1948، وجاء إسهامها الأول فى عمليات حفظ السلام بالكونغو فى عام 1960. كما شاركت مصر فى 37 بعثة حفظ سلام بما قوامه 2700 فرد من القوات المسلحة والشرطة قاموا بأداء مهامهم للحفاظ على السلام واستقرار البلاد فى 24 دولة بآسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا وبصفة خاصة فى أفريقيا، وذلك فى إطار استمرار الدور المصرى فى دعم الأمن والاستقرار داخل القارة. كان لهذه المشاركات التاريخية والمشاركات الأخيرة آثارها العميقة فى تعزيز فوز مصر بالعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن عام 2015، كما أنها جنبت مصر أى مشاركات عسكرية بشكل منفرد فى دول القارة الأفريقية، وأصبح التوجه السلمى ركيزة السياسة العسكرية تجاه أفريقيا، أما فى الشرق الأوسط فقد اتحذ التدخل العسكرى طابعا مشوبا بالحذر، ولابد أنه خضع لحسابات دقيقة. وقد فنَّد وزير الخارجية المصرى سامح شكرى ما نشر من تقارير عن وجود قوات برية فى اليمن، وقال إن الهدف من مشاركة مصر هو ضمان عودة النظام فى اليمن. وأضاف الوزير «أن دور مصر فى التعاون مع الائتلاف لم يتضمن أى نشر لقوات برية، وإن دور القوات المسلحة المصرية فى اليمن يتألف فقط من نشر وحدات بحرية فى البحر الأحمر لمنع وقوع مضيق باب المندب تحت سيطرة الحوثيين». مضيق باب المندب يمثل مصلحة حيوية لمصر، ويعد أحد أسباب قرار مصر بالتدخل فى اليمن. بالنظر إلى موقعه الاستراتيجى لأنه إذا ما وقع تحت سيطرة أى قوى معادية فسوف يتهدد المرور عبر قناة السويس. وفى النهاية لا بد من رصد الأبعاد الإيجابية للمشاركة فى ارساليات مصر لقوات حفظ السلام ممثلة فى تعظيم وتنمية القدرات العسكرية، فضلا عن التحصل على مزيد من الخبرات العسكرية فى كيفية التعامل مع البيئات الأخرى المغايرة، ولا شك أن ذلك قد ساعد فى المشاركة فى عملية صنع القرار بمجلس الأمن تجاه الدول المعنية من خلال تقارير المراقبين فى مهام بعثات حفظ السلام. أسس التدخل وبطبيعة الحال هناك تداعيات سلبية بالنظر إلى ما تكلفته مصر من خسائر بشرية خاصة فى كوت ديفوار ودارفور بالإضافة إلى طبيعة المخاطر البيئية فى أماكن الانتشار وتأثيرها على القوات، ولكن الموقف المصرى كان أكثر ثباتا والتزاما بالاستمرارية، وشكل إطارا لعدة مبادئ وأسس سار عليها فى تلك العمليات ويمكن تلخيصها على النحو التالي: • تكليفات قابلة للتنفيذ: تشدد مصر على ضرورة أن تكون التكليفات التى يقوم مجلس الأمن للأمم المتحدة بإصدارها قابلة للتنفيذ، وأن يتجنب إصدار تكليفات تفتقر إلى أساس سياسى أو قدرات كافية. • دور البلدان المساهمة بقوات فى صياغة السياسة: تشدد مصر على ضرورة المشاركة الكاملة فى عملية صنع القرار فى مجلس الأمن من قِبَل الدول المساهمة بقواتها، وذلك لتحقيق الفعالية المطلوبة لمهام الأممالمتحدة فى حفظ السلام على أرض الواقع. • استخدام القوة: إن الإفراط غير المبرر فى استخدام القوة فى عمليات حفظ السلام يؤدى حتما إلى طمس معالم الخط الفاصل بين حفظ السلام وفرض السلام ويطعن فى نزاهة الجانب العسكرى للمهمة. • التكامل بين حفظ السلام وبناء السلام: بحيث تترافق مع جهود حفظ السلام خطط لإنعاش الاقتصاد وإعادة الإعمار، للدول المنكوبة. • حماية المدنيين: تؤكد مصر الالتزام بحماية المدنيين أينما كانوا، والحاجة لحفظ السلام دعما للجهود الوطنية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المسؤولية الأساسية عن حماية المواطنين تبقى على عاتق دولهم. • تعزيز دور المنظمات الإقليمية وشبه الإقليمية فى عمليات حفظ السلام، وفقا للفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة. • الاتجاه إلى تحديث قدرات عمليات حفظ السلام: إذ أن استخدام المعدات ذات التقنية العالية، والتدرب عليها لا يزال يشكل تحديا كبيرا. ومن المهم فى هذا الصدد أن يجرى التعامل مع الآثار السياسية والقانونية والمالية لاستخدام هذه التكنولوجيات، على الرغم من أن مسألة الرقابة وسرية المعلومات التى ترتبط بهذه المعدات تتطلب اهتماما خاصا. • القدرة على استقراء مواضع البؤر المتوقعة للأحداث، والاستعداد الدائم لمواجهتها بالقدرات البشرية والتقنية وغيرها، لسرعة وكفاءة إنجاز مهامها، والتعامل مع الأزمات المعقدة ذات الأبعاد المتشابكة. بناء السلام لقد لعبت مصر على مدى عقود من الزمن دورا هاما فى الحفاظ على السلام والأمن الدوليين كعضو مؤسس فى الأممالمتحدة، ومنظمة الوحدة الأفريقية، وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وحركة عدم الانحياز. ويبرز دور مصر من بين المؤيدين المتحمسين لأنشطة بناء السلام التى تقوم بها الأممالمتحدة والمنظمات الإقليمية فى حالات ما بعد الصراع، من خلال البعثات السياسية الخاصة ولجنة بناء السلام (PBC)، الذى مارست مصر عضويتها لثلاث فترات. لقد أيدت مصر بنشاط أساليب بناء السلام للأمم المتحدة وتلعب دورا حاسما فى النقاش الدائر حول مراجعتها، مع التركيز بشكل خاص على الأبعاد الإقليمية لبناء السلام. وفى النهاية فإن الأداء العسكرى المصرى فى الفترة الأخيرة كان متعدد الأبعاد والأشكال على المستويين الداخلى والإقليمي، باعتبار أن عمليات حفظ السلام هى إحدى السياسات العسكرية، التى تشغل حيزا مهما من أدوار القوات المسلحة المصرية.