المغالطة الكبرى، المقترنة بعدة أخطاء أخرى، أن يزعم دعاة الانتخابات الرئاسية المبكرة هذه الأيام أن دعوتهم تتطابق مع الدعوة التى رفضها الدكتور مرسى، والتى أدت إلى الإطاحة به وبجماعته من الحكم!. ذلك لأن الحجة القوية الداعمة لهذه الدعوة فى عهد مرسى لم تكن قائمة فى الأساس على مجرد الاختلاف فى توجهاته السياسية أو فى البرنامج الذى يتبناه، وإنما كانت بسبب جرائم اقترفها بنفسه، وأخرى يتحمل تبعاتها بحكم منصبه الرئاسى، بدأت بالعدوان على الدستور، الذى أقسم على احترامه، بعد أقل من خمسة أشهر على توليه المسئولية، وانتهاكه للمبدأ الدستورى الذى يقر مبدأ الفصل بين السلطات، بعدوانه الجسيم على السلطة القضائية وعزل النائب العام وتعيين نائب ملاكى من جماعته.. إلخ.. وكانت هذه وحدها كافية، قانونا، بتخطى مطلب الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة إلى العمل على إخضاعه للمحاكمة، فضلا عن جرائم أخرى عديدة ادانه القضاء فى بعضها بعد عزله، ولايزال يواجه اتهامات قوية فى بعضها الآخر. هذه الأيام، هناك معارضون للرئيس السيسى، وهو أمر طبيعى يواجهه كل رئيس، وهو ما تقره كل الدول الديمقراطية، والتى تسعى لتأسيس الديمقراطية، وهو ما يجب تقبله والمطالبة بأقصى حماية للمعارضين فى ممارسة حقوقهم الدستورية والقانونية، وكل ما تنادى به أسس وقيم الديمقراطية التى أقرها الدستور ونصت عليها المعاهدات الدولية الملزمة التى صدقت عليها مصر. من حقهم أن ينتقدوا الانتهاكات فى مجال الحريات، واستمرار بعض رجال الشرطة فى جرائمهم ضد المواطنين، وتأجيل حل مشكلات الجماهير العريضة وتركهم تحت وطأة التضخم والغلاء، وبطالة الشباب، والإحباط المتفشى من التباطؤ فى تحقيق الشعارات البراقة التى تحمس لها الشعب ضد مبارك، ثم كانت هى نفسها الدوافع التى أخرجت الجماهير ضد حكم المرشد وممثله فى القصر الرئاسى.. إلخ إلخ. ولكن هذا شىء مختلف تماما عن أن يتغافل هؤلاء، فى دعوتهم للانتخابات المبكرة، عما يدخل فى باب الشروط واجبة الاتباع، ذلك لأن معارضة سياسات الرئيس وتوجهاته، ليست كافية للمطالبة بما يدعون إليه، ولم يحدث أن هذه الأسباب وحدها كانت كافية فى نظم الحكم الديمقراطية العتيدة! وإلا لأسرع معارضو الرئيس دبليو بوش لمثل هذه الدعوة، خاصة أنه تمادى إلى حد إلحاق اضرار بالغة بسمعة بلاده، بل وبمصالحها، ولكن على العكس من ذلك، كان على معارضيه أن ينتظروا الموعد القانونى للانتخابات التالية لكى يعملوا على إسقاطه. وبالمناسبة، وعلى سبيل التذكرة، فقد جاءت المفاجأة المدوية أنه لم يخسر الانتخابات الثانية، كما توقعت الأغلبية الساحقة من معارضيه، وإنما حظى بالأغلبية التى منحته فوزا مجددا ومدة أخرى فى البيت الأبيض! برغم انفضاح فشله وتواضع قدراته وفقدانه للمهارات الأساسية.. إلخ. وهى تجربة، لا تثبت فقط وجوب الالتزام بأن يستمر كل رئيس فى ممارسة صلاحياته التى لا يوافق عليها معارضوه حتى الموعد القانونى للانتخابات التالية، ما دام أنه يعمل فى ظل الدستور والقانون، ولكنها تؤكد، أيضا أنه ليس بالضرورة أن تكون الاصوات الزاعقة هى التعبير الصحيح عن آراء الأغلبية الصامتة التى قد لا تتاح لها فرصة للتعبير عن ارائها واختياراتها إلا فى عمليات التصويت، فتكون المفاجآت التى تتحقق فى ظل التمسك بمبادئ الديمقراطية. وعودة إلى ما نحن فيه، فإن دعاة الانتخابات المبكرة يتغافلون عن الإجراءات التى نص عليها دستور البلاد الذى أقره الشعب بشبه إجماع، والذى تنص المادة 161 فيه على خطوات محددة هم أبعد ما يكونون عن الالتزام بها!. نقطة البدء، وفق النص الدستورى، أن يعرض على مجلس النواب اقتراح بسحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بناء على طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء المجلس على الأقل، ثم، وبمجرد موافقة ثلثى الأعضاء على الطلب يطرح مضمونه فى استفتاء عام، فإذا وافقت الأغلبية يعفى رئيس الجمهورية من منصبه، ويعد المنصب خاليا، وتجرى الانتخابات الرئاسية المبكرة.. إلخ. أى أن الناخبين وحدهم هم أصحاب الحق الحصرى فى عزل الرئيس وإجراء انتخابات مبكرة، وليس البرلمان، ولا أى مجموعة تزعم أنها تمثل الضمير العام. ثم إن الدستور يضيف ضمانة تعفى البلاد من عبث العابثين، أو من مخاطر أن تتلاعب أغلبية البرلمان إذا حدث وكانت مناوئة للرئيس، وذلك انه، إذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض، عد مجلس النواب منحلا، ويدعو رئيس الجمهورية لانتخابات مجلس جديد للنواب خلال 03 يوما من تاريخ الحل. وكما ترى، فإن المبدأ المنصوص عليه بجواز سحب الثقة من الرئيس وإجراء انتخابات مبكرة، يصبح كابحا للرئيس من أن يخطئ أخطاء جسيمة، سواء باستغلال صلاحيات منصبه، فيما يتعارض مع الدستور، أو بالتقاعس عن القيام بمسئولياته الدستورية، أو بانتهاك الدستور صراحة، أو لأى سبب يراه مجلس النواب يستحق العزل، ثم جاء النص على اعتبار المجلس منحلا إذا جاءت نتيجة الاستفتاء برفض الاقتراح الذى عرضه المجلس على الشعب، وذلك حتى يحرص النواب على أن يكون دافعهم المصلحة العامة لكى يضمنوا الموافقة على الاستفتاء، وإلا فإنهم معرضون للحل إذا كانت تحركهم أشياء أخرى، كأن يكون السعى لوضع الرئيس فى مأزق، أو لأى سبب يخرج عن مصلحة البلاد. وهذا توازن محمود يحسب لواضعى الدستور وهناك أمارات أخرى يصعب حصرها على عشوائية دعوة هذه الأيام لانتخابات مبكرة، حيث يغفل الداعون إلى مخاطر استمرار المراحل الانتقالية التى عانى الشعب من وطأتها، كما أن من أهم ما يجدر الإشارة إليه أنه ليس لديهم بالفعل مرشح يستطيع المنافسة بجدية فى انتخابات مبكرة ديمقراطية حرة نزيهة تلتزم بكل الشروط واجبة الاتباع، كما أنه، وبفرض أن لديهم هذا المرشح، فإنهم فى حاجة إلى وقت يتمكنون فيه من الدفع به والترويج له فى طول البلاد وعرضها، وإتاحة الفرصة له للتواصل مع عموم الناخبين هنا وهناك، وأن يطرح أفكاره وبرامجه. فهل فكر أحدهم فى أن الوقت المطلوب لهذه المهمة لا يمكن أن يقل عن المدة الزمنية الباقية على انتهاء ولاية الرئيس السيسى؟ أى أنه، وبافتراض يستحيل التحقق كنتيجة للأسباب المعلنة، أنه إذا أجريت انتخابات مبكرة، فسوف تكون شكواهم بعد ذلك، أن الوقت لم يكن كافيا للترويج لمرشحهم! والمرجح، وفقا للسوابق، أنهم سيطلقون اتهاماتهم بأن هناك من ورطهم فى انتخابات لم يكونوا مستعدين لها!. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب