الدعاية هي فن التأثير والإقناع, ومحترفو الدعاية هم من يتفننون في بيع الأفكار وكسب عقول و قلوب الجماهير لتحقيق غرض معين بل يستطيعون بقدرة سحرية علي بيع التراب علي أنه ذهب وسط ترحيب و إقتناع من زبائنهم. وقد صدق الزعيم النازي الراحل أدولف هتلر, الذي استغل الدعاية في بناء جزء كبير من دولته, عندما قال بالدعاية المتواصلة والماهرة تستطيع أن تصور للشعب أن الجنة جحيما و أن الحياة البائسة نعيم. وفي عالم السياسة يكون المجال مفتوحا لأمهر ألاعيب الدعاية لكسب ثقة الشعب, حيث لعبت الدعاية بوسائلها دورا فاعلا في اعتلاء الكثيريين عرش الرئاسة في مختلف دول العالم. وفي السطور التالية أمثلة تؤكد أن وراء كل رئيس ناجح, حملة دعائية مميزة تضفي عليه هالة من النجومية وتنجح في حشد أصوات ملايين الناخبين لمصلحته. ويجب ألا تأخذنا الدهشة كثيرا إذا أدركنا أن العديد من الحملات الدعائية السياسية في كثير من الدول الغربية لا تخلو من أساليب تجارية لتسويق المرشح تماما كما تقوم شركة تجارية بتسويق معجون أسنان مثلا, والحملات الانتخابية الآمريكية عامرة بمثل هذه النماذج, ورغم أن الحملات الدعائية قد تنجح بالفعل في تحويل الفسيخ الي شربات علي أساس أن الزن علي الودان أمر من السحر فإنها ليست فهلوة في المحصلة النهائية ولكن تستند الي ممارسات علمية متكاملة وترتبط أشد الارتباط بأستخدام التقنيات الحديثة. أوباما رئيس الإنترنت أعطي الرئيس الأمريكي باراك أوباما اهتماما خاصا للإنترنت كأحد أهم وسائل الدعاية في حملته الانتخابية عام2008 فقد ساهمت التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي إضافة إلي المدونات ورسائل التليفون المحمول والبريد الالكتروني في حشد ملايين الأصوات المؤيدة لأول رئيس أمريكي من إصل أفريقي في تاريخ الولاياتالمتحدة. غير أن الأهم من هذا كله أن حملة أوباما لم تستخدم شبكات التواصل الاجتماعية, مواقع الانترنت فقط, وإنما أنشأت لنفسها شبكة خاصة بها هي ما أطلق عليه اسمMyBarackObama وهي شبكة تعمل بالطريقة نفسها التي تعمل بها شبكات مماثلة كفيس بوك وماي سبيس. وقد وفرت حملة أوباما علي الموقع نفسه آلاف الصور, والأحاديث, والخطب, والتسجيلات لأوباما, وأتاحت للمستخدمين استعمالها كما يشاءون بحرية كاملة. ولا يمحي دور الإنترنت أهمية وسائل الدعاية الإنتخابية الأخري وهي وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة والمقابلات والمناظرات السياسية بين المرشحين, بالإضافة إلي الاتصالات التليفونية والدق علي الأبواب ومقابلة المواطنين وحفزهم علي المشاركة وتوزيع الأوراق وأدوات الدعاية المختلفة لكل مرشح. العلاقات العامة و صعود ريجان من يفتش في دفاتر الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان عام1980 يجد أن وراءها شبكة مميزة من محترفي فن الدعاية والعلاقات العامة في الولاياتالمتحدة وعلي رأسهم مساعد ريجان وصديقه المقرب مايكل ديفر مؤسس إحدي شركات العلاقات العامة, الذي قاد حملة ريجان ضد منافسه المرشح لفترة ولاية ثانية جيمي كارتر, وأضفي هالة كبيرة من النجومية علي ريجان الذي بدأ حياته المهنية ممثلا إلي أن أصبح رئيس الدولة الأقوي في العالم. فقد تعاون ديفر,من خلال شبكة قوية من العلاقات, مع بعض الحكومات الدكتاتورية في ذلك الوقت في جواتيمالا والأرجنتين وتايوان لجمع ملايين الدولارات لتمويل حملة ريجان مقابل التعهد بإتمام صفقات سلاح كانت معطلة مع هذه الدول في ظل إدارة الرئيس كارتر. ولعل قضية الرهائن الأمريكيين الذين إحتجزهم طلبة إيرانيون أثناء الثورة الاسلامية في إيران, كانت بمثابة المعركة الفاصلة التي انتصر فيها ريجان علي منافسه كارتر, فبمجرد أن سمع ريجان عن محاولات غريمه التفاوض مع إيران لإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين, سارع القائمون علي حملة ريجان الانتخابية بعقد لقاءين في مدريد مع ممثلي الجانب الايراني حيث تعهدوا للإيرانيين بإمدادهم بالأسلحة التي يحتاجونها في حربهم ضد العراق عام1980 مقابل أن يؤجلوا إطلاق سراح الأمريكيين حتي إنتهاء الانتخابات وإعلان هزيمة كارتر, وأنهت مفاوضاتها مع كارتر, وهو ما تحقق بالفعل. ونجاح الطرف الأضعف في بعض الأحيان قد تفشل الدعاية المضادة في النيل من شخصية ما, فبدلا من أن تحشد مشاعر الكراهية والنفور تأتي بنتيجة عكسية فتولد مشاعر عطف وتأييد لنصرة الطرف الأضعف, وهذا ما حدث تماما مع الرئيس النمساوي الأسبق كورت فولدهايم. فقد كان فولدهايم, قبل أن يصبح رئيسا للنمسا, سكرتيرا عاما للأمم المتحدة منذ عام1972 وحتي عام1981, وخلال تلك الفترة اتخذ فولدهايم مواقف اعتبرت مؤيدة للعرب, كان أبرزها قرار الاممالمتحدة عام1975 تعريف الصهيونية علي أنها شكل من أشكال العنصرية والتمييز العرقي. ويعتبر هذا القرار, الذي ألغي فيما بعد, الشعلة التي أطلقت سلسلة من الحملات المضادة والحرب الاعلامية التي شنتها ضده جماعات الضغط الصهيوني في العالم. ففي عام1986 وخلال تأهب فولدهايم لخوض الانتخابات الرئاسية في بلاده, روجت الجماعات اليهودية أنباء تفيد بأن فولدهايم كان عضوا في الجيش النازي الألماني خلال الحرب العالمية الثانية,لتتوالي بعد ذلك سلسلة من التقارير الإعلامية ركزت علي ما عرف في ذلك الوقت بفضيحة فولدهايم التي لم ينكرها الرئيس النمساوي مؤكدا أنه لم يكن سوي مجرد عسكري يقوم بواجبه ولا يملك سلطة القرار, إلا أن كل حملات التشويه لم تمنع الشعب النمساوي من إنتخاب فولدهايم الذي ظل رئيسا للنمسا حتي عام.1992