"من المؤكد أن الرب قد أرسل جيمي كارتر من أجل إعادة أمريكا إلي مكانها الطبيعي"، هكذا قال القس والد مارتن لوثر كينج الابن في مؤتمر الحزب "الديمقراطي" عام 1976. وقد خاض كارتر، الذي اعترف بأنه "قد وُلد من جديد"، حملة انتخابية راهن فيها علي تدينه الشخصي أكثر من أي رئيس أمريكي آخر منذ الحرب العالمية الثانية. ففي مقابلة مع رجل الدين بات روبرتسون علي "شبكة الإذاعة المسيحية"، أوضح كارتر أن "القانون العلماني متوافق مع القانون الإلهي"، غير أنه في حال تعارض الاثنين، ف"علينا أن نعتمد القانون الإلهي". ولذلك فقد دعم روبرتسون دون تردد كارتر، وكذلك فعل "لو شلدون" من "ائتلاف القيم التقليدية"، الذي وصل به الحماس إلي درجة الزعم بأن "الرب انتقي جيمي كارتر للترشح للرئاسة". وعلي رغم أن من الصعب فهم مثل ذلك السياق اليوم بالنظر إلي أن كارتر يعد واحداً من أكثر الشخصيات المملة في الحياة العامة الأمريكية، إلا أنه كانت هنالك فترة نظر فيها إليه باعتباره شخصية تتمتع بجاذبية كبيرة، ففي رسالة بعث بها إليه أحد مساعديه، دعاه هذا الأخير إلي "استثمار أعظم ميزة تتمتع بها: سحرك الشخصي". كما شددت مجلة "نيوزويك" علي أن كارتر "يذكّر الناس بأسلوب كينيدي". أما المؤلف "جولز ويتكفر"، الذي رصد حملة 1976 الانتخابية في كتابه، "الماراثون: السعي وراء الرئاسة 1972- 1976"، فقد كتب يقول إن جاذبية كارتر كانت من القوة إلي درجة أنه كان يستطيع القيام ب"عمليات تعميد سياسية" مع الناخبين. وفي مقال تحت عنوان "رئيسنا كارتر: البلاد مستعدة للأمل الذي يحييه"، أجرت مجلة "يو. إس. نيوز آند وورلد ريبورت" حواراً مع أستاذ العلوم السياسية بجامعة برانديس، توماس كرونن، الذي أوضح أن "ائتلاف كارتر يتعلق أكثر بالبعد الشخصي"؛ فالناخبون ينجذبون بقوة إلي "شخصيته الساحرة وإلي ابتسامته، وإلي نبرته الوسطية". وتمني البعض حينها في الحزب "الديمقراطي" أن يكون نجاح كارتر المذهل في الجنوب ومع الناخبين الإنجيليين الأكثر محافظة اجتماعياً مؤشراً علي أن "الديمقراطيين" قد استعادوا فعلا الوسط -ومعه البيت الأبيض- لعدة أجيال مقبلة. غير أنه لم يكتب لذلك أن يكون، حيث سرعان ما تخلي عنه الليبراليون في الانتخابات التمهيدية لدعم تيد كينيدي؛ كما تركه الإنجيليون والجنوبيون لدعم رونالد ريجان. وهكذا، فشلت رئاسة كارتر وتفكك ائتلافه لأن المرء لا يمكنه أن يحافظ علي تماسك ائتلاف ما بواسطة جاذبيته الشخصية المزعومة وحدها، بل إن عليه في الحقيقة أن يحكم علي نحو يرضي الناس الذين صوتوا له في النهاية. ولعل الشاهد في كل هذه الاستطرادات التاريخية السياسية الطويلة قد آن أوان التصريح به الآن، دون تأخير أو تردد. فإذا كان اسم باراك أوباما لم يقفز إلي ذهنك بعد، فلابد أنك ترزح الآن في أعماق الهوة السحيقة نفسها التي تقبع أغلبية الزعامة "الديمقراطية" في أحشائها البعيدة. والواقع أن حملة أوباما الانتخابية كانت تشبه حملة كارتر تلك من عدة نواحٍ؛ حيث وعد أوباما خلال حملته الانتخابية برئاسة تحولية، ومصالحة جديدة مع الدين، ووسطية جديدة، ونبرة متغيرة. كما كان ثمة شعور قوي بأن أوباما -وقد عرف أيضاً ب"المرشح الذي طال انتظاره"- قد اختير من قبل الرب لقيادة الشعب الأمريكي. والحقيقة أن هذه المقارنة بين كارتر وأوباما ليست جديدة، حيث تعرض لها بإسهاب الكاتب ريتش لاوري من مجلة "ناشيونال ريفيو" في 2007. غير أنها مقارنة لا تخلو من عيوب وشطط، وأول ما يمكن التنبيه إليه هنا حقيقة أن أوباما لم يكن في يوم من الأيام محافظاً مثل كارتر، كما أن أوباما حقق حتي الآن إنجازات أكثر مما حققه كارتر بكثير أثناء رئاسته، غير أنه مثله لا يحكم علي نحو يحافظ علي تماسك ائتلافه. وبعد انتخابات 2008 الرئاسية، شدد عدد من المراقبين الليبراليين علي أن شعبية أوباما الشخصية ستؤدي إلي تغيير كبير و"نظام ليبرالي جديد"، حسب تعبير "بيتر بينارت" في مجلة "تايم". وحسب هذا الأخير، فقد بدا ائتلاف أوباما في الكونجرس ثابتاً ومستمراً كائتلاف فرانكلين روزفلت. وبدا الشباب كوعاء ذهب، لأن أصوات شريحة من تقل أعمارهم عن ثلاثين عاماً ذهبت إلي أوباما بهامش 2 إلي 1. ومن جانبه، أشار الكاتب "هارولد مايرسون" إلي أن شعبية أوباما بين الشباب ستؤدي إلي إعادة ولادة جديدة لشعبية الاشتراكية. هذا بينما ذهب "إي. جي. دايون" إلي أن جيل سنوات 2000 هو جيل "الصفقة الجديدة". بيد أن كل ذلك بات اليوم محل تشكيك أو حتي ربما محل تندر وسخرية، وقد كتبت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" مؤخراً أن "ائتلاف أوباما أضحي بالياً ومتهالكاً"؛ فقد رحل المستقلون منذ فترة طويلة، وبدأ الشباب يتجهون نحو الباب. ومع مرور الأيام يبدو أوباما أكثر مثل الزعيم الذي أتي ليبشّر بالثورة القادمة. جونا جولدبرج محلل سياسي أمريكي