من العلامات الصغرى لقيام الساعة أو القيامة: قبض العلم، وظهور الجهل. وقد هجر كثيرون بالفعل، في زماننا هذا، طلب العلم الموروث عن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وأصحابه، وتابعيهم، وأئمة العلم والهدى من بعدهم، حتى قل الراغبون فيه، والمُعتنون به، وانصرفت همم غالبيتهم، إلى غيره، مما هو مشتمل على الجهل الصرف. ونظرة واحدة إلى الفضائيات، ومتابعيها، ومواقع النت، وناشطيها؛ كافية للدلالة على ذلك. عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبَتَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا". (البخاري ومسلم). وروى البخاري ومسلم في صحيحهما أيضا، عن عبد الله بن مسعود، وأبي موسى، رضي الله عنهما، قالا: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ, وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ, وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ. والهرج القتل". والعلم المقصود في الحديثين هو "العلم الشرعي".. يقول الحسن البصري: "العلم علمان: علم في القلب، وعلم على اللسان.. فعلم القلب هو العلم النافع. وعلم اللسان حُجة الله على عباده". (مجموع الفتاوى الكبرى لإبن تيمية). من هنا تأتي أهمية "الفقه في دين الله"، ففي الحديث المتفق عليه: "قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ". ترجم "البخاري" للباب، من جهة "إثبات الخير لمن تفقه في الدين الله". وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في "الفتح": "الحديث مشتمل على ثلاثة أحكام: أحدها فضل الفقه في الدين". وأضاف: "قوله: "يُفَقِّهْهُ" أي يفهمه، يقال "فَقُهَ" بالضم؛ إذا سار الفقه له سجية، و"فَقَهَ" بالفتح إذا سبق غيره إلي الفهم.. و"فَقِهَ" بالكسر إذا فهم، ونكَّرَ "خيرا" للتعظيم، وليشمل القليل، والكثير. ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين، أي: لم يتعلم قواعد الإسلام، وما يتصل بها من الفروع؛ فقد حُرم الخير. وقال النووي - رحمه الله - : "فيه فضيلة العلم، والتفقه في الدين، والحث عليه، وسببه أنه قائد إلى تقوى الله تعالى". أخيرا، روى الدارمي عن عمران المنقري قال: "قلت للحسن يوماً في شيء: "ما هكذا قال الفقهاء". قال: "ويحك.. هل رأيت فقيهاً؟ إنما الفقيه: الزاهد في الدنيا، الراغب في الأخرة، البصير بأمر دينه، المداوم على عبادة ربه". (صحيح الترغيب والترهيب). السؤال الآن: أين فقهك في دينك؟ وهل ستلقى الله تعالى: فقيها به حقا؟ في الأسبوع المقبل، أتناول، بمشيئة الله، أهمية ذلك، لكن من خلال آيات القرآن، استكمالا لما أوردناه اليوم، من أحادث الرسول، صلوات الله وسلامه عليه. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد