أعربت مصر عن قلقها من إجراء كوريا الشمالية أول تجربة ناجحة هيدروجينية، وعالج البيان المصرى قضية الأسلحة النووية من جذورها، وشدد «على أن مصر ستظل متمسكة بموقفها الثابت الداعى لضرورة تحقيق عالمية معاهدة منع الانتشار النووي، وضرورة وضع كل البرامج، والأنشطة النووية تحت اشراف نظام الضمانات الشامل للوكالة الدولية للطاقة الذرية، المنصوص عليه فى المعاهدة دون تمييز أو استثناء». وقد اثار البيان فى نفوسنا كثيراً من الخواطر والشجون، وذكرنا بمقال طريف كتبه منذ حوالى سبعين سنة الباحث والصحفى الأمريكى ولتر ليبمان (فى مجلة رد بوك) مبدياً جزعه على مستقبل الغرب بعد استخدام القنابل الذرية ضد مدن اليابان، وإنهاء الحرب حيث قال : «قيل للشعب إنه سيكون لدى الولاياتالمتحدة من القنابل الذرية، بعد بضع سنوات، ماهو أشد فتكا مما ألقى على مدن اليابان. وإن هذه القنابل سيكون فى مقدورها أن تمحو أكبر المدن فى بلد على وجه الأرض، وأن النصر يكون للقنبلة الذرية فى أى هجوم مفاجيء، وعلينا أن ندرك الخطر من وهم شنيع، هو أنه يمكن أن تعتمد على القنبلة الذرية فى حفظ الأمن أو أى نوع من أنواع النفوذ السياسى الدائم للولايات المتحدة فى الشئون الدولية. فأمريكا والقنبلة الذرية، كالقابض على ذيل (الأسد) استبقاؤه أمر عجيب، وإفلاته أمر رهيب. ويتساءل قائلاً : «فما عسانا أن نفعل بهذا الشيء اللعين». وبعد ذلك بنحو خمسين شهراِ فقط، انفلت ذلك (الأسد) فعلاً، ففى أغسطس 1949، اختبر الاتحاد السوفيتى أولى قنابله الذرية، وبعد ذلك بثلاث سنوات سجلت الولاياتالمتحدة، انفجارها الهيدروجينى الأول (كرد على القنبلة الذرية السوفيتية)، وقبل أن تتم الفرحة فى (الغرب) فجر الاتحاد السوفيتى أولى قنابله الهيدروجينية. وتوالى على عضوية النادى الذرى : بريطانيا، فرنسا، الصين، الهند، باكستان، كوريا الشمالية. وخلال سبع سنوات فقط، أصبحت القنبلة الذرية التى دمرت هيروشيما وناجازاكى قنبلة بدائية صغيرة بالقياس الى مابلغته الأسلحة النووية من تقدم (رفيع)، وأصبح من الحقائق المتفق عليها أن أى قنبلة نووية تعادل فى دمارها مجموع أربع أو خمس قنابل كقنبلة هيروشيما (قنبلة عادية) أو (سلاحا تكتيكيا)، أى لا يصلح استخدامه إلا للعمليات الخفيفة، فى أراضى المعارك، وميادين القتال، وأصبحت (الأسلحة النووية الاستراتيجية) التى تستخدم للدمار الواسع المدي، أو (الردع) فى المفهوم العسكرى الواضح، والتى تقل عن مليون طن من مادة T.N.T قنبلة (هزيلة) تستخدم مع مراعاة الرأفة المشددة أمام التقدم الحديث فى القنابل النووية الاستراتيجية، أو القنابل العظمى ذات المائة مليون طن، أى مجموع خمسة آلاف قنبلة كقنبلة هيروشيما. ومايزيد على 15 ضعف مجموع المواد الناسفة التى استخدمت فى البر، والبحر، والجو خلال الحرب العالمية كلها. ولم تعد القنبلة الذرية بأنواعها (سلاحا مطلقا)، ولم يعد (مالكها يحكم العالم بأجمعه)، فمتى تبدأ الدول النووية الكبرى بنفسها. ضمانا لأمنها، ومثالا لغيرها، وتتفق فيما بينها، على تفكيك برامجها النووية العسكرية إحقاقاً للحق تحت إشراف مفتشى وخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفقا لمخطط زمني، ولدى الدول النووية من الأسلحة التقليدية مايكفى ويزيد!! حسن أغا مدير البحوث بالمجلس الأعلى للثقافة (سابقاً)