لا يبدو بالأفق بصيص أمل فى أن يتم حل مشكلة الصحراء الغربية قريباً ويبدو أن دعوة بان كى مون الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثه كريستوفر روس لاستئناف جهوده لإعادة مفاوضى الحكومة المغربية وجبهة البوليساريو إلى مائدة المفاوضات محكوم عليها بالفشل لأنه لم يتغير شىء فى موقفى الطرفين يسمح بإحراز تقدم،بل إن الوضع ساء أكثر بعد اتهام الرباط للأمين العام ومبعوثه بالانحياز للطرف الآخر. الأممالمتحدة أخفقت منذ توليها ملف أطول نزاع بإفريقيا فى إحراز تقدم يُذكر لاتساع الفجوة بين موقفى المغرب الذى يعتبر الصحراء جزءاً منه والبوليساريو التى تطالب بحق تقرير المصير منذ بدأت أولى عملياتها المسلحة ضد الاحتلال الإسبانى عام 1973.وفى ديسمبر الماضى أقرّ روس أمام مجلس الأمن بفشله فى التقريب بين وجهات نظر الأطراف المختلفة خلال ثلاث مهمات، مشيراً إلى أن المغرب رفض استئناف المباحثات المباشرة وطالب بالاكتفاء بالبحث فى تفاصيل الحكم الذاتى الموسع للمنطقة بينما أصرت البوليساريو على تقرير المصير ولوّحت بالعودة إلى الحرب التى أوقفها اتفاق لوقف إطلاق النار أشرفت عليه الأممالمتحدة عام 1991 انتظاراً لحل سلمى،وهو ما لم يتحقق. فقد اختلف الطرفان حول مَن يحق له التصويت فى الاستفتاء واتهم المغرب البوليساريو بجلب قبائل صحراوية من مالى والجزائر وتسكينها مع اللاجئين فى مخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر للمشاركة فى التصويت،وفى المقابل اتهمتها الجبهة بإقحام آلاف المغاربة وتوطينهم فى الصحراء بدعوى أنهم ينتمون إلى قبائلها للغرض نفسه.وبعد جمود استمر سنوات أعلنت الرباط أن فكرة الاستفتاء تجاوزتها الأحداث واقترحت فى عام 2007 منح المنطقة حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيادتها فرفضت البوليساريو وأيدتها الجزائر. ولم يكتفِ المغرب بذلك وبدأ فى تنفيذ مشروعات تنموية واسعة فى المنطقة ورصد لها مؤخراً عشرة مليارات دولار بعد أن كان قد شيّد عام 1980 جداراً حول المدن الرئيسية والمناطق الغنية بالفوسفات فجعلها فى مأمن من الهجمات.وتحتفظ الصحراء الغربية البالغ مساحتها 266 ألف كم2 بنحو 75% من احتياطى العالم من الفوسفات ويسيطر المغرب على 80% منها. المغرب الذى سبق أن سحب ثقته من روس عام 2012 متهماً إياه بالانحياز لموقف البوليساريو اشترط لاستئناف مهمته تقديم ضمانات بعدم المساس بوحدة أراضيه، وأكد الملك محمد السادس أن أقصى ما يمكن أن تقدمه بلاده هو الحكم الذاتى الموسع قائلاً إن سيادة بلده لا يمكن أن تكون رهينة لأفكار أيديولوجية لبعض الموظفين الدوليين.كما احتجت الرباط على تصريحات بان كى مون التى وصف فيها وضع الصحراء بالاحتلال(قال إنه يتفهم غضب الشعب الصحراوى إزاء استمرار احتلال أراضيه)بينما تجاهل الحديث عن مبادرة الحكم الذاتى وانحاز لأطروحة البوليساريو لتقرير المصير خلال جولته الأخيرة التى لم تشمل الرباط. فى المقابل لم تتخل البوليساريو عن استفتاء تقرير المصير وأصرت على عدم مشاركة المغاربة الذين تم توطينهم فى المنطقة بعد انسحاب إسبانيا منها وحذر قائدها محمد عبدالعزيز من نفاد صبر الشعب الصحراوى، وقال إن حالة اللاسلم واللاحرب لا يمكن أن تستمر للأبد.كما جددت الجزائر مساندتها للبوليساريو حيث أكد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقه دعمه غير المشروط لقضيتها وضرورة استعادة الشعب الصحراوى حقوقه الوطنية المشروعة وحريته وأن يقرر مصيره ويحقق استقلاله باستفتاء حر. وقال وزير خارجيته رمضان العمامره إن الجزائر أكدت للأمين العام للأمم المتحدة على ضرورة ما وصفها بتصفية الاستعمار بالصحراء الغربية بتنظيم استفتاء لتقرير المصير. تسبق أن حكمت محكمة العدل الدولية بطلب من الرباط بوجود روابط تاريخية وقانونية تشهد بولاء عدد من القبائل الصحراوية للمغرب لكنها لا ترقى إلى القطع بوجود سيادة للمغرب أوموريتانيا عليها فى زمن الاستعمار الأسبانى ولا تكفى لأن تطالب أى منهما بضمها إليها. كما تعتبر الأممالمتحدة الصحراء الغربية أرضاً متنازعاً عليها،وفى عام 2002 اقترح أمينها العام كوفى عنان تقسيمها بين المغرب والبوليساريو بنسبة الثلثين والثلث على التوالى بعد تخلِّى موريتانيا عن مطالبها فيها فرفضت الرباط،وفى 2003 اقترح المبعوث الأممى جيمس بيكر منحها حكماً ذاتياً لمدة أربع سنوات على أن يجرى استفتاء فى السنة الخامسة لتقرير المصير فرفضته الرباط أيضاً.وهناك دول غربية عديدة فضّلت فكرة الحكم الذاتى المغربية ودول أخرى كثيرة اعترفت بالصحراء كجمهورية مستقلة مما ساعد كلاً منهما على التشبث بموقفه. فماذا ستفعل الأممالمتحدة حيال هذه الخلافات العميقة؟.يرى خبراء أن حدوث انفراج مرهون بتحسن فى العلاقات الجزائرية- المغربية معتبرين نزاع الصحراء امتداداً لحرب الرمال الحدودية بينهما عام 1963،وظهرت بالفعل أصوات بالجزائر تطالب بإنهاء الخلافات مع المغرب وسط مخاوف من احتمال دعمها لدعوات انفصالية بين قبائل البربر والأمازيج الجزائرية.ويرى آخرون أن الخطر المتصاعد للجماعات الإرهابية كداعش والقاعدة يقتضى التعاون بين البلدين لمواجهته ولم يستبعدوا حدوث تقارب بسببه ولو بإعادة فتح الحدود التى أغلقتها الجزائر سنة 1994 بعد اتهام الرباط جزائريين بتفجيرات الدار البيضاء.لكن حتى لو تحقق ذلك فلن يكفى لحل معضلة الصحراء. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى