هذه الفرصة قد لا تتكرر أبدا .. إيران جري التفتيش والتأكد من عدم امتلاكها أسلحة نووية، ولم تستفد بعد من رفع العقوبات الاقتصادية، ولم تتسلم منظومة الدفاع الجوي إس 300 من روسيا، ومشغولة بالحرب في سوريا والعراق، وكذلك حزب الله منغمس بشكل كبير في سوريا، ودول عربية كثيرة وصفته بالإرهاب، وتتوق للتخلص من إيران وحزب الله، والجماعات المسلحة التي كان يمكن أن تدمر سوريا والعراق، وتشعل حربا مذهبية تحرق المنطقة تبدو قد فشلت، وتتلقي الهزائم، ولن يمر وقت طويل حتي تختفي الأرض التي تسيطر عليها، ولن يتبقي منها سوي بعض التفجيرات بالسيارات المفخخة أو الأحزمة الناسفة، التي لن تغير شيئا في موازين القوي علي الأرض .. هكذا يفكر قادة إسرائيل المتحمسون لضربة عسكرية مزدوجة لكل من إيران وحزب الله قبل هزيمة داعش والنصرة،وفتح الطرق البرية لتصل طهران وبغداد بكل من دمشق وبيروت. علي الجانب الآخر وقع حدثان لافتان لا تفصل بينهما سوي أيام، فقد كشفت إيران بالصور لأول مرة عن مدن الصواريخ تحت الجبال، علي أعماق كبيرة، ولم تكتف بذلك بل أعلن اللواء حسن سلامي نائب القائد العام للحرس الثوري أن مخزون حزب الله من الصواريخ يتجاوز 100 ألف صاروخ، ومخزون إيران عشرات أضعاف هذا العدد، أي ملايين الصواريخ الباليستية ، موزعة علي مجمل أراضي إيران .. قبلها أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أن بإمكان صواريخه تدمير حاويات الأمونيا في مدينة حيفا، بما سيحدث وفيات بعشرات الاف الاسرائيليين، وهي نتائج تساوي قنبلة نووية. هذا لا يعني سوي أن إيران تستشعر استعدادات إسرائيلية جدية لشن حرب متزامنة علي كل من إيران وحزب الله، ويمكن أن تكون روسيا المتيقظة لما يدور في المنطقة بأجهزة التنصت والحرب الإلكترونية قد أكدت الشكوك، فروسيا أصبحت تراهن علي تحالف قوي مع طهران، وجمعتهما أرض معركة واحدة في سوريا، وصفقات لا تقتصر علي أسلحة، إنما تصنيع وتجميع طائرات السوخوي وأحدث الدبابات الروسية داخل إيران، وتنسيق في سياسة انتاج وبيع الغاز والنفط، خاصة أنهما تحتلان المرتبتين الأولي والثانية في إنتاج الغاز، المتوقع زيادة الطلب العالمي عليه، كما أصبحت الطرق سالكة أمام موسكو لتصل إلي المحيط الهندي، وتشكلان معا حائط صد أمام توغل حلف الناتو في وسط آسيا. من المؤكد أن هذه المشاكل قد درستها إسرائيل جيدا، لكن توجيه ضربة جوية لن يتطلب فقط العبور في الأجواء السعودية، فهذا يبدو يسيرا، لكن الأخطر هو أن مواقع الصواريخ الإيرانية موزعة علي مساحات شاسعة ومواقع عديدة، إلي جانب تلك المدن العسكرية تحت الجبال، والتي لا يمكن تدميرها إلا بالقنابل النووية. تشير التقارير إلي أن إسرائيل أنتجت قنابل نووية تكتيكية اصغيرةب قوتها التدميرية الكبيرة لا تصيب إلا مساحة محدودة من الأرض، ولهذا قد لا تثير الرأي العام العالمي بدرجة تشكل خطرا علي إسرائيل، ثم سرعان ما ينسي مثلما نسي القنبلتين النوويتين الأمريكيتين علي هيروشيما ونجزاكي، وأودتا بحياة عشرات آلاف المدنيين اليابانيين. الضرورات تبيح المحظورات، فالوقت ليس في صالح إسرائيل، فحزب الله الذي لم يكن يمتلك إلا عدة آلاف من الصواريخ الصغيرة والمحدودة التأثير في عام 2006، ومع ذلك أثار هلع الإسرائيليين، أصبح يمتلك 100 الف صاروخ، بعضها له قوة تدميرية ضخمة، وهي الصواريخ الباليستية التي يمكنها الوصول إلي إيلات في أقصي جنوب إسرائيل، ولا يمكن للداخل الإسرائيلي أن يتحمل وصول عشرات الصواريخ الباليستة إلي أهدافها، أما قوة إيران العسكرية المتزايدة، فتبدو أضخم بكثير، فقد أطلقت صواريخ فضاء وأقمارا صناعية وغواصات من إنتاجها، وتقارير تطور البحوث العلمية عنها مثيرة للقلق، فقد احتلت المركز الخامس بعد كوريا وقبل إسرائيل في بحوث الرياضيات والفيزياء، وباقي الفروع لا يفصلها عن إسرائيل إلا خطوة، وهو ما جعل الشعور بالقلق الوجودي مستجدا علي إسرائيل. لا يمكن لإيران أن تكون البادئة بحرب كهذه، لأن معناها ضوء أخضر لتضربها إسرائيل بكل ما تملك من أسلحة محرمة، بما فيها النووية، لتمحي مدنا إيرانية من الوجود، لكن ضربة إسرائيلية مفاجئة لن تمكنها من القضاء علي ترسانة الصواريخ الضخمة، سواء في إيران البعيدة أو علي حدودها الشمالية، خصوصا أن شبكة أنفاق حزب الله تقلق سكان كريات شمونه، الذين أصيبوا بفوبيا تحرك الأرض من تحتهم، ويأتي معها سهولة ضرب حاويات الأمونيا في حيفا، أي أن قوة الردع ليست بسيطة، ومخاطر اندلاع حرب تضرب قلب اسرائيل بمثل هذه القوة يعني نهايتها، وفقا لما قاله مؤسسوها، الذين رسخوا عقيدة الحرب خارج إسرائيل، وبضربات سريعة وحاسمة. السيناريو الأنسب لإسرائيل هو اندلاع حرب عربية إيرانية، علي أساس مذهبي بين السنة والشيعة، وتقود السنة العرب للانتصار علي إيران الشيعية، فهو سيناريو غير مكلف، ويشتت جهود الصواريخ الإيرانية بين القبائل، ولا ينال إسرائيل إلا جزء ضئيل قد تتكفل به صواريخ الباتريوت، وليذهب السنة والشيعة إلي الجحيم .. فهل يتحقق الحلم الإسرائيلي؟ لمزيد من مقالات مصطفى السعيد