عادت طبول الحرب تقرع من جديد على أبواب سوريا، رغم الإعلان عن الهدنة، التي أطلقتها كل من أمريكاوروسيا، ولقيت ترحيبا حذرا من معظم الأطراف، أخذ يفتر بسرعة، عندما تبين أن نتائج الهدنة لن تكون فى صالح التحالف الأمريكى، حتى لو تم استثناء داعش وجماعة النصرة فقط منها، لأن التخلص من داعش والنصرة يعنى أن الجيش السورى وحلفاءه لن يتبقى أمامهم سوى مجموعات مسلحة صغيرة ومبعثرة، لن تصمد طويلا أمام أي اشتباك، فالحقيقة أن داعش والنصرة يشكلان القوة الرئيسية العسكرية في مواجهة الجيش السوري وحلفائه، ومعظم الأرض الواقعة تحت سيطرة الجماعات المسلحة بيديهما، وهزيمتهما تعنى انتصار سوريا وحلفائها. شركاء أمريكا فى التحالف أدركوا المأزق، لكن من الصعب المطالبة بعدم ضرب داعش، لأن التحالف الأمريكي قد تشكل تحت هذه اللافتة، والدول الأوروبية التي تعرضت لاعتداءات أو تهديدات داعش تحمست للحرب عليه، ولا يمكن مطالبة روسيا وحلفائها بعدم ضرب داعش، وإلا كان إعلانا صريحا بدعم الإرهاب، ولهذا صدرت مطالبة خجولة من المعارضة السورية بأن تشمل الهدنة تنظيم جبهة النصرة، لكن أمريكا لا يمكن أن تتبنى هذا المطلب، لأن التنظيم هو الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة في سوريا، وهو التنظيم الذي ارتكب هجمات 11 سبتمبر على أمريكا، وهدم برجي التجارة بطائرتي ركاب أمام أنظار العالم، وشنت بسببه أمريكا الحرب على أفغانستان والعراق، فهل يمكن أن تواجه الرأي العام الأمريكي والعالمي بأنها ضد ضرب فرع تنظيم القاعدة في سوريا؟! يبحث التحالف الأمريكي عن مبررات جديدة لعرقلة اتفاق الهدنة أو عدم التقيد به، لكن تبدو البدائل أمامه صعبة، ولهذا أطلق وزير الخارجية كيري أن البديل هو الخطة (ب)، رغم عدم وجود أي خطة محددة الملامح، فيما يشبه «الفنكوش»، حتى يتشاور أعضاء التحالف للوصول إلى مخرج ومحتوى للخطة (ب)، وقال وزير الخارجية الروسى: لا ولن توجد أي خطة بديلة للهدنة. في الحقيقة لا توجد خطة بديلة، لكن توجد خطة قديمة، سبق أن رفضتها الولاياتالمتحدة، وهي فتح أبواب الجحيم على المنطقة بحرب واسعة، وهي الخطة التي تتبناها إسرائيل، وكشف عنها نيتانياهو عندما اعترض على الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى، ويرى فيها أن الحرب حتمية، وأن تأجيلها سوف يزيد من تكلفتها في المستقبل، لأن إيران وحلفاءها سيصبحون في وضع أفضل، وشن الحرب الآن، مهما بلغت تكلفتها والدمار والضحايا التي ستخلفها سيكون أفضل من الانتظار. الرئيس التركي إردوغان وبعض الدول الإقليمية متحمسة لوجهة النظر الإسرائيلية، وترى أن الحرب خيار أفضل، رغم أن شررها سوف يتطاير ويتجاوز حدود سوريا والعراق، وربما يمحو دولا من على الخريطة، حتى لو لم يتم استخدام أسلحة دمار شامل. ربما كان هذا هو سر تلويح حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني بالقنبلة النووية ضد إسرائيل في حال شنها حربا على لبنان، وفسر ذلك بأن حيفا بها حاويات لغاز الامونيا، في حالة ضربها ستوقع عشرات آلاف القتلى، ونتيجتها تشبه القنبلة النووية، وهي هدف سهل لبضعة صواريخ يطلقها حزب الله على حيفا القريبة، وهو ما أثار جدلا واسعا ومخاوف لدى سكان إسرائيل من اندلاع الحرب، ولا يمكن تصور أن نصر الله أطلق هذا التحذير الأول من نوعه، إلا إذا كان قد تلقى معلومات عن اعتزام اسرائيل شن حرب على لبنانوسوريا، لكن اسرائيل التي كانت تتكتم الإعلان عن موقفها من الحرب الدائرة في سوريا بدأت أخيرا الإفصاح عن مخاوفها من انتصار الجيش السوري وحلفائه، وقالت إنه خطر كبير يهدد وجود إسرائيل، وستصبح القوات الإيرانية على حدود الجولان، ولم تفلح الاتصالات الإسرائيلية فى عرقلة تسليم إيران منظومة الدفاع الجوي إس 300، بينما جرى عقد لقاءين فى أسبوع واحد بين وزيري دفاع روسياوإيران، في كل من موسكووطهران، وهو مؤشر على درجة خطورة اى خطة بديلة للهدنة، وأن الخطة (ب) يمكن أن تصبح الحرب الشاملة. السعودية أرسلت 4 طائرات إلى قاعدة انجرليك التركية، و30 جنديا، ورغم رمزية القوة، إلا أنها تشير إلى اعتزام السعودية المشاركة في الحرب، بل زادت من حدة لهجتها تجاه روسيا، ووصفتها بالدولة المعتدية على سوريا، فيما أدخلت لبنان على خط المواجهة، وأعلنت إلغاء قرار دعم الجيش اللبناني بأسلحة فرنسية تدفع ثمنها البالغ 3 مليارات دولار، ومنع سفر مواطنيها إلى لبنان، وتبعتها قطر والإمارات والبحرين، بينما كانت سلطنة عمان تقف على الطرف الآخر، وتوقع اتفاقيات اقتصادية مع طهران. الولاياتالمتحدة، تحاول أن توقف تهور حلفائها، فهي تدرك حجم المخاطر التي يمكن أن يجرها توسيع الحرب في سوريا، وانفلات الزمام من الأيادي المتشنجة، خاصة إردوغان الذى يرى أن فى انتصار سوريا وحلفائها نهاية له، وتحول العداء مع بوتين إلى عناد،والهدنة لن تكرس إلا انتصار سوريا وحليفها الروسي بوتين، ولن يمضي وقت طويل حتى يبسط الجيش السورى سيطرته على كل الأراضى السورية، وهو كابوس يجب التخلص منه بأى طريقة، ولو كانت الحرب الشاملة، لتشتعل النار في الجميع. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد