يبدو أن مقالنا الأربعاء الماضي علي هذه الصفحة والذي كان تحت عنوان الكلام «المر» عن عودة السياحة جاء صادما ومملوءا بكثير من عدم التفاؤل.. لمن يتابعون ما نطرحه أسبوعيا من قضايا ورؤي مختلفة عن الواقع الصعب الذي تعيشه السياحة المصرية منذ حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء في 31 أكتوبر الماضي والذي نتج عنه دخول السياحة في أكبر وأسوأ أزمة في تاريخها خاصة بعد أن أوقفت إنجلترا رحلات طيرانها إلي شرم الشيخ وكذلك روسيا التي أوقفت كل السياحة الروسية والطيران إلي جميع مقاصد مصر السياحية. كانت النتيجة بالطبع تراجعا أو علي وجه الدقة انهيارا في السياحة المصرية في الشهور الأربعة الماضية وصل إلي أن فقدت مصر 80% أو أكثر من أعداد السائحين القادمين إليها.. لكن الأخطر هو عدم وجود حجوزات جديدة.. فبعد أن ضاع الموسم الشتوي بدأنا نتحدث عن ضياع موسم الصيف المقبل وبدا حلم عودة السياحة هذا الصيف بعيد المنال لدرجة أن البعض يقول عليكم نسيان عام 2016 كله فلا أمل في عودة السياحة قريبا أو تحديدا في الصيف والأمل كله في أن نلحق بعضا منها في الشتاء القادم.. لكن السؤال الذي ظل يطاردني طوال الأسبوع الماضي كان ومازال.. ما هو السبيل للخروج من الأزمة؟ ومتي وكيف؟ خاصة في ظل انهيار ولا أقول انعدام الطلب السياحي علي مصر من الأسواق الأوروبية الكبري التي تصدر نحو 75% من السياحة إلي مصر وهي إنجلتراوألمانيا وإيطاليا وفرنسا وقبلها روسيا التي تشكل مع إنجلترا نحو 50% من أرقام السياحة إلي مصر. قبل الإيجابة يجب أن يعرف الجميع أن هناك مجموعة عوامل مؤثرة جدا في حركة السياحة إلي الشرق الأوسط بشكل عام والدول العربية بما فيها مصر بسبب أحداث الإرهاب والحروب التي تشهدها المنطقة في العراق واليمن وسوريا وليبيا أو أحداث العنف المتناثرة هنا أو هناك.. وذلك هو أحد الأسباب التي خلفت شعورا بالخوف من السفر إلي مصر وغيرها مع الأخذ في الاعتبار كثرة الحديث في وسائل الإعلام الغربي عن قضايا التحرش وحقوق الإنسان وغيرهما مما يعطي صورة سلبية جدا عن الأوضاع بشكل عام. وإذا وضعنا هذا السبب جانبا وذهبنا مباشرة إلي السبب الأول في أزمة السياحة المصرية حاليا نقول إنه وقف رحلات الطيران من إنجلترا إلي شرم الشيخ ومن روسيا إلي مقاصد مصر السياحية جميعها شرم الشيخوالغردقة ومرسي علم والأقصر وأسوان بعد حادث الطائرة الروسية.. ولأنه كما تقول القاعدة لا سياحة بدون طيران.. فنحن نقول لا سياحة من روسياوإنجلترا إلا بقرار «سياسي» بعودة الطيران لأن القضية تحولت من سياحة إلي سياسة.. بمعني أن روسياوإنجلترا الآن يشترطان لعودة الطيران الاطمئنان أن مصر قامت بدورها في تأمين مطاراتها بشكل سليم وبتشديد جميع الإجراءات الأمنية سواء باستخدام الأجهزة الحديثة أو الأفراد المدربين لتأمين المطارات والطائرات.. وبالتالي فإن الدولتين منعتا شركات السياحة هناك من توجيه طائراتها إلي هذه المدن السياحية المصرية ومنع السفر إليها إلا بقرارات حكومية حفاظا علي أرواح مواطنيها. إذًا القضية واضحة والمطلوب من الحكومة المصرية واضح وهو تأمين المطارات.. فماذا فعلت الحكومة المصرية من خلال الوزارات المسئولة بعد الاجتماعات العديدة لرئيس مجلس الوزراء مع وزراء الداخلية والسياحة والطيران المدني؟. للأسف الشديد رغم أن الطلب محدد وعلينا تنفيذه لأننا في الموقف الأضعف أو في موقف المحتاج أو المضطر بمعني أننا المحتاجون إلي السياحة.. إلا أن الحكومة ذهبت إلي اتجاه آخر وتعاقدت بالفعل مع شركة إنجليزية «كنترول ريسك» وهي شركة متخصصة في تقييم تأمين المطارات لتفحص في خلال 3 آشهر تقريبا كل إجراءات التأمين ومطاراتنا السياحية وتعطينا توجيهات بتنفيذ ما ينقصنا أو تمنحنا شهادة بمدي سلامة الإجراءات الأمنية تقتنع بها إنجلتراوروسيا. لكن للأسف هذه الخطوة لم تقنع الإنجليز ولا الروس بل ودخلت ألمانيا علي الخط وتهدد حاليا بوقف رحلاتها إلي الغردقة في منتصف مارس الحالي لأن بعثة أمنية ألمانية أكدت عدم دقة إجراءات تأمين المطار خاصة في تأمين الحقائب لدرجة أن إدارة مطار الغردقة بدأت استخدام «كونتينر» أو صناديق لتحميل الحقائب من المطار إلي الطائرة وإغلاقها بطريقة آمنة, ولكنها مازالت محل اعتراض من الجانب الألماني. كان البعض يتصور أنه بمجرد التعاقد مع شركة كنترول ريسك الإنجليزية أن قرار عودة الرحلات سيصدر من إنجلتراوروسيا بعد أن تطمئن هي الأخري.. لكن للأسف هذا فهم خاطئ فالقيادة الروسية أمام شعبها مازالت تنتظر نتائج التحقيق في حادث سقوط الطائرة ولابد من حل هذه المشكلة سياسيا.. والإنجليز يعتقدون أن التعاقد مع الشركة ليس كافيا لأنها شركة تقييم وليس تأمين.. ولذلك نقول هنا إن الحكومة المصرية كان يجب عليها لحل المشكلة ولعودة الطيران والسياحة هو أن تبدأ بإنشاء شركة خاصة لتأمين المطارات مدعومة بخبرات أجنبية في التأمين.. بمعني أنه كان علينا أن نبدأ بشركة تأمين المطارات يعقبها التعاقد مع شركة التقييم أو حتي نبدأ بالاثنين معا في خطين متوازيين لأنه من غير المعقول أن تنتظر 3 شهور لتحصل علي نتائج تقييم الشركة الإنجليزية ثم تبدأ في تنفيذها!. وبالتالي فإن المطلوب الآن سرعة إنشاء شركة خاصة بخبرة أجنبية لتأمين المطارات مهمتها زيادة الإجراءات التأمينية في المطارات السياحية بالتنسيق مع وزارة الداخلية بالطبع وهذا نظام معمول به في مطارات عديدة ولا ينتقص من سيادة الدولة أما إدارة المطار بشكل عام فهي بلا شك تحت السيادة المصرية.. فقط نحن نتحدث عن الاستفادة بخبرة دولية في التأمين.. وأن يظل الأمن المصري هو المسئول الأول والأخير. وهكذا فإن تأمين المطارات هو نقطة البداية لإقناع إنجلتراوروسيا بعودة الطيران.. يأتي بعد ذلك قرارات وإجراءات أخري إذا كنا نريد الخروج من الأزمة علي رأسها تفعيل قرارات اللجنة الوزارية لحل مشكلات القطاع السياحي في المياه والكهرباء والتأمينات وحسنا فعل محافظ البنك المركزي في تدخله لحل مشكلات القطاع مع البنوك والتسهيلات التي منحها.. ثم يتواكب مع ذلك حل مشكلة السوق الإيطالية التي تراجعت بعد مقتل الطالب الإيطالي وذلك بإعلان نتائج التحقيق, وعلينا الاهتمام بتصحيح الصورة الذهنية عن مصر من خلال حملة إعلانية وإعلامية دولية من خلال الشركة المتعاقد معها ولكن في أسواق محددة والاهتمام بالحملات غير المباشرة وتنظيم أحداث رياضية وفنية للدعاية لمصر بشكل غير مباشر. وكذلك الاهتمام بالعلاقات العامة والتواصل مع الصحفيين في كبري الصحف العالمية والاهتمام بالسوق العربية والعمل علي فتح أسواق جديدة في وسط وجنوب شرق آسيا وشرق أوروبا. حتي وإن كانت أسواقا ضعيفة.. لكن لابد من تنويع مصادر السياحة المصرية حتي لا نظل أسري للأسواق الأوروبية الكبري.. وتبقي قضية مهمة جدا في وسائل الخروج من أزمة السياحة وهي أنه حان الوقت وبكل جدية لإنشاء شركة طيران خاصة منخفضة التكاليف تعمل لمصلحة السياحة المصرية وذلك بالتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص خاصة في الأسواق الجديدة. مرة أخيرة الخروج من أزمة السياحة يبدأ بإنشاء شركة تأمين خاصة مصرية بخبرة أجنبية لتأمين المطارات مع شركة التقييم.. فهذا هو الحل الذي سيقتنع به الإنجليز والروس والألمان وبغير ذلك لن تعود حركة الطيران.. ولن تعود السياحة.. لمزيد من مقالات مصطفى النجار