أعتقد أن مثل هذا الحديث الباهت وتلك التجاوزات اللامتناهية الصادرة عن وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، قد أحزنتنى وأحزنت الكثير من المصريين، وأثارت حفيظة الغضب فى النفوس وكذلك الحال لوزير الخارجية المصرية سامح شكري، عندما نطلع ونقرأ الوزير التركى وهو يمن على مصر ودبلوماسيتها ودورها الذى يحاول هو وسيد قصره المنفلت من كل عقال رجب طيب أردوغان، تقزيمه وتكسير أقدامه فى المنطقة، فيقول إن بلاده تركيا ستتدخل لدى المجتمع الدولى ودول الاتحاد الأوروبى لضم ومشاركة مصر فى مجموعة العمل الدولية المقترحة لتنسيق الجهود الدولية المبذولة لحل الأزمة الليبية. ربما يكون هذا الكلام الجديد مرتبطا بجزء من حملة الكراهية وتدشين الافتراءات والأكاذيب ذات الوتيرة المتسارعة، من حكومة ودبلوماسية تركيا، التى زادت معدلاتها فى الآونة الأخيرة، خاصة بعد أن سبقها حديث آخر لنفس الرجل يضاف الى مجموعة التصريحات الشعبوية الصادرة عن الأوساط المحيطة هذه المرة بداود أوغلو رئيس الحكومة، عندما يتحدث بصفاقة متناهية عن عجز وشلل الدور المصرى فى المنطقة بحجة أن أزماتها ومشكلاتها الاقتصادية لن تسعفها فى القيام بأى أدوار فى المنطقة، وبالتالى سيظل الانكفاء جزءا من سياستها القادمة. بالتالى هذا حديث كريه مردود الى أهله وكان يستحق ردودا ومواقف لا تكون متشنجة من قبل الخارجية المصرية، بل مواقف تحمل الدلائل والحقائق ومفعمة بجدية الحضور وقوة الحجة والتأثير للدور المصرى والتعاطى المصرى وأدبيات القول المؤثر وغطاء الجهد والحضور والاشتباك السياسى والدبلوماسى المصرى مع أزمات المنطقة. ناهيك عن كشف وتعرية المواقف والتحركات التركية فى المنطقة، خاصة دورها السيئ والخبيث فى إشعال وتيرة نيران الحرائق المشتعلة على مدى خمس سنوات من الأزمة السورية، وكيف أهلكوا البلاد والعباد هناك، وارتباطها وعلاقاتها بداعش والتسهيلات والمساعدات اللوجستية التى قدمتها لداعش وكشف خبايا وحقائق التدليس التركى فى فتح حدودها وأجوائها لهروب ودخول قيادات هذا التنظيم لسوريا، وكذلك عناصر المقاتلين الأجانب الذين نفذوا بغطاء تركى وانضموا لقيادة إمارة داعش فى منطقة الرقة السورية. ناهيك عن الدور الخفى لتركيا فى العراق، مثلها مثل إيران، فى إشعال الحروب والفتن الطائفية والمذهبية وكيف تعاونت أنقرة مع طهران، سواء بطرق مباشرة أو ضمنية لتحويل العراق الى مستنقعات للطائفية، وبالتالى عندما تصدر كل هذه الافتراءات والأكاذيب من تركيا أردوغان، بحق مصر دولتها وحكومتها ودبلوماسيتها، فليس بالأمر المثير فطالما اعتقدت تركيا أن مثل هذه الأكاذيب والمعارك الكلامية المصطنعة من قبل الأتراك وحدهم هو جزء من التذاكى والعمل الدبلوماسى وهذا ليس بغريب ومدهش، خاصة أن رئيس الدولة أردوغان قال واعترف مؤخرا بأن الكذب هو جزء من الدبلوماسية ولكن عندما يصل الأمر الى شطط هذا التذاكى علينا من قبل أنقرة ومحاولة تصوير الأمر للمصريين ودول المنطقة، بأنها تتوسط وتتدخل لضم مصر الى المجموعة الدولية بشأن ليبيا، فهذا أمر مثير للقلق لنا ويستحق وقفة جادة لاعتبارات عدة، أنه كان ومازال يجب من قبل الدبلوماسية المصرية اعتبار الأزمة الليبية حاليا بكل تداعياتها وفصولها التى مازالت تتوالى خرابا ودمارا، جزءا من اهتمامات الأمن القومى الأصيل باعتبار أنها تقع على حدود مصر الغربية، وبالتالى ستظل تداعياتها تمثل الخطر الأكبر علينا وعلى أمننا القومي، مثلها مثل الحدود الشرقية، وبالتالى ما يحدث فيها لا يقل أهمية عن الخطر الإسرائيلى المتربص بمصر طوال الوقت. ناهيك عن أن أى أدوار وأطراف وحلول ومبادرات تصاغ بشأن الأزمة الليبية، كان ومازال يجب أن تخرج من مصر لاعتبارات عديدة يعلمها الجميع، وبالتالى يكون اختيار الأطراف والشركاء الإقليميين والدوليين بمعرفتنا نحن فى مصر وليس بيد تركيا البعيدة آلاف الأميال عن ليبيا وأزمتها والتى لا يربطها بليبيا أى رباط غير افتعال المؤامرات فيها وضرب الاستقرار وإفشال الحلول وتصدير الأزمات فيها نكاية فى مصر، وحتى تظل ليبيا وفرقها التى تعج بها من الإرهابيين بتمويل قطرى وتسليح تركى شوكة فى الخاصرة المصرية، وبناء عليه فإن نصيحتى للدبلوماسية المصرية ووزير الخارجية، وهو صديق حميم ودبلوماسى محترف، أن تسارع من الآن بتغيير الأهداف والأدوات والتكتيكات بشأن التعاطى مع كل ما يتعلق بالمغالطات والدس التركى الرخيص ضد مصر، وضرورة تذكير دول الإقليم دوما بأن تلك الدولة تركيا مريضة وفى طريقها الى الفشل، وفاقدة للذاكرة بشأن حقائق وقوة وتأثير الدور المصرى وطبيعة التعقيدات والتغييرات الجيوسياسية والاستراتيجية المتسارعة فى المنطقة، وبالتالى فإن هذا الكلام الذى يصدر من تركيا وقادتها ضد وطننا لم يصدر عفو الخاطر، بل مقصود ومدروس بعناية لإرسال رسائل سلبية عن هذا الوطن مصر. ومن أسف أن الدور المصرى مازال على قديمه، فى حين أن الأدوار واللاعبين باتوا كثرا وتتغير أدواتهم كل يوم فى المنطقة، فأين نحن من هذا التغيير والتطوير مع الأخذ فى الاعتبار أن الدبلوماسية الناعمة والحيادية، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول خاصة المجاورة لم تعد من أدوات العصر ولا مقومات القوة للدول فى الإقليم، بدليل تفاعل أدوار تركياوإيران والسعودية والإمارات وقطر وغيرهم فى قضايا سوريا ولبنان والعراق واليمن وحتى ليبيا.. أما نحن فأين من كل ذلك؟!. لمزيد من مقالات أشرف العشري