وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا!..كيف اتخذوه مهجورا ونحن نري الكثيرين يهتمون بختم القرآن المرة تلو المرة ويتبارون في ختمه عدة مرات أكثر في الشهرالكريم ونري مسابقات حفظ القرآن وحلقات التجويد منتشرة بيننا؟! و لكن هل للقراءة وللحفظ والتجويد أنزل القرآن؟ بالنسبة للحفظ..قال تعالي إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون أي أنه سبحانه قد تكفل بحفظ كتابه.والقدرة علي الحفظ ملكة..يهبها الله تعالي لمن يشاء من عباده!ومن الأطفال من يتم حفظ القرآن كله في سن السابعة!فقد خلقهم الله تعالي بملكة الحفظ وهي ملكة لها أناسها الميسرون لها, فقد كان الإمام الشافعي يقول: إنني أحفظ الصفحة بمجرد اطلاعي عليها مرة واحدة.حتي إنه كان يخفي الصفحة التالية حتي لا يحفظها قبل التي أمامه!..لكننا نجد الكثيرين ممن تخطاهم سن الحفظ ودخلوا في مرحلة الكهولة يبذلون جهدا ووقتا كبيرا لحفظ بعض سور من القرآن..وكأن الحفظ هوغاية المراد!رغم أن حفظ القرآن كله اصبح تقوم به آلة صغيرة جدا وبنسبة إجادة 100%.. وهومحفوظ في ملايين المصاحف حول العالم!وحفظ القرآن فرض كفاية يكتفي قيام بعض المسلمين به نيابة عن الكل!ونحن لانجد آية واحدة تحثنا علي حفظه!..كذلك التجويد..فقد ييسرللبعض ممن حباهم الله تعالي بموهبة حسن الصوت والبعض الآخر يكفيهم القراءة الصحيحة و النطق السليم لمخارج الحروف ومراعاة التشكيل تبعا للقواعد النحوية للغة!لكن فهم القرآن الكريم و التفكر فيه وتدبر معانيه وآياته والعمل بها..فهو فرض عين علي كل مسلم.لقد أنزل الله تعالي القرآن وأمرنا أن نشتغل بما فيه فإذا بنا نشتغل به عما فيه..طباعة و تجليدا ورسما وتبركا و حفظا وتجويدا وقراءة ثم ختم ثم قراءة ثم ختم...كل هذا جميل ورائع ومثاب صاحبه..ولكنه فرض كفاية يكلف به القادرون عليه والمؤهلون وميسرون له من ربهم..ولكن الأولي الذي يحقق الغاية منه هو تدبره ودراسته والعمل بما جاء به والتفكر فيما يلفتنا إليه من أحداث وقصص ونواميس وآيات خلقه سبحانه لأن التفكر..هوالعلة التي من أجلها أنزل!بل قد يكون هذا الاشتغال به عما به خطير..لأنه مظنة الدخول في الممقوتين الذين يقولون مالا يفعلون يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون.كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون أوكمن لا يؤدي أمانة ما حمل من علم مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا أو ممن قال فيهم المصطفي صلي الله عليه وسلم رب قاريء للقرآن والقرآن يلعنه وهذا للمتكسب منه ولمن لايعمل بماعلم وحفظ من آيات..حتي إن رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر أعظم ذنبا من رجل أوتي آية فنسيها وهو ليس نسيان الحفظ اللفظي ولكن الحفظ في القلب والعقل بالتدبر والاستيعاب والعمل بها لأن نسيان القرآن لا يكون من الإنسان ولكن من الله تعالي ربما عقابا له علي إهمال العمل بما حمل فيقول تعالي كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسي! وتدبرالقرآن والعمل به السبيل الأجدي لمنع تفلت حفظه! كان من الممكن ان يكتفي القرآن الكريم بذكرالأوامر والنواهي التشريعية الرئيسية التي يبينها لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم لكنه جاء ليحيي قلوبنا بالإيمان الراسخ الناتج عن الاقتناع العقلي بالتدبر في آيات الكون.فمدارسة كتاب الله توهب الربانية كما في قوله تعالي ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولقد ذهبنا في الحلقة الأولي من هذه السلسلة التي نشرت يوم الأحد 15 ابريل إلي أن أول أمر قرآنياقرأ..كان أمرا ب التفكر بمعني الاستقراء أي (القراءة الذهنية والعقلية) والغوص في مدلولات الحروف وما بينها وما حولها وقراءة الكون والحياة والمخلوقات والأحداث والصور..لنقف علي بواطنها التي اخفاها الله تعالي- الباطن الظاهر- في ظواهرها.فالقرآن الكريم ليس كتاب تاريخ وقصص أو تعبد وتبرك وإنما إشارات تدفع الإنسان للتفكر وفهم ما وراء الآيات والأحداث من المعاني والمفاهيم كما هو واضح من لام التعليل الملحقة بلفظ التدبر في قوله تعالي: كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوالألباب وكذلك قوله تعالي.. وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون..إذن فالأمر بالتفكر ليس فقط أول أمرإلهي أنزل في القرآن بل هو العلة الأساسية من نزول القرآن! وآيات القرآن تحثنا علي التفكر..بذكر آلائه سبحانه وأوجه الحكمة والإعجاز فيها كما في قوله تعالي هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون.ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون وفي آية أخري يثيرعقولنا للتدبر بتنبيهنا إلي قدرة الخلق في ان بذر البذورمتجاورة في نفس الأرض و نفس الماء ينبت ألوانا متباينة من الثمر منها الحلو ومنها المالح وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون.وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقي بماء واحد ونفضل بعضها علي بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ويؤكد سبحانه أن تلك الأمثال لم يضربها إلا لكي نعمل عقولنا فيها وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون لذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم قيل:لاعبادة كالتفكر!.