في خطاب الرئيس أثناء إطلاق إستراتيجية مصر 2030 أدهشتني آراء تركت صلب وجوه القضايا بالغة الأهمية والخطورة تناولتها الإستراتيجية وتتعلق بالمصير والوجود، وركزوا علي تفسيرات مغلوطة لعبارات وردت في مصارحات الرئيس للشعب ودعوة الاستماع إليه وفي رأيي أنها دعوة يتوجه بها إلي جموع من ملايين المصريين الذين تسعي قوي هدم وتشتيت وصناع يأس وإحباط إلي إختراق وسلب صلابتهم النفسية والروحية، وتبديد أرصدة اطمئنانهم وثقتهم بما يحدث في بلدهم من خلال ما ينشر بينهم من أكاذيب وفتن وادعاءات وافتراءات. وفي رأيي أن تفضيل الرئيس للحديث المرتجل عن الأوراق التي يتم تجهيزها هو نوع من الحرص علي الاقتراب والمصارحة والمصداقية، ولكن في المناخ المرتبك والملتبس الذي نعيشه، وهذا القدر من التربص والرغبة في التقليل من القيمة والاحترام، يصبح النص المكتوب ضرورة لعدم ترك عبارات وثغرات مفتوحة لتعدد التأويل والتفسير حسب الأهواء والأغراض!! وكنت أتمني بدلا من لغو تعليقات كثيرة أن يدرك الجميع الاشارات المؤلمة والموجعة والتي حاول الرئيس إرسالها لبيان حجم ومخاطر ما وصل إليه تردي الأوضاع، التي يتمسك الرئيس بألا تصادر مخططات الانقاذ والإصلاح والبناء والبقاء وأن تصل مصر والمصريون إلي ما يستحقون. لقد سعدت بأن يكون لمصر أخيرا رؤية مستقبلية واستراتيجية للمستقبل تقوم علي دراسات علمية وتطبيقية، ويقوم بها علماء وخبراء، ويكون الشباب في القلب منها وشركاء أساسيين في وضعها وفي تنفيذها.. وأسعدني الارتكاز علي العلم وجعله قاعدة أساسية لوضع الاستراتيجية وتطبيقها في محاورها الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والحرص علي اقامة توازن بين العمران علي الأرض الذي تمثل في مجموعة من أهم المشروعات القومية، والعمران البشري والإنساني والتشييد القوي للأجيال الصغيرة والشباب ومطالبة الوزراء والمسئولين بكفاءة وتوفر شروط السلامة في كل ما ينفذ من مشروعات أسعدني ألا تكون الطموحات الكبري محلقة في الهواء ولها ركائزها من الأرقام ومحددات مصادر الإنفاق، ودق الأجراس بشدة للمخاطر والتحديات والمهددات التي أثق بحجم خطورتها وأن حديث الرئيس لم يتضمن تضخيما أو تزايدا بقصد تخويف أو إثارة فزع كما يدعى البعض كأنهم لا يرون كيف تحولت المنطقة ودولها إلي ساحات ألعاب نارية بأسلحة الحرب، وأن الشرق الأوسط الجديد وخرائطه وتقسيماته ليس محض خيالات أو إدعاء.. كما أن محاولات التشكيك والتهوين فيما يتم من إنجازات أصبح ممنهجا لاشاعة اليأس والاحباط تستطيع أن تختلف مع ترتيب الأولويات كل صاحب حس وضمير يري بالبصر والبصيرة مؤشرات استهداف هذا الوطن والتي مازالت تعمل في الخفاء وفي العلن.. ومرة ثانية وعاشرة دعوة التكاتف والاصطفاف لا أراها تصادر علي حق أصيل كل مواطن في الخلاف والاتفاق ولكن خلاف أو اختلاف يبني ويصحح المسارات لا ليهدم ويسحب أرصدة الثقة والاطمئنان وأظن أنها كانت مطلبا دائما أن يكون للمستقبل رؤية لا تتعارض مع الانتباه إلي ما تحتاجه آلام ومشكلات الحاضر من علاج وتخفيف للموروث من أزمات وكوارث عشرات السنين الماضية. أسعدني أن يكون لإستراتيجية 2030 هدف أكبر هو الحفاظ علي الدولة المصرية في مواجهة استهداف وإسقاط الدولة الوطنية الهدف الآثم الذي نُفذ في مجموعة من الدول العربية. «تذكروا.. هناك من لا يريد أن يكون مصير مصر استثناء بين مصائر دول المنطقة» أتمني علي اعلام وطني محترم أن يقوم بمهمة جليلة هي قراءات متعمقة وواضحة ومبسطة من خلال خبراء وعلماء في مكونات الاستراتيجية، وأهم نقاط قوتها والتي يجب أن تكون علي أولويات نجاحها مثلما أطلقوا عليه النمو الاحتوائي.. أي النمو مع تحقيق العدالة الاجتماعية وهناك مجموعة من التساؤلات المهمة يجب أن تجيب عنها المؤسسات المسئولة عن تنفيذ الإستراتيجية والمتابعة والرقابة علي التنفيذ وأول التساؤلات كيف سيقام التوازن بين تنفيذ الإستراتيجية التي تحمل هذه الطموحات والآمال لمصر الجديدة وبين ضرورة معالجة موروث عشرات السنين من التجريف والهدم والتخلف والذي مازال يغرق فيه عشرات الملايين.. فبناء المستقبل لا يعنى أن تنتظر هذه الملايين حتي يتحقق ولا يغني عن سياسات وخطط عاجلة لتخفيف حجم وثقل الموروث الكارثي.. بكل التكاليف الضخمة التي يتطلبها الأثنان.. بناء المستقبل وإنقاذ الحاضر. لم أقرأ المحاور العشرة للاستراتيجية تفصيلا وأرجو ألا يكون قد غاب عنها محور لا أظن أنه يمكن الوصول إلي مستقبل آمن ومزدهر ومستقر بدون وجود هذا المحور والالتزام الجاد بتحقيقه أو ربما تمت الاشارة إلي هذا المحور الأخطر في أي استراتيجية للمستقبل بشكل مباشر وواضح ومحدد لا فقط من خلال الحديث عن زراعة مليون ونصف فدان وللتحذير من استمرار البناء فوق الأراضي الزراعية بما يهدد كما أشار الرئيس في مصارحاته إلي القضاء نهائيا علي ما تبقى من أراض صالحة للزراعة، وهو ما أعلن د. فاروق الباز أن الأقمار الصناعية في رصدها لمعدلات التجريف والبناء علي أخصب الأراضي حذرت من القضاء عليها تماما عام 2050 لذلك فقد تمنيت أن يكون معلنا كمبدأ أساسى وهدف ومحور وخطة مدروسة أن يأكل المصريون من زرع أيديهم وأن يحققوا من خلال إستراتيجية 2030 حلما من أقدم وأعظم وأهم الأحلام المصرية منذ عشرات السنين أن يكتفوا ذاتيا من قمحهم وسائر منتجاتهم الغذائية ومحاصيلهم الإستراتيجية وأن يسقطوا للأبد عار، ومخاطر أن نظل نستورد حوالي 75% من احتياجاتنا الغذائية بكل المخاطر التي تحيط باستيرادها والأسعار المهددة بمزيد من الارتفاع وأن يباهي مسئولون وبلا خجل بتحقيق الأمن الغذائي من خلال الاعتماد علي الاستيراد. أرقام الفجوة الغذائية التي وصلنا إليها وعجز وتراجع المنتجات الزراعية تدين كل مسئول في المجال وبكل ما تمثل لمصر من مهددات اقتصادية واجتماعية وللأمن القومي والحيوي المصري وتجعل في مقدمة وأهم ما يجب أن تضمنه وتحققه استراتيجية 2030 من أهداف هو سد هذه الفجوة الغذائية التي وصلت في القمح إلي 55%، وفي الذرة الصفراء 95%، وفي الفول البلدي 35% ، وفي العدس 98% ، أي ننتج فقط 2% من كميات العدس التي يحتاج إليها المصريون أما في السكر فقد أصبحت الفجوة 38% بينما أصبحت الفجوة في الزيوت النباتية 94% ووصلت في اللحوم إلي 44%!! هل نستطيع أن نكتفي ونعتمد علي أنفسنا وأن نوقف المشاهد والوقائع المؤلمة والمخزية لاستذلال المواطن في طوابير ليحصل علي زجاجة زيت أو كيلو سكر أو أرز ويفرض عليه التموين أن يحصل علي بديل علبة بولوبيف وبرطمان نسكافيه!! ناهيك عن الكوارث التي أصابت محاصيل كانت تمثل عصبا للدخل القومي وقوة للاقتصاد المصري وللفلاحين وإذا لم يكن الانهيار حصاد السنوات الأخيرة وحدها فهل اتخذت اجراءات ووضعت سياسات للانقاذ؟! للأسف الواقع والأرقام تقول أنه لم يحدث. وعلي سبيل المثال كيف تتقلص المساحة المزروعة بالقطن من مليون فدان أوائل الثمانينيات إلي 249 ألف فدان عام 2015!! استراتيجية 2030 تحقق معجزة كبري في مصر وأملا ونقطة ارتكاز أساسية للأمن القومي والغذائى والصحى والاقتصادي عندما تضع النهاية لمخطط شيطاني لتدمير الزراعة والقضاء علي الأراضي الصالحة للزراعة وعلي الفلاح المصري وعلي عموم المصريين. والاستعانة بأرصدة مركز البحوث الزراعية من علماء وخبراء حقيقيين يتواصل إقصاؤهم وعدم الاستثمار والاستفادة بما يمتليء به مركز البحوث بدراسات وأبحاث تستطيع أن تحقق أهداف الاستراتيجية «أن يأكل المصريون ويكتفوا من زرع أيديهم والاعتماد علي أنفسهم. لقد بادر البسطاء المحترمون من المصريين الذين يمثلون ملح الأرض وحفاظ الحياة في مصر والذين لولا عرقهم وصبرهم وكفاحهم ما استقرت الحياة البسطاء الطيبون المحترمون الذين يضعون بلدهم في عيونهم وقلوبهم والذين أدركوا بحسهم الوطنى والتاريخي مدي أمانة وصدق ما تحدث به رئيسهم إليهم وحجم الأخطار التي تتهدد وطنهم البسطاء المحترمون الذين يمثل الجنيه الواحد ضرورة لحياتهم بادروا إلي تقديم مليونى جنيه في 24 ساعة لصندوق تحيا مصر تلبية لدعوة الرئيس «لو كل صاحب موبايل صبح علي مصر بجنيه يوميا لحققنا 4 مليارات جنيه سنويا» الدعوة كاشفة عما بلغته الأوضاع الاقتصادية ومدي احتياج مصر إلي كل ما يستطيع تقديمه أبناؤها وعدم الاستهانة بأهمية وقيمة كل مشاركة مهما كانت متواضعة.. لذلك بادر المصريون البسطاء المحترمون وصبحوا علي بلدهم أما الذين لا يملكون إلا لسانا فارغا فأطلقوه.. وسبحان من علمنا أن الزبد يذهب جفاء ولا يمكث ويبقي ويعيش إلا ما ينفع الناس. لمزيد من مقالات سكينة فؤاد