قد يكون غريبا أن يلقي مثل هذا السياسي المثير للجدل الذي انطلق في طريقه نحو السلطة من مواقع يمينية تستند في معظمها الى العداء للشيوعية والاشتراكية، مثل ذلك الترحيب الذي لقيه مؤخرا في الكرملين. وقد يكون اكثر غرابة ان تكِن له موسكو مثل هذا التقدير، وهو الذى تربى على كراهيتها منذ الصغر، ربما تحت تاثير ما ظل يتردد من حكايات حول اجتياح الدبابات السوفيتية لعاصمة بلاده في عام 1956 لقمع انتفاضتها الديمقراطية. اما الذي يمكن ان يتوقف عنده المرء فاغرا فاه وهو يضرب كفا بكف، ان هذا الشاب الموغل في العداء لكل التوجهات اليسارية والتبعية للشيوعية وكعبتها في موسكو، اختار ولوج عالم السياسة من باب "التنظيمات الشبابية الشيوعية"، فضلا عن خدمته بالجيش المجرى المشمول برعاية سوفيتية، بعد انتهاء دراسته المتوسطة. إنها البراجماتية التي قد تكون تفسيرا للجنوح لاحقا نحو العداء للشيوعية وللسوفييت، ولما دفعه الى اختيار دراسة القانون، والتوقف امام "حركة التضامن" البولندية لاختيارها موضوعا لرسالة التخرج العلمية في كلية الحقوق بجامعة بودابست. وكان فيكتور اوربان قد تحول ايضا مع نهاية الثمانينيات للانضمام الى الجهود التي اسفرت في مارس 1988 عن توحيد 37 من التنظيمات الطلابية المعادية للشيوعية في "تحالف الشبيبة الديمقراطية"- "فيديس"، الذي خاض معه اول انتخابات برلمانية في عام 1990. وكان اوربان عمل بعد تخرجه فى كلية الحقوق في عام 1987 في معهد اعداد القيادات الادارية التابع لوزارة الزراعة والاغذية قبل ان يحصل على احدى منح مؤسسة سوروس الملياردير اليهودى الامريكي المجرى الاصل للدارسة في جامعة اوكسفورد ليعود بعدها الى بلاده لاستئناف نشاطه السياسي، وليحقق في عام 1992 اول انتصاراته الحزبية حيث فاز بمنصب نائب رئيس هذا التحالف الذي سرعان ما تحول في عام 1995 الى "الحزب المدني المجري" - "فيديس". وبعيدا عن هذه المسيرة العاصفة، والسيرة الذاتية العامرة بالكثير من المتناقضات ومشاهد الاثارة، نتوقف لنشير الى ان فيكتور أوربان نجح في الاحتفاظ بمقعده البرلماني منذ ذلك الحين، وحتى استطاع الفوز لاحقا مع حزبه بالاغلبية ليشكل الحكومة المجرية لاول مرة في عام 1998، وليعود ثانية وبعد انقطاع لم يدم طويلا، ليفوز مع حزبه والاحزاب الموالية له بالاغلبية التي سمحت له بتشكيل الحكومة لفترتين متعاقبتين. وهنا نشير الى ما يحظي به اوربان من تقدير لتقديسه "لمؤسسة الاسرة"، يضاف الى ما صار يحظى به اليوم في روسيا من جراء موقفه المتميز الرافض لاستمرار العقوبات. ونشير ايضا الى ان اوربان تزوج في سن مبكرة ولم يكن بلغ من العمر 23 عاما وله من الاطفال خمسة، فيما كانت استهوته كرة القدم ليصير احد لاعبيها ومدربيها المحترفين في نادي "فيلتشوت"، فضلا عن رعايته لاحدى اكاديمياتها التي تحمل اسم اللاعب المجرى الاسطوري "بوشكاش". وثمة من يقول في روسيا اليوم إن ذلك الزعيم الذي ذاع صيته فيما وراء حدود بلاده والاتحاد الاوروبي، نتيجة موقفه المتشدد الذي لا يزال يتمسك به تجاه قضية تدفق الهجرة على بلاده، يفرض واقعا جديدا سرعان ما وجد معه اتفاقا في الراي بين اقرانه في بلدان شرق اوروبا . وكان اوربان اول من اتخذ قرار بناء السور العازل للحيلولة دون تدفق المهاجرين الى بلاده، بينما رفض قبول توطينهم في المجر معترضا على قرارات الاتحاد الاوروبي حول توزيعهم على البلدان الاوروبية، وإن وافق على قبول عدد محدود منهم، ايمانا من جانبه بأحقية وأولوية مواطني المجر في الحصول على الرعاية والعمل والمسكن، وهو ما يلقي قبولا من جانب الغالبية ليس فقط من ابناء الشعب المجرى، بل وايضا بين قدامى المهاجرين ممن اتخذوا المجر وطنا ثانيا خلال العقود القليلة الماضية. على ان هذا الموقف الذي اقام العالم الخارجي ولم يقعده بعد، ليس الوحيد في قائمة الموضوعات التي تؤلب عليه خصومه في الداخل والخارج، ومنها التقارب مع موسكو التي قال إنه يرى اهمية ما يمكن ان تقدمه من حلول لكل مشاكل تطوير اقتصاد بلاده والبلدان الاوروبية. كما انه طالما اعلن بعض آرائه الصادمة على غرار ما نُقل عنه بشأن "انتهاء عصر التعددية الثقافية"، الى جانب عدم اتفاقه مع "تعايش الاديان" وهو ما دحضه عدد من قيادات المصريين المغتربين في المجر باشارتهم الى ان السلطات المجرية لا تلاحق لا الاسلام ولا المسلمين، وضربوا مثالا على ذلك بوجود تسعة مساجد في العاصمة بودابست منها سبعة لم تحصل على ترخيص بالنشاط بعد، ومع ذلك فهي تفتح ابوابها امام المسلمين دون اية مضايقات من السلطات المجرية. اما عن علاقاته بمصر فقد كان اول من استقبل في اوروبا الشرقية الرئيس عبد الفتاح السيسي في بودابست في العام الماضي ووقع معه العديد من اتفاقيات التعاون، فضلا عن رفضه لفرض الحظر على السياحة، او على حركة الطيران مع مصر، في الوقت الذي تقول فيه المصادر المجرية بان بودابست لا تزال تطمح الى ما هو اكثر.