موجة هائلة من الحروب والصراعات المختلفة والمتعددة المستويات اجتاحت دول الشرق الأوسط بوجه عام وعالمنا العربى تحديدا منذ نهاية عام 2010. وأسفرت تلك الموجة المدمرة المستمرة حتى اليوم فى تشريد وهجرة الملايين من أبناء شعوب سوريا والعراق وليبيا واليمن وبعض الدول العربية الأخرى. وقد طرحت أزمة الهجرة غير المشروعة إلى أوروبا الكثير من التساؤلات حول المستفيد الحقيقى منها وتحولها من أزمة إنسانية إلى "بيزنس" تعوض به الشركات والمؤسسات الأوروبية خسائرها من جراء الأزمة الاقتصادية. موقع الإنسان السورى لقد تحدد موقع الإنسان السورى فى مخطط المصالح الغربية فى مقال نشر فى أكتوبر 2015 لرئيس البنك الدولى جيم يونج كيم. فقد تحدث كيم عن التجربة المؤلمة للاجئين الذين ينتقلون سيراً على الأقدام، وبالقطارات والقوارب والسيارات، إلى الدول المجاورة، ثم إلى أوروبا، هرباً من وحشية لا نهاية لها. ولكنه اعتبر أنّ تدفق المهاجرين الشباب فى سن العمل على دول أوروبية ترتفع فيها نسبة المسنين يشكل مكسبا للجميع. وأشار كيم إلى أن السوريين جاءوا بأموال استثمروها فى تركيا، ويشكلون 25٪ من أنشطة الأعمال الجديدة المسجلة فى تركيا عام 2014، مضيفا أن معدلات الفقر تنخفض فى المناطق التى تضم لاجئين سوريين بوتيرة أسرع من المناطق الأخرى فى تركيا. إنها الصورة الوردية التى قدمها المسئول الدولى للعالم ولكن الوقائع تشير إلى أمر مختلف. فقد وجهت وزارة الخارجية السورية رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولى والأمين العام للأمم المتحدة، تكشف فيها عن تعرض نحو ألف مصنع فى مدينة حلب للسرقة والنقل إلى تركيا، بمعرفة تامة وتسهيل من الحكومة التركية، معتبرة أنه "عمل غير مشروع، يرقى إلى أفعال القرصنة، وبمرتبة عمل عدوانى يستهدف السوريين فى مصادر رزقهم وحياتهم الاقتصادية". وتمت الإشارة إلى الحفارات التى تم تهريبها والنفط الذى يبيعه "داعش" منذ سنوات، إضافة إلى تجارة الأسلحة الرائجة عبر تركيا. لقد إستغلت تركيا الأزمة وحققت لها أرباحا، قبل أن تعامل اللاجئين البشر كعبء ثقيل يجب التخلص منه. وفرت للاجئين من مخيمات اللجوء فى تركيا محاولين النجاة بحياتهم لتتلقفهم أوروبا التى وصلوها عبر "قوارب الموت"!! جحيم فى أوروبا وإذا كان الموقف التركى تجاه أزمة اللاجئين العرب بوجه عام يستند إلى أسس ذات طبيعة سياسية وايديولوجية وإستراتيجية يتبناها النظام التركى الحاكم قبل الشركات والبنوك التركية فإن أمر "البيزنس" يظهر بشكل أكثر وضوحا فى دول أوروبا. فقد أشار أنتونى لوينشتاين، مؤلف كتاب "رأسمالية الكوارث" إلى أن الواقع المرير لأزمة المهاجرين الحالية التى تجتاح أوروبا المتحضرة يتمثل فى العدد المتزايد من الشركات التى تتبنى منهج إستغلال الفرصة المالية التى قد تحصل عليها من استغلالها "اللاجئين". فقد تحول اللاجئون إلى مجرد أرقام يتم التعامل معها. وأصبح دافع الربح هو الهدف الرئيسى فى أذهان العديد من الشركات متعددة الجنسيات. لقد تحولت الهجرات إلى أوروبا إلى "بيزنس" كبير لشركات كبرى فى أوروبا وأنحاء العالم. فقد أشار الكس كين محرر "موقع ألترنت" إلى ما تلقاه القطاع الخاص من أموال دفعتها لهم الحكومات الأوروبية لمواجهة هذا التحدى الهائل المتمثل فى أعمال مواجهة أزمة المهاجرين القادمين من العالم العربى. فهناك أعمال الإعتقال، وأعمال الشرطة، ومعالجة وإدارة شئون اللاجئين. وقد أصبحت أزمة اللاجئين تعنى الربح لهؤلاء المتعاقدين. وفى بعض الحالات تقوم تلك الشركات بإساءة استغلال اللاجئين. فالشركات الخاصة تشرف على تشغيل المرافق والخدمات الأمنية للاجئين فى أوروبا، على الرغم من وجود ملاجئ تديرها الدولة. وهناك شركات السلاح، التى تستغل الأزمة من خلال بيع الأسلحة ومعدات المراقبة إلى الدول التى تسعى إلى منع اللاجئين من الدخول أو مراقبتهم. "بيزنس" اللاجئين وقد أوضح لوينشتاين السبل التى يطرقها أصحاب "بيزنس" اللاجئين لتحقيق الربح المادى من الكارثة. فالشركات الأوروبية العاملة فى مجال اللاجئين، ليس لديها حافز مالى لتوفير أفضل تدريب، ورعاية صحية، وغذاء أو رعاية الصحة العقلية للاجئ. وقد حدثت واقعة كشفت عن سوء معاملة اللاجئين فى ألمانيا. فقد نشرت وسائل الإعلام الألمانية فى سبتمبر عام 2014 صورا لاثنين من حراس الامن الخاص وهما يلحقان الأذى باللاجئين فى مأوى يقع بالشطر الغربى من البلاد. وأظهرت الصورة اثنين من الحراس يكيلن الركلات للاجئ جزائرى مكبل اليدين. وفى شريط فيديو منفصل، أجبر الحراس اللاجئين على الجلوس على فراش مغطى بالقىء!! وقد دفعت تلك المواد المنشورة العديد من المراقبين إلى مقارنة ما يتعرض له اللاجئ بما كان يحدث فى سجن "أبو غريب" بالعراق، عندما تم تصوير الجنود الأميركيين أثناء تعذيب المعتقلين العراقيين. كما برز بعد آخر للأزمة حيث كان واحدا من الحراس الذين أساءوا للاجئ فى ملجأ يحمل وشم النازيين الجدد، ووفقا لمجلة دير شبيجل الألمانية فإن بعض الحراس يتعاطفون مع النازيين الجدد ما يمثل انعكاسا لمشكلة واسعة النطاق. ففى براندنبورج، وقدرت السلطات الألمانية أن واحدا من كل 10 من المتطرفين اليمينيين يعمل فى شركة أمنية. وأشارت لغة المال والأرقام إلى أن الشركة التى تدير الملجأ الذى شهد المعاملة المسيئة للاجئين تدير نحو 100 مأوى آخر، وأنها حصلت على عقد قدرت قيمته بحوالى 207 ألف يورو ما يوازى ربع مليون دولار أمريكى لتشغيل مأوى فى ولاية ألمانية أخرى وتم فسخ العقد الخاص بتشغيل الملجأ الذى شهد الوقائع المسيئة بعد ردود الأفعال الغاضبة. وتحصل شركات الطيران والنقل على نصيبها من صفقات اللاجئين ما يعوضها عن خسائرها فى قطاع السياحية. فقد حصلت إحدى شركات الطيران الألمانية على عقد ب 350ألف دولار فى عام 2014 نظير الرحلات الخاصة بطرد وترحيل اللاجئين! وهناك شركة سويسرية عقدت صفقة للإشراف على أحد معسكرات اللاجئين فى محاولة لزيادة أرباحها السنوية التي تقدر ب 100مليون دولار. وعلى الرغم من ذلك علقت الأممالمتحدة على مستوى الخدمة المقدمة للاجئين هناك بأنه "دون مستوى الكرامة البشرية". فالمنشأة التى تبلغ طاقتها الاستيعابية 1800 شخص تم حشد 4500 شخص للإقامة بها! وتم إجبار ألفى نزيل منهم على النوم خارج المبنى فى ظل ظروف الطقس السيئ من عواصف ورياح وأمطار. وفى دول أوروبية أخرى شهدت معسكرات الإيواء الخاصة باللاجئين ممارسة المشرفين عليها أعمال عنف ضد اللاجئين مما يؤدى إلي وجود حالات إنتحار وقتل بين المقيمين هناك. وقد حصلت إحدى الشركات الخاصة على حق الإشراف على معسكر لإيواء اللاجئات مقابل عقد مع الحكومة قدرت قيمته ب 100مليون دولار. وكان من المؤسف أن تم التعاقد مع الشركة على الرغم من التقارير التى كشفت عن قيام أفراد الحراسة الخاصة من الرجال بالإعتداء الجنسى على إحدى اللاجئات. حصن أوروبا وبغض النظر عن مكاسب شركات الأمن والاحتجاز الخاصة، فإن شركات السلاح تبذل جهدا كبيرا سعيا للإفادة من الأزمة. فقد حصلت شركات الصناعات الدفاعية الأوروبية مثل "ايرباص" وشركة "فينميكانيكا" و"ثاليس" على جانب من العقود التى تقدر قيمتها ب 244مليون دولار وهى الميزانية المخصصة لإقامة نظام "حصن أوروبا". ووفق ما أذيع فى الصحافة الأوروبية فإن "قلعة أوروبا" هو الاسم الذى يطلق على نظام الطائرات بدون طيار، والمراقبة الفضائية والروبوتات العامل عند الحدود وتقوم بدوريات تهدف الى ممارسة الأعمال الشرطية ومنع اللاجئين من دخول أوروبا. وهكذا تحولت أزمة المهاجرين والفارين والمشردين من جراء موجة الصراعات التى إجتاحت الشرق الأوسط بوجه عام والعالم العربى على وجه الخصوص إلى "مصدر للربح" لشركات ومؤسسات غربية أوروبية مما يلقى بظلال كثيفة من الشك حول جدية الغرب بوجه عام فى التعامل الإيجابى مع أزمات المنطقة وخاصة فى سوريا والعراق وليبيا واليمن.