ونحن علي أبواب الامتحان الصعب والدقيق لاختيار رئيس للجمهورية ينبغي ألا يغيب عن ذهن أحد دقة وصعوبة المرحلة التاريخية الراهنة علي المستويين الإقليمي والعالمي. حيث نعيش في عالم يتغير ويتطور بصورة سريعة مذهلة, ويحفل بأحداث أغلبها مليء بالقلاقل والاضطرابات التي من سوء الحظ أغلبها قريب منا وليس بمقدورنا أن نغلق أبوابنا علي أنفسنا ونتوهم أننا سنكون بمنأي عما سينفذ إلينا ويؤثر فينا! ثم إنني لا أظن أنه يمكن أن يغيب عن ذهن أحد أن التوجه لانتخاب رئيس بلد في وزن وحجم ودور مصر يختلف اختلافا كثيرا عن مهمة انتخاب رئيس لبلد لا تفرض عليه أوضاعه الجغرافية, وروابطه السياسية أن يمد بصره خارج حدوده بمثل ما يتحتم علي مصر أن تفعل! إن مصر ذات وضع خاص فهي جغرافيا تقع في إفريقيا لكن أمنها يرتبط بترتيبات وحسابات وموازين تتجاوز حدود إفريقيا. وإذا قيل إن الركيزة الأساسية لأمن مصر ترتبط بنهر النيل- الذي يأخذ مساره من المنبع إلي المصب في أرض إفريقية- فإن هناك ركيزة أساسية مماثلة في مقومات أمن مصر التي تمتد حدودها إلي داخل قارة آسيا وتمثل بوابتها الشرقية التي تجعل من أمنها جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي العربي الشامل. ومعني ذلك أن من يتحمل مسئولية صنع وصياغة القرار الاستراتيجي لمصر ينبغي أن يكون واعيا لدور مصر, ومتطلبات أمنها الذي يتجاوز حدود المفاهيم الضيقة للأمن السياسي والعسكري ويصل إلي صلب الأمن الاقتصادي والاجتماعي والتنموي. وأظن أن البعد الأهم في قضية الأمن القومي المصري هو في المقام الأول بعد اقتصادي واجتماعي دون إغفال لأهمية البعد السياسي والعسكري. إن مصر تستحق رئيسا يعرف قدرها ويدرك حقائق الموقف الاجتماعي والثقافي لها, ويقدر علي أن يحفظ دفة سياستها من أي أمواج أو عواصف هائجة بسياسة متوازنة تضع في الاعتبار القياس الحقيقي لموازين القوي الإقليمية, والدولية من ناحية, ويرسخ حقائق الإحساس بالهوية التي هي جزء من حقائق تاريخ الأمة التي تنتمي لها, وجغرافية الإقليم الذي نعيش فيه. وغدا نواصل الحديث خير الكلام: لا تصدق كل عبارات المديح لأنها بوابة الغرور الذي يعمي عينيك عن رؤية الحقيقة! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله