يدور جدل فى الولاياتالمتحدةالأمريكية حول من يكتب التاريخ الهواة أم المحترفون من أساتذة الجامعات، هذا الجدل جعل لمن يقدمون التاريخ للجمهور الأفضلية على من يمتهنون تقديمه ، لما يتسمون به من حرية فى الكتابة خارج القيود الأكاديمية، لكنهم أيضا يتصفون بالدقة،هذا استحضرته وأنا أقرأ كتاب عمرو سميح طلعت «سعديون أم عدليون؟» الذى صدر عن دار الشروق بمقدمة للراحل العظيم الدكتور يونان لبيب رزق. الكتاب هو حوار بين شخصيتين هما سعد زغلول وعدلى يكن، وكلاهما من كبار الساسة فى مصر خلال الربع الأول من القرن العشرين. المؤلف رأى أنهما يكملان بعضهما، سعد زغلول خطيب مفوه وسياسى له شعبية كبيرة، وعدلى يكن مفاوض شرس ودبلوماسى متمرس. الخلاف بينهما امتد لفترة من الزمن وألقى بظلاله على الحياة السياسية فى مصر. المؤلف عمرو سميح طلعت تدرك من أول سطر إلى آخر سطرأنه يكتب سيناريو فيلم تتقاطع فيه المشاهد بين الشخصيتين، بدءا من الميلاد إلى الوفاة، وتدرك فى تقاطع المشاهد أنك تقرأ تاريخ مصر بلغة أدبية سلسة مفعمة بالوثائق والصور والمصادر التاريخية. الجديد فى دراسة عمرو سميح طلعت أنه أخرج الخلاف بين سعد زغلول وعدلى يكن فى أعقاب ثورة 1919، من دائرة الشخصنة والتعصب للشخص إلى دائرة تقييم الأفعال والمواقف برؤية نقدية حاذقة. فقد امتدح صلابة سعد باشا زغلول حين رفض العودة إلى مصر لمفاوضة ملنر، وانتقد عدلى باشا يكن الذى مال إلى إهدار ورقة مقاطعة الوفد لملنر مع أول تنازل إنجليزى ضئيل. وفى نفس الوقت رأى المؤلف فى موقف سعد زغلول تجنيا وظلما حين اتهم عدلى باشا يكن بأنه هو الذى أشاع الانقسام فى الوفد؛ فأثبت أن الوفد اصابه الانقسام قبل ان يلحق به عدلى باشا فى باريس، ووصف المؤلف موقف عدلى باشا بالحسم والصلابة فى اثناء محادثاته مع كيرزن، وبالنبل والوطنية حين رفض اقتراح لويد جورج بنفى سعد باشا. المؤلف يوضح لنا منهجية تاريخية تغيب كثيرا عن عدد كبير من المؤرخين العرب، فعدد كبير منهم يرون أن أكثر الناس قدرة على الحكم على شخص أو حدث هم الذين عاصروه باعتبار أنهم رأوا الشخصية أو عايشوا الحدث بشكل مباشر لا يعتمدون فيه على توتر أو تناقل قول. عمرو سميح يرى أن المعايشة تخلق تجربة تحكمها العواطف الانسانية فتدمغها برؤية ذاتية لهذا الحدث أو تلك الشخصية. الكتاب أيضا تصدى للإجابة عن اسئلة صعبة فى اطار هذه الفترة التاريخية: على من تقع التبعة فى انشطار الأمة: سعد باشا ام عدلى باشا ؟ اكان تمثال البطل المغوار وصورة الفارس الهمام هى كل ما يرمى اليه سعد باشا فيما اتخذ من مواقف؟ هل كان عدلى يكن باشا مستعدا لقبول مشروع ملنر على حاله رغم ما به من غبن لحقوق مصر؟ أكان سعد باشا يخاف على شعبيته من الأمير عمر طوسون ومن عدلى باشا؟ الكتاب فى طريقته ومنهجه يستحق أن يقرأ، بل إن ما سبق هو دعوة للقارئ لكى يقرأه. الكتاب : سعديون أم عدليون؟ المؤلف: عمرو سميح طلعت الناشر: دار الشروق