من المحمود أن يفتح الأهرام ملف الفساد فى الجامعات المصرية.. ولا مراء أن أفضل الناس الذين يتحدثون عن صور الفساد فى الجامعات أناس من داخل الجامعة ذاتها هم أقرب إلى الصورة وزواياها. لكن يتعين أن يتم هذا الأمر بموضوعية شديدة وحقائق مؤكدة بعيداً عن الغوغائية والانزلاق إلى مستنقع القحة والفحش فى تناول الأمور. وفى الفترة الأخيرة اطلعت على بعض المقالات تتطرق إلى الحديث عن فساد الجامعة، وهنا سرد لحالة أخرى صارخة للفساد، احتفظ باسمها والمستندات التى هى صواب كلامي. وفد إلى الجامعة البعيدة عن القاهرة منذ ما يقرب من خمسة وعشرين عاماً من مصلحة حكومية بعد أن توسط له أحد الصحفيين المحترمين لدى صديقه نائب رئيس الجامعة حينذاك.. هيئته تدل على أنه يعانى شظف العيش.. ولكنه اكتشف سريعاً فى القسم العلمى الذى عُين فيه "دجاجة تبيض ذهباً" وهى انجاز رسائل "الماجستير والدكتوراه" للطلبة العرب والمصريين. الفئة الأولى تدفع بالدولار والثانية بالجنيه المصري. وركز كل همه على التخلص من زملائه واحدا بعد الآخر، ولا شك أن "الحظ" خدمه فى ذلك، فقد انتقل تباعاً إلى الرفيق الأعلى "والأعمار بيد الله" عميد الكلية ووكيلها اللذان يعرفان ما يفعله، من تزوير درجات الطالبات وتقاضى الدولارات.. وبدأت التحقيقات معه تنهال على رأسه، وتنتهى إلى ضرورة تقديمه إلى مجالس التأديب. وهنا يظهر أناس نافذون يتوسطون له لدى مديرى الجامعة تباعاً، وللأسف كانت الاستجابة والمجاملات سريعة. فقط مجلس واحد نال فيه العقاب وتأخرت ترقيته لمدة عام. ثم اختطف الموت نائب رئيس الجامعة الذى قام بتعيينه وهو ينتمى إلى القسم العلمى ذاته، الذى أصبح هذا "المزور" رئيسه. وأذاق أستاذه الذى عينه الآمرين بعد أن تقاعد، ومات الرجل كمداً وقهراً من تصرفات "رئيس القسم" تجاهه! يقول العارفون، انه عمل بلا كلل وكل همه استئثاره بالقسم العلمي، وأقام حوله المتاريس والدروع لحمايته والبقاء متربعاً على صدره كل هذه المدة الطويلة من الزمن والحفاظ على "مغارة على بابا أو الدجاجة التى تبيض ذهباً" وفى سبيل ذلك قام بالخطوات التالية:- 1) جمد القسم العلمى فى "الفريزر"، لا ترقيات للمدرسين، لا تعيين للمعيدين لمدة تجاوزت خمسة عشر عاماً، لا تعيين لأساتذة جدد حيث إن القسم فى أمس الحاجة لهم.. وأصبح هو الأستاذ "الوحيد" الذى يقوم بالإشراف على عشرات رسائل الماجستير والدكتوراه" وتدريس معظم مواد القسم.. كل ذلك فى ساعتين زمن يمكثهما فى الكلية من كل أسبوع ويتقاضى كل الأجور والمكافآت . 2) الظهور فى وسائل الاعلام يتحدث عن الشرف والفضيلة، وفساد المحروسة "أيام مبارك" ثم اليوم فساد الجامعات، الصوت عال دائماً فى حركات تمثيلية ، تُوقع الرهب والخوف فى صدور وقلوب هؤلاء "المسيرين" للجامعة الذين راحوا يتوددون له! وراح يعدهم بتحقيق رغباتهم غير المعقولة والشاذة، وصرحت مديرة كبيرة فى الجامعة الكل يخاف من هذا الأستاذ . 3) يجر فى ذيله محاميا، يهدد به كل من يقترب من القسم العلمى بأنه سيقوم برفع قضية ضده، وبالفعل، قضاياه تعددت وكثرت أمام المحكمة الإدارية .. يستنزف فيها زملاءه المطالبين بحقوقهم وفى النهاية بعد عام أو عامين يخسر كل هذه القضايا. 4) بيد أنه للاسف، بمساعدة أحد رؤساء الجامعات الذى على صلة وثيقة بأحدهم فى جهة عليا، سرعان ما يتوجه إليه، ناعياً له أن خصومه "إخوانجية وضد النظام" وفى خلال عشرة أيام يقوم هذا "الكبير" بتعطيل الأحكام والقرارات ويمنحه الأوامر التى يريدها ضد زملائه 5) لا يمل من التردد على مكاتب الوزراء وأصحاب النفوذ نادباً حظه بأنه يقاوم الفساد فى الجامعة!! منهم لا يصدق، ومنهم من يعرف أنه على علاقة وثيقة بجهات منذ أن كان طالباً!! وأن زملاء له من الطلبة مسهم الضر من الافتراء عليهم . 6) يرفض باستمرار أى مناصب عُرضت عليه، حيث أهدر حقه فى وكالة الكلية الذى شغل منصبها لمدة خمسة أيام ثم هرول عائداً إلى القسم "العلمي" إلى منجم الذهب والفضة، كذلك يرفض بإصرار أن يتولى "عمادة" الكلية.. القسم العلمى وإلا فلا ودونه الموت الزؤام . 7) وأخيراً هدد محاميه المحامين الخصوم: أن القتل سيكون مصير كل من يقترب من القسم العلمي!! يقول العارفون والذين يعيشون المشهد أن ثروته، بكل تأكيد تعدت المائة من الملايين.. يشهد على ذلك المساكن الفخمة التى يملكها فى أرقى أحياء القاهرة، بعد أن كان يقيم فى شقة بالإيجار فى حى عشوائي، والشاليهات المتعددة والسيارات الفاخرة، أين الكسب غير المشروع؟ حيث إن الدخول المشروعة من العمل كأستاذ فى الجامعة بالكاد تكفيه طعام متوسط السعرات. هذه حالة واضحة للفساد فى الجامعات أتمنى أن تجد من يتصدى لها، ويوقف زحفها. لمزيد من مقالات د. عبد الله هديه