الحكايات فى بلادى لا تنتهى فهى كعدد أمواج البحر وأصدافه ورماله ، وحكاية اليوم حكاية بحرية ملكية رشيقة تتهادى مع الأمواج ، تهدهد راكبيها ، تحتضنهم ، تمنحهم الحنان والبهجة وتمخُر بهم عباب البحار والمحيطات فى عالم مفتوح لا تحُدهُ سماوات ، عالم مُفرداته مائية وأبطاله بحريين ، عالم أسطورى لا يعرف ركابه دوار البحر.. عالم صاف لا يعرف للزُرقة حدودا وإذا تغيرت معالمه تأرجح بين الدرجات البحرية الزرقاء والخضراء حتى يرسو على اللون الأصفر .. لون الشواطئ والمرافئ . حكاية هذا الأسبوع عن اليخت الملكى " المحروسة " سابقاً أو " الحرية " حالياً وهو يخت مصرى الهوية والجنسية ، إنجليزى المولد ويسكن حالياً على ضفاف بحر الإسكندرية بجوار قصر رأس التين لحين إشعار أخر أو صدور أوامر رسمية بالتحرك .. والوثيقة التى أعرضها اليوم هى ورقة رسمية صادرة من ديوان كبير ياوران جلالة الملك فؤاد بتاريخ 9 فبراير 1928 بخصوص أجازة المهندس أحمد سلامة أفندى من طاقم اليخت الملكى وتقول الوثيقة " إلحاقاً لكتابى رقم 3907 بتاريخ 30 يناير 1928 بالخصوص أعلاه ، أتشرف بالإحاطة أن يخت جلالة الملك " المحروسة " أبلغنا بكتابه رقم 519 بتاريخ 6 فبراير الحاضر أنه نظراً لدواعى العمل باليخت بسبب إنتداب بعض مهندسيه للرحلة الملكية بالنيل فقد اُستدعى المهندس المذكور من أجازته - لمدة شهر من 23 يناير سنة 1928 - واستلم أعماله باليخت من 28 الشهر المذكور .. وتفضلوا دولتكم بقبول فائق إحترامي . ومن هذه الوثيقة نتبين أن اليخت الملكى " المحروسة " كان يتبع ديوان جلالة الملك مباشرة ومن ثم فإن كل المكاتبات الخاصة به وطلبات التوظيف والعمالة كانت تتم من خلال هذا الديوان وليس الحكومة ووزاراتها ، كما يتبين أن هذا اليخت كان مخصصاً للملك وأنه لم يكن يستخدم فى الرحلات البحرية الداخلية والخارجية فقط بل كان يستخدم فى الرحلات النيلية وخاصة رحلات زيارة مدن الصعيد وجنوب مصر ، وأن هذه الرحلات كان يتم الإستعداد لها قبل قيامها بفترة من خلال إلغاء أجازات العاملين والمهندسين باليخت وصيانته ومراجعة كل الآلات والمعدات الخاصة به والإطمئنان على سلامته قبل أن يصله جلالة الملك ... أما الوثيقة الثانية فهى أقدم من سابقتها وهى صادرة هى الأخرى من ديوان جلالة الملك بتاريخ أول أكتوبر 1922 وهى عبارة عن جدول باسم بعض الموظفين ودرجاتهم الوظيفية ومرتباتهم وقيمة العلاوة القادمة التى سيحصلون عليها وتاريخها وعددهم 18 موظفا وعاملا ومنهم 8 من الأجانب ومن بين هذه الأسماء إسم أحمد سلامة أفندى المهندس الذى تم إستدعاؤه للعمل فى اليخت وتم قطع أجازته إستعداداً للرحلة الملكية النيلية ، ويوضح الجدول أنه على الدرجة السابعة ويحصل على مرتب 174 جنيها تضم بعض البدلات ومنها بدل إغتراب وبدل يخت وأن الزيادة التى سوف يحصل عليها سوف تكون بمقدار 500 مليم بتاريخ 1 إبريل 1923 ، كما يضم الجدول أخرى أسماء أخرى مثل الدكتور إبراهيم محمد حسونة أفندى والذى كان يحصل على 486 جنيه والشيخ محمد الجزيرى والذى كان يحصل على 174 جنيه .. ومن هذه الوثيقة نتبين أن الملك كان يصطحب معه فى رحلاته عددا من الفنيين والمهندسين بالإضافة الى طبيب مرافق كان يحصل على راتب كبير يتناسب مع العمل الذى يقوم به وشيخ لزوم التبرك أثناء الرحلات . بقى أن أقول إن اليخت المحروسة هو قطعة بحرية نادرة أو قصر ملكى عائم كان يجوب البحار والمحيطات ليعلن للعالم كله أن مصر قوية وحاضرة فى كل مكان ، وحكاية هذا اليخت جميلة وتستحق أن تُحكى وقد كانت فكرة إنشائه من بنات أفكار الخديو المستنير إسماعيل باشا عام 1863 حيث أمر ببنائه فى إنجلترا ، وفى شهرأبريل عام 1865 اتمت بناءه شركة سامودا والتى يقع مقرها فى لندن وأبحر اليخت لاول مرة فى شهر أغسطس 1865 من ميناء لندن على ضفاف نهر التايمز الإنجليزى إلى ميناء الإسكندرية المصرى ، وكان يبلغ طوله 411 قدما وعرضه 42 قدما وحمولته 3417 طنا، وكان يعمل بواسطة محرك بخارى يعمل بوقود فحم حجرى بسرعه حوالى 16 عقدة فى الساعة، وكان يزينه مدخنتان علاوة على ثمانية مدافع من طراز أرمسترونج للحمايه من اى اغارة بحرى وكان عدد ركابه يبلغ 620 راكباً ما بين ضباط وطاقم وركاب, وقد تكلف إنشاؤه ما يقرب من 160 مليون جنيه إنجليزى وقد إستخدم فى رحلات عديدة أهمها فى نقل الحملة المرسلة لإخماد الثورة بكريت. ثم أبحر به الخديو إسماعيل عام 1868 لحضور المعارض الدولية المقامة بباريس، ثم أبحر به ثانية عام 1869 لميناء مرسيليا الفرنسى لدعوة ملوك وأمراء أوروبا لحضور الحفل العالمى لافتتاح قناة السويس. وفى عام 1869 كان اليخت أول من عبر عند افتتاح قناة السويس وكان يحمل لفيفا من ملوك وامراء أوروبا مثل أمير وأميرة هولندا ،ولى عهد ألمانيا الأمير فريدريك ،الإمبراطورة أوجينى إمبراطورة فرنسا وإمبراطور النمسا فرنسوا جوزيف. وفى عام 1879 ابحر به الخديوى إسماعيل باشا بعد عزله عن حكم مصر إلى ميناء نابولى فى إيطاليا. وعام 1914 أبحر مقلاً الخديو عباس حلمى الثانى إلى منفاه بالآستانة بتركيا ، وفى عام 1939 جاء على متنه محمد رضا بهلوى شاه إيران الى مصر لعقد قرانه على الأميرة فوزية شقيقة جلاله الملك فاروق الأول ، وفى 1946 أبحر اليخت بأمر من الملك فاروق الى ميناء جدة ليحمل على متنه جلالة الملك عبد العزيز آل سعود ملك السعودية الى ميناء بورفؤاد المصرى فى زيارته لمصر, بتاريخ ثم عاد به اليخت الى ميناء جدة بعد انتهاء الزيارة . وفى 26 يوليو عام 1952 غادر به الملك فاروق إلى منفاه الإختيارى فى إيطاليا بعد تنازله عن عرش مصر والسودان وكان ينوى الاحتفاظ به معه إلا أن طلبه قوبل بالرفض من السلطات المصرية وقتها ، ثم فى عام 2015 أبحر اليخت من جديد مُقلاً الرئيس عبد الفتاح السيسى لإفتتاح قناة السويس الجديدة، والجدير بالذكر أن اليخت يتكون من خمسة طوابق: الطابق السفلى الذى يضم الماكينات والغلايات وخزانات الوقود والطابق الرئيسى الذى يضم غرف الجلوس، المطابخ، المخازن، الجناح الشتوى، والقاعة الفرعونية إضافة إلى جناح الأمراء والأميرات ثم الطابق العلوى الأول ويضم مقدمة اليخت وصالة الطعام وصالة التدخين ثم الطابق العلوى الثانى ويضم الحديقتين الشتوية والصيفية، الجناح الصيفى والصالة الزرقاء ثم الطابق العلوى الثالث كما يحتوى اليخت على أربعة مصاعد منها المصعد الخاص بالجناح الخصوصى. وجراجا خاصا بسيارة جلالة الملك ذات اللون الأحمر الملكى... والله على مصر وملوكها وحكاياتها زمان .