خصصت منظمة الأممالمتحدة عام2012 ليكون عاما للتعاون. في هذا العام, تعيد بلدان العالم دراسة هذا النوع من الملكية الشعبية التي صاغ المفكرون والفلاحون والصناع فكرها وحركتها عبر قرون وباتت تضم الآن ملايين الأعضاء من كل شعوب العالم. كما بات لها إسهامها في اقتصاديات بلدانها. فالتعاون يوجد الآن كملكية ثالثة معترف بها دستوريا كالملكيتين الأوليين, الملكية العامة والملكية الخاصة, في مائة دولة متقدمة ونامية. في هذا العدد من الدول تضم التعاونيات العاملة في كل القطاعات( الصناعية والزراعية والخدمية والاستهلاكية)800 مليون عضو. وفي الوقت نفسه تستعد مصر لوضع دستور جديد يضع البلاد علي أولي عتبات التقدم. لذا, بات من المفيد أن تنخرط مصر في هذه المناقشات بحيث تخرج منها وقد كونت بالفعل رؤية واضحة تساعدها علي التخلي عن ذلك الموقف القديم الخاص بالملكية التعاونية بحيث تحتضن مصر تلك الأفكار, القديمة الجديدة, التي باتت منتشرة في أركان المعمورة. وعندما نربط بين عام الأممالمتحدة وبين عام وضع الدستور فإننا نود أن نذكر أن الإعلان الدستوري الصادر في30 مارس2011 أغفل الملكية التعاونية عندما ذكر في مادته السادسة للملكية العامة حرمة.. وحمايتها ودعمها واجب علي كل مواطن وفقا للقانون. والملكية الخاصة مصونة ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبحكم قضائي. ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقا للقانون. وحق الإرث فيها مكفول. بصدور هذه المادة, أسقط الإعلان الدستوري الملكية التعاونية كأحد الأضلاع الثلاثة المكونة للملكية في المجتمع الرأسمالي. وهو ما يجب تجنبه في الدستور الجديد. وللتعاون تعريفه العالمي الذي يصعب قبول ما هو أدني منه. وقد أقر هذا التعريف عام1995 في جنيف في المؤتمر العام لرابطة التعاونيات وهو تنظيم عالمي يضم في عضويته التعاونيات الفاعلة في جميع البلدان المائة المذكورة سلفا. يقول التعريف التعاون هو تنظيم إداري مستقل لأفراد اتحدوا معا لتحقيق احتياج وطموح اقتصادي واجتماعي وثقافي من خلال مؤسسة تدار جماعيا بأسلوب ديمقراطي. ولكن كما أن للتعاون تعريفه فإن لفكرة التعاون قيمها ومبادئها التي يجب أن تتحول إلي أسلوب إداري يومي ومنهاج فكري دائم في ممارساتها اليومية. يبني التعاون علي قيم الاعتماد علي الذات والمسئولية الفردية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية والشفافية والانفتاح والمسئولية الاجتماعية. وتعمل التعاونيات وفق مبادئ التطوع والتدريب والتشبيك بين التعاونيات الأفقية والرأسية والاهتمام بالمجتمع المحلي وتنميته وتطويره وتدريب أعضائه علي فكرة الإدارة الذاتية واحترام حقوق الفقراء وقضايا المرأة. والتعاونيات ليست مؤسسات خيرية. بل تمنع تماما من القيام بمثل الأعمال الخيرية المعروفة لدينا وإنما هي مؤسسات اقتصادية تعمل من أجل دمج المنتجين لديها في الملكية التعاونية أي في القطاع الرسمي المكون من الملكية العامة والخاصة ومن هذه الملكية الثالثة.. الملكية التعاونية. كما أن نجاحها لا يقاس فقط بقدر ما تحققه من أرباح سنوية بالرغم من أهمية ذلك( في التعاونيات لا تعرف الأرباح كأرباح وإنما قد تسمي في أحيان فوائد وفائض). فإنها, أي التعاونيات, في النهاية ليست مكونة من مساهمين وإنما تؤسس من أعضاء شركاء. يقاس نجاحها بما تقدمه من قيمة مضافة إلي الواقع الاقتصادي والاجتماعي والخدمي والإنساني والثقافي المحلي الذي تأسست بفضل أفراده ومن أجلهم. وإذا كانت التعاونيات قد بدأت في الوجود في بدايات القرن التاسع عشر في إنجلترا وألمانيا(1820 و1830), وكانت تتكاثر وتنمو مع الأزمات الاقتصادية التي كانت الاقتصاديات الرأسمالية تمر بها, إلا أنها مرت بزخم قوي, كما ونوعا, مع بدايات القرن العشرين في عدد من الدول النامية الآسيوية. وباتت الآن تعتبر إحدي المصدات التي تحمي المواطن في الأزمات المالية. تماما كما حدث في الأزمة الحالية.وإذا أردنا ذكر البعض من هذه الدول النامية الأسيوية التي كانت بدايات تعرفها علي الفكر التعاوني ملازما للبدايات المصرية فإننا نذكر فيجي واندونيسيا والهند واليابان وكوريا ونيبال. وسوف نتعرض بالتفصيل لعدد من التجارب التعاونية سواء تلك التي حققت نجاحات جيدة أو تلك التي لم تستطع تحقيق أي نجاح, مع تحليل أسباب, النجاح أو الإخفاق, كما وردت في كتابات خبراء بلدانها حتي نستطيع تحقيق الاستفادة الكاملة من هذه التجارب التي, كما قلنا سابقا, بدأت من بدايات القرن التاسع عشر. ومع ذلك يمكن تلخيص بعض الملامح العامة المشتركة لكل هذه التجارب: في البداية لابد للدولة أن تتعامل مع التعاونيات ككيان ديمقراطي واقتصادي يسعي إلي توسيع قاعدة الملكية الشعبية التي تقود إلي التوازن المطلوب وتحدثه في مواجهة الملكية الخاصة بحيث يحافظ المجتمع علي توازنه العام ويستمر صموده أمام جبروت القطاع الخاص في حالة انفراد هذا الأخير بالسوق. لذا لابد أن تصون الدولة استقلالية التعاونيات من جبروت وسلطة الإدارة وتدخلها كما يجب أن تبتعد به, بالقانون, عن سيطرة أي تيار سياسي. فالتعاونيات مفتوحة العضوية للجميع ولكنها لا تتبع أي تيار سياسي حتي لو كان حزب الحكومة. كما أن علي الدولة أن تنظر إلي القطاع التعاوني علي أنه القطاع الذي يعمل من خلال زيادة نشاطه علي إدماج الحرفيين والمزارعين الأفراد في المجري الاقتصادي الوطني العام. بمعني إدماجهم في الاقتصاد الرسمي وإبعادهم عن القطاع غير الرسمي وعشوائياته.. وعلي الدولة أن تنظر للحركة التعاونية علي أساس أنها الحركة التي تتفاعل وتنمو فيها قدرات الأعضاء الديمقراطية والاقتصادية وتنشط وتنمو امكاناتهم علي فهم الإدارة وأسلوبها في مجال الشفافية والمحاسبية ودراسة الميزانيات وعمليات اختيار القيادات ثم محاسبتهم. ومن أهم العوامل التي ساعدت علي نمو الحركة التعاونية في البلاد التي أنجزت فيها الحركة تقدما مجتمعيا ملحوظا هو أنها تعاملت مع المشاركين فيها كما تعاملت مع أطراف سوق العمل والإنتاج علي أساس أنها كيان مسئول. وتقوم بالنيابة عنهم بالتعاقد الداخلي والخارجي وبتوفير الائتمان ومستلزمات الإنتاج وتصريف السلع أو توريدها. ولا شك في أن قيام التعاونيات المصرية في مجال الزراعة والحرف الصناعية لن يقدم النجاحات مرة واحدة. بل علي العكس فسوف يحتاج إلي جهد في التدريب وبناء القدرات والتنظيم. ولكن يمكن مع العمل الجاد أن نصل إلي الحالة الإيطالية التي يحقق فيها إتحاد تعاوني واحد فائضا سنويا يصل إلي مبلغ إلي.53 مليار يورو. أو أن تمتلك الحركة التعاونية الأمريكية أصول إنتاج تصل قيمتها إلي3 تريليونات دولار. سوف يأخذ نمو الحركة التعاونية وقتا ولكنه لن يكون أطول مما فاتنا منذ بداية القرن العشرين. المزيد من مقالات أمينة شفيق