الفارق كبير بين أن تطل عليهم من شاشة التلفاز، ترى لهم إعلانا عشوائيا يستعطف القلوب لاستجلاب الزكوات والصدقات ، أو عملا دراميا يقدم أحدهم وكأنه فى عداد الأموات، . وبين أن تراهم فى الحقيقة يتحركون بكل حيوية وحماسة ، ذهابا وجيئة، لديهم من طاقات الأمل والحلم والعزم والعمل ما يكفى لبناء وطن، فى تصور الكثيرين نهايتهم محتومة ولكن إذا اطلعت على قصصهم فى محاربة مرضهم فستتأكد أنهم هم الذين يضعون النهاية بإذن ربهم لعدوهم الخبيث الذى تسلل فى غفلة إلى جزء أو أكثر من أجسادهم، فبادلوه حربا بحرب وسلاحا بسلاح وعزيمة قوامها الإيمان بالقدر والرضا والاستعانة بالصبر ، منهم من انتصر ومنهم من قارب على النصر، لذا لم يقدموا أنفسهم باسم مرضى أو متعافين وإنما كان لقبهم جميعا : «محاربون» يوم طويل بدأ من الصباح الباكر ولم ينته إلا فى التاسعة مساء، ومع ذلك فلم يشعر أحد بالتعب أو الملل سواء من المحاربين والمحاربات وذويهم، أو من المتطوعين أو المشاركين أو الأطباء، فالكل جاء من أجل توصيل رسالة ذات عدة مضامين كما قال الكتور محسن مختار رئيس الجمعية المصرية لدعم مرضى السرطان تتعلق بعرض قصص المتعافين لتغيير الصورة الذهنية الخاطئة عن هذا المرض وتصويره كمرض قاتل حتما، والتركيز على حقوق المرضى تجاه الدولة، وكذلك علاقته بالطبيب المعالج وعلاقته بالمجتمع، ولأن السرطان مرض يعرفه العالم كله ويخصص 4 فبراير من كل عام ، يوما عالميا لمكافحته ، لذا فقد كانت فى فعاليات هذا اليوم 13 جمعية معنية بهذا الأمر من دول مختلفة . إعلانات رمضان مرفوضة ! المعالجة المجتمعية الإعلامية والإعلانية والدرامية كانت موضع انتقاد الجميع بمن فيهم الأطباء أنفسهم. الدكتور ياسر عبد القادر أستاذ علاج الأورام بكلية طب جامعة القاهرة تساءل : لماذا يظهرون مريض السرطان فى المسلسلات والأفلام على أنه ميت خلال ساعات أو أيام ؟ ولماذا يظهر فى إعلانات رمضان وهو فى أضعف حالاته وقت تلقى العلاج الكيماوي؟! ويتناسى هؤلاء أن هناك مريضا يجلس أمام الشاشة ومعه أقرب الناس إليه ؟ وباختصار فالسرطان «مرض» .. صحيح أنه ليس سهل العلاج ولكن الشفاء منه ليس مستحيلا، خاصة فى حالات الاكتشاف المبكر، وهو يأتى فى المرتبة التالية لأمراض الشرايين التاجية، وأؤكد أن نسبة الشفاء فى مصر ارتفعت لنحو50% وهى نسبة تقترب من النسب العالمية، ولكن يجب أن نعلم أن هناك مشكلات مثل عدم قدرة الدولة على إعطاء الدعم المادى الكافي، وكذلك العلاقة بين الطبيب والمريض ليست بالقدر المطلوب من الالتحام والتواصل، لأن هذا المرض يحتاج إلى ألفة بين الطرفين ويجب أن يحب الطبيب مريضه أكثر من ذلك.
الجينات المصرية تختلف هل كل ما يحتاجه مريض السرطان هو أخذ نفس الكورس العلاجى المكرر لمثل حالته ؟ الدكتور هشام الغزالى أستاذ علاج الأورام بطب عين شمس فجر مفاجأة للحضور تتعلق باختلاف الجينات بين الجنسيات المختلفة وبالتالى اختلاف وتباين استجابة المريض لنفس نوع العلاج، مؤكدا أن هناك علاجات للسرطان ناجحة بدرجة عالية فى دول آسيا ولكن عند تجربتها فى مصر تعطى نجاحات أقل، وهو ما يجب أن نعطيه اهتماما فى الوقت الحالى وأن ندرس الجينات الخاصة بنا وتختبر العلاجات على أساسها، مشيرا إلى أن سرطان الثدى له عدة أنواع ومنها ما يعالج بالأقراص فقط، كما أن بالخارج الآن أقراصا أيضا تقى من حدوث سرطان الثدي، والمفاجأة الأخرى التى اعتبرها خبرا سعيدا للمرضى هى نجاح تجارب العلاج المناعى التى كانت سببا فى شفاء جيمى كارتر الرئيس الأمريكى الأسبق من السرطان ، إلا أن المشكلة فى التكلفة العالية التى تصل لنحو 600 ألف جنيه، وكانت نصيحة د. الغزالى بناء على طلب إحدى الحاضرات كالآتى للفتيات: الحفاظ على وزن مناسب والابتعاد عن الوجبات الجاهزة المشبعة بالدهون والفحص الدورى وعدم تعاطى هرمونات الحمل أكثر من خمس سنوات للحالات العادية وأكثر من سنة للحالات التى ظهر المرض لدى الأم. صدمة الاكتشاف تحاليل وأشعات وفحوصات عقب ألم أو وجع لا يستجيب للمسكنات، فما الذى يجب على الطبيب أن يفعله إذا جاءته النتائج مؤكدة ظهور الخبيث فى جسد المريض ؟. الدكتور محمد عبد الله أستاذ علاج الأورام بطب قصر العينى يجيب: الزيارة الأولى هى أخطر وأصعب موقف فى حياة المريض وسواء قررت مصارحته بحالته أو إخفاء المرض عنه والاكتفاء بمصارحة الأقربين، فلابد من احتواء الموقف ومراعاة أن الحالة النفسية عامل مهم فى التدهور أو الشفاء أو ربما اليأس ورفض العلاج. ويكرر: يجب ألا يكون ظهور المرض يعنى النهاية، فهناك حالات عولجت منذ سنوات طويلة وشفيت نهائيا، وأذكر أن شابا قبل زواجه بأسبوع اكتشفنا المرض لديه مبكرا وعولج وأكمل زواجه ورزق بالأطفال، وكذلك فتاة عقب تخرجها فى الجامعة ظهر شيء غريب فى ظهرها واتضح أنه المرض، ولم تحتج إلا لعلاج قصير، وأمضت حياتها كأى فتاة عادية وتزوجت وأنجبت. خطأ التشخيص المهندسة هالة أبو الفتوح اعتلت المنصة ليس فقط بصفتها رئيسة للملتقى وإنما بصفتها «محاربة» قوية للمرض الشرس وللمجتمع وللظروف القاسية، هالة انتصرت منذ نحو 13 عاما بعد رحلة علاجية بالإشعاع لمحاصرة سرطان الغدة الدرقية الذى ظهرت بداياته فجأة عقب استيقاظها من نومها لتشعر بشيء غريب متورم فى رقبتها، وكان التشخيص الخاطئ على يد أحد أشهر أطباء الأنف والأذن والحنجرة أنه «حيل» بسبب التهاب اللوزتين، وبعد دوامة من الفحوصات والتحاليل والأشعات تبين وجود تضخم فى الفص الأيمن للغدة ويجب ازالته جراحيا للتغلب على حالات الاختناق التى بدأت تداهم هالة ليلا، وهنا وجد الجراح نفسه وجها لوجه مع تشعب وامتداد سرطانى حول حبل الصوت والحنجرة، وتأكدت الكارثة بنتيجة تحليل العينة، وتكررت العمليات لازالة ما يستجد فى الخلايا الليمفاوية، واستكمل العلاج بالاشعاع ومن وقتها وهى متعافية، الدروس المستفادة من قصة هالة فيها ما هو سلبى كعجز بعض الأطباء عن التشخيص السليم، والنظرة السلبية المحبطة للأقارب والجيران، وتخلى أقرب الناس ( الزوج ) عن الدعم والمساندة، أما الإيجابى فهو دخول هالة بعد طلاقها مجال العمل الهندسى والحصول على دورات والترقى فى عملها بقوة والسفر للخارج فى مهام عمل واحتضانها أبناءها الثلاثة، بالاضافة لنشاطها التطوعى فى جمعية مرضى السرطان. «الطلاق» هو السيناريو المتكرر فى حياة الكثير من محاربات السرطان، وكان أشد ما أثر سلبا فى معنويات حور سعيد إبراهيم أن يبلغها زوجها فجأة بقرار الانفصال، وهى فى ذروة علاجها بجلسات الكيماوى إثر اكتشاف سرطان الثدى لديها قبل خمسة أعوام، وخاصة بعد أن ظهرت ثانويات للمرض بالرئة والعظام أيضا. تقول حور: تخلى الزوج ونفور المجتمع منا كأننا ارتكبنا جرما عظيما أشد ما يواجه معظم مريضات الخبيث، وتضيف: سرعان ما استجمعت شجاعتى ورفعت معنوياتى باللجوء إلى الله أولا ثم بالاشتراك فى جمعية دعم مرضى السرطان التى أعطتنى دعما كبيرا فى مواجهة المرض، والحمد لله استطعت أن أهزمه وبقيت متابعة بسيطة للعظام. بلا أصدقاء! أحمد شبل شاب فى العشرينيات يدرس بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، بعد تعب شديد ونزلات برد لا تشفى واغماءات متكررة اكتشف أنه مصاب بلوكيميا الدم، وبعد مرحلة الصدمة التى كان يشكو فيها أحمد من تخلى الأصدقاء بشكل غريب عنه لدرجة أنه كان يذهب بمفرده لعمل «بذل النخاع» وأخذ جلسات الكيماوي، والآن هو فى مرحلة التعافي، وأصبح له جمهور عريض من المتابعين لصفحته على الفيس بوك ، والمتعاطفين مع حالته المرضية ، وهو دائما ما يردد أن هذه الأزمة جعلته يعرف معنى القرب الحقيقى من الله وتفهم أن هناك «منحة» وراء كل «ابتلاء». الملاك الصغير عندما رآها الجميع لم يستطع أحد أن يحبس دموعه، ولا أن يمنع ابتسامته فى الوقت نفسه، ارتدت رقية ذات الأعوام الثمانية فستانا صمم خصيصا لإدخال الفرحة على قلبها الصغير الذى شاء القدر أن يكون فى جسد طاله المرض الخبيث فى أحد المبيضين ، هكذا اكتشفت الأم بعد رحلة أيضا من التشخيص الخاطئ للمغص المستمر لدى ابنتها، وكانت المشكلة رفض الطفلة الخضوع للعلاج خوفا على شعرها الجميل، ولكن عادت لتقتنع بأنها فترة مؤقتة، وبالفعل عاد شعر «رقية» لينبت من جديد ومعه الأمل فى مستقبل كبير. عرض الأزياء كان فكرة جديدة من الجمعية لإدخال نوع من البهجة لنفوس الفتيات والنساء المحاربات، فمنهن من حرصن على اختيار ثوب الزفاف لارتدائه فى تلك الليلة الاحتفالية، ومنهن من ارتدين فستانا يعبر عن نوع أو مكان المرض الذى تم التعافى منه، ولكن عندما ظهرت صفا الخولى وهى تستند إلى عكازها وبجوارها طفلاها الصغيران كانت هناك نوبة تصفيق حاد لأنها تغلبت على ورم سرطانى بالمخ، رغم أنه ترك تأثيرا على حركتها إلا أنها نجت منه، واختارت العيش من أجل طفليها، وهنا طرحت صفا ، وهى طبيبة أسنان سؤالا: كيف يمكن حساب الآثار السلبية لعلاج هذا المرض لأن هناك أحيانا من يشفون منه ولكن تحدث لديهم مشكلات أخرى ! الفحص مجانا جمعية متخصصة فى صحة المرأة تديرها نوران حسين تحدثت كثيرا عن وجوب الفحص الدورى للمرأة لتجنب أنواع من سرطانات الرحم أو المبيضين أو الثدي، وتقول إن الجمعية أجرت استبيانا بين عينة من النساء أثبتت أن 80% من النساء لم يقمن بأى فحص دوري، وتقول إن الجمعية توفر خدمات مجانية للنساء فى مجال الفحص الطبى وتوفير الرعاية الصحية الجسدية وأيضا النفسية للمرأة. وفى سياق مشابه تحدثت غادة صلاح وهى محاربة سرطان ثدى ومديرة مركز صحة المرأة بالمؤسسة المصرية لمكافحة سرطان الثدى ومقرها بشارع قصر العينى وتقدم أيضا خدمات الفحص المجانى بجهاز الماموجرام لأى سيدة بعد الأربعين، وقبل ذلك لو كان هناك تاريخ مرضى لدى الأم، بالاضافة للتدريب على الفحص الذاتي، كما تساعد المريضات على تجاوز الأزمة نفسيا بجلسات بمقر الجمعية، وتتناول كل ما يخص المرأة المصابة حتى علاقتها الحميمة مع زوجها، والأهم كيف تظل المرأة جميلة ولا تظن أنها تفقد أنوثتها بمرضها، وتطالب بنشر التوعية بين النساء بأهمية هذه الفحوصات.