المتأمل لما طرحته موسكو من مواقف وأفكار تتعلق بحل الأزمة السورية سياسيا فى جنيف-3 وما قبلها يتأكد بما لا يدع مجالا للشكوك أن روسيا تكاد تكون الطرف الوحيد الذى يطرح مبادرات وأفكارا ومواقف واضحة، وليس ذلك مستغربا وموسكو كانت صاحبة مبدأ الحل السياسي، وقتما كانت السفن والبوارج الحربية الأمريكية تمخر عباب الماء فى شرق المتوسط وتهدد الرئيس السورى. فرضت موسكو (الحل السياسي) بكل وسائلها المتاحة وهي- اليوم- تقدم الرؤية الأوضح فى إطار الحل السياسى لأنها ترى أن ذلك الحل يجىء فى إطار (إصلاحات سياسية) وليس بالقفز إلى (مرحلة انتقالية) تستهدف نفس الغاية الغربية والخليجية المزمنة التى تريد إقصاء الرئيس الأسد من دون أى تصور محدد لما بعده، والذى لن يكون إلا بتفكك مؤسسات الدولة وانهيارها ليسيطر عليها المتطرفون. الروس يريدون تحديد الأطراف المشاركة فى المفاوضات، إذ ليس مفهوما الإصرار الغربى- الخليجى بأن يتضمن وفد المعارضة منظمة «أحرار الشام» الإرهابية بل وتترأس الوفد، كما لم يعد مفهوما تلك الرغبة المريرة فى استبعاد الأكراد الذين لعبوا دورا باسلا فى مواجهة داعش لمجرد أن بعض فصائلهم أعلنت أنها لا تستهدف عزل الأسد (قوات سوريا الديمقراطية) أو أن بعض فصائلهم الأخرى تطالب بكردستان الموعودة إذا تم تقسيم سوريا بالإضافة إلى أجزاء من أراضى تركيا والعراق وإيران (الاتحاد الديمقراطى الكردي) وهذا مالا تريده تركيا قطعا. الروس يريدون وفقا لإطلاق النار وتسهيل وصول الإغاثات الإنسانية إلى المدن السورية المحاصرة وبما يحقق إلزامات قرار مجلس الأمن 2254 والآخرون يريدون عزل الأسد ولاشىء غير عزل الأسد وبالتالى يتكلمون فقط عن المرحلة الانتقالية، بينما الأصل الذى ينبغى أن يغيب عن الأذهان جميع الأطراف المشاركة فى العملية السياسية السورية أن الشعب السورى هو الذى سيحدد مصير رئيسه أو شكل الانتقال، روسيا تريد بقاء (الدولة) فى سوريا، وأمريكا والخليج يريدون انهيار الدولة الوطنية واستمرار عصر أمراء ميليشيات الإرهاب. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع