يتخبط العالم اليوم أمام معضلة داعش وفكرها الظلامى الذى اخترق الحدود الدولية, الذى تفوق على بعض الأجهزة الأمنية. لكن يستحيل هزيمة داعش بشكل نهائي، طالما الطائفية تنهش مجتمعاتنا العربية، لذلك فالمصالحة الشيعية السنية هى الأساس الذى يجب الانطلاق منه لدحر داعش . لقد عجزت الضربات الجوية عن تحجيم داعش، واليوم يحكى عن حملة برية لمحاربة التنظيم، لكن المفهوم العسكرى «اعتقل واقتل» لا يمكنه دحره، فمقابل كل مقاتل يقتل يقوم التنظيم بتجنيد عناصر جديدة ودلالة لذلك فشعار داعش الجديد هو «باقية وتتمدد». لذلك قبل هزيمته فى ميدان القتال يجب هزم فكره الظلامي، فلا الضربات الجوية الروسية ولا الإجراءات الأمنية فى مطارات المدن الغربية كفيلة بأن تمنعه من تجنيد متطرفين جدد. فهزيمته تتطلب منظومة متكاملة أساسها هزيمة فكره. ولقد نجح التنظيم فى الميدان لأن فكره الظلامى هزم شعوب المنطقة، ولم يظهر من العدم، فالتنظيم ظاهرة ناتجة عن الإحباط السنى الذى ما هو إلا نتيجة أخطاء الولاياتالمتحدة فى المنطقة. فسياسة اجتثاث حزب البعث عقب الغزو العراقى دفعت بعناصر وضباط البعث بقيادة عزت الدورى إلى التحالف مع القاعدة والزرقاوي. ومن هنا بدأ العنف يعصف بالعراق وبدأ الاقتتال الطائفى بين السنة والشيعة. عند تفاقم العنف والاضطراب أدركت واشنطن خطأها وأدركت أن تهميشها للسنة من خلال اجتثاث حزب البعث أدى إلى النزاع الطائفي. عند ذلك أطلقت الولاياتالمتحدة الصحوات والمصالحة الوطنية التى قللت من معدل العنف و أعادت السنة إلى كنف الدولة. لكن انسحاب واشنطن المبكر من العراق فى عهد أوباما فتح المجال لنورى المالكى رئيس الوزراء العراقى السابق للقيام بموجة جديدة من سياسة اجتثاث حزب البعث، ما دفع أبناء طائفة السنة عقب الاضطهاد الذى لاقوه من المالكى إلى التطرف. كما شكلت سوريا التى عمت فيها الفوضى أرضا خصبة لمشروع داعش الظلامي، فكانت الرقة أول محافظة يسيطر عليها التنظيم فى مارس 2013. كما أن المليشيات الشيعية المسيرة من إيران وتعدياتها على أهل السنة ساعدت داعش على استقطاب مجندين جدد. فقد قاومت تكريت داعش، لكن عندما دخلها الحشد الشعبى المكون من ميليشيات شيعية قام بجرائم ضد أهل المدينة وظفها داعش لكسر أى مقاومة يمكن أن يلقاها فى الرمادي. لذلك فجرائم الحشد الشعبى بالجماعات السنية كسر من قابلية أهل الرمادى مقاومة داعش، ما نتج عنها دخول التنظيم الأنبار معقل السنة فى العراق، دون مقاومة تذكر.فهذا الكره المتبادل هو الذى غذى داعش وما يمكنه من تجنيد عناصر جديدة. لذلك لابد من دحر الطائفية والقيام بالمصالحة السنية الشيعية وتنفيذ إصلاحات سياسية تمكن السنة من المشاركة فى العملية السياسية حتى يتم دحر سردية داعش التى على أساسها يستقطب أفرادا من أهل السنة. ولا يمكن محاربة التطرف الذى يجر المنطقة باتجاه انتحار جماعى سوى بتقوية الاعتدال. وركنا الاعتدال الشيعى والسنى هما السيستاتى الذى يمثل مرجعية النجف الشريف والأزهر الذى يمثل الإسلام السنى الوسطى .من الظاهر أن إيران تستفيد بشكل غير مباشر من داعش لأن جرائم التنظيم تساعد طهران على استقطاب الشيعة وعلى تنصيب نفسها كحام للشيعة فى العالم العربى وعلى تسييسهم. وقد استفادت إيران من تهميش النجف خلال حكم صدام حسين حتى تطرح قم كمرجع للشيعة. ومن المهم إرجاع للنجف الشريف العربى مكانته ومن المهم أن ينفتح العرب على النجف وعلى السيستانى الذى يمثل الاعتدال فى الطائفة الشيعية. وأكثر ما يجسد اعتدال السيستانى موقفه عندما زاره وفد من الشيعة وذكروا عبارة «أخوتنا السنة» أجابهم قائلا السنة ليسوا أخوتكم هم أنفسكم. كما أن السيستانى هو من الداعمين لإصلاحات العبادى ومحاولاته إدخال أهل السنة فى العملية السياسية. ورغم أن السيستانى ليس لديه قوة فى الميدان، لكن يبقى مرجعا له وزن معنوى مهم لدى الشيعة فى العراق والمنطقة. ليس هناك من جهة أهم من الأزهر فى الانفتاح على الشيعة، فالأزهر الذى لديه ارث إسماعيلى فاطمى وهو على يمين الشيعة وبالغنى عن الذكر أن مزار الحسين موجود فى مصر. وانفتاح الأزهر على السيستانى مهم أيضا لمصر التى انعزلت عن العالم العربى فترة طويلة من الرئيس الأسبق حسنى عهد مبارك. فبعد انكفائها فى عهده تأخذ مصر الآن دورها الريادى ومكانتها الطبيعة. وما مقولة «مسافة السكة» للرئيس عبدالفتاح السيسى والتلويح باستعمال القوة إلا إشارة لقوة الردع الذى يمكن أن تمثله مصر. اليوم تعود مصر لتطرح نفسها كصمام أمان للعرب. وهنا فرصة لتبرهن مصر أنها مازالت لديها القوة الناعمة وباستطاعتها القيام بهذه المصالحة التى هى مصيرية بالنسبة للوطن العربي. ومع أن ما نشر فى الإعلام عن كون الأزهر يعتمد مناهج متشددة لا تختلف عن مناهج داعش، فهو يبقى الرمز للإسلام الوسطي. وربما ما نشر فى الإعلام يمثل فرصة للأزهر لتجديد نفسه ومراجعة مناهجه. وأكبر دليل لأى إصلاحات سيقوم بها الأزهر هى بانفتاحه على الشيعة. وأن كل أزمة تحوى فى طياتها فرصة، فهذه فرصة للأزهر للإصلاح الداخلى ورجوع الإسلام المستنير المنفتح على الآخر، كما هى فرصة لمصر لتتبوأ دورها الإقليمى الذى تلكأت عنه فى عهد مبارك. لذلك على العرب جميعا مساعدة مصر للقيام بهذه المهمة. لمزيد من مقالات د. دانية قليلات الخطيب