كل منا ينادي بالحرية ويبحث عنها في كل مكان ولكن لا أحد يبحث داخله عن معنى الحرية؟! لان وبكل بساطة اغلبنا أسير حبسه الانفرادي. عزيزي القارئ انت مدعو معي اليوم في رحلة قصيرة داخل النفس لفك القضبان الخفية القاتلة للحياة، ولنكتشف معاً ان داخل كل منا حبس انفرادي، منا من يعشق قيوده ومنا من يهوي الفرار منه. وسط زحام الحياة والمشاكل اليومية التي لا تنتهي قررت انا ومجموعة من الأصدقاء اجراء عملية خطف لأنفسنا من داخل اي هموم او عزله لمدة يوم واحد للخروج من الاطار اليومي المعتاد، فقررنا أن يكون هذا اليوم داخل مدينة الفيوم الساحرة. في بداية الرحلة كنت أشعر بالضيق لا أعلم لماذا؟! بالرغم اني كنت محاطه بالأصدقاء المُقربين للقلب والعقل.. ربما أنا التي كنت بعيده كل البعد عن تلك الطفلة المرحة التي بداخلي أم انني حبستها قبل الخروج.. لا أعلم. أستمر معي اليوم هكذا حتي قابلت أحد زملاء الجامعة ولكن في ثوبة الجديد.. في الماضي كنا نطلق عليه لقب "الموظف المطحون" لأنه كان يعيش بين الكتب فقط، تشعر كأنه يحمل فوق كاهله هموم الدنيا وما فيها، يفقد كافة قدراته علي التعايش والحديث معنا مهما حاولنا الاندماج معه يبعد داخل نفسه منفرد بها، واذا حاول احد بإقناعه بشيء ظل يصرخ متمسك برأيه حتي نفر الجميع من حوله وظل وحيداً داخل اسواره وملامحه الجامدة التي كانت أشبه برجل عجوز...كل هذا كان في الماضي العجيب ان هذا الموظف المطحون العجوز اصبح اليوم شاب كله طاقة وحيوية منطلق في كل مكان يلعب كالأطفال، يتعرف علي الجميع وضحكته تملأ الدنيا سعادة وبهجة.. تري ماذا حدث.. أخذني فضولي له وقبل ان أتحدث بكلمة ضحك وهو يلعب مع الأولاد الصغار في الرمال وقال" ازيك.. فينك من زمان انا كنت بدور عليكِ.. أنا سعيد فكراني؟! شكلي اتغير قوي كدا" هنا نطق لساني " انت الأن سعيد، ايه التحول الرهيب اللي حصل" ضحك وهو يمسك بالرمال" لقيت الكنز وهربت من الحبس الانفرادي" وهنا أخذ بيدي كالطفلة الصغيرة لنركب مركب معاً، وفي وسط البحيرة أعطاني المجداف، برغم استغرابي اخذت اضرب بالمجداف في المياه لأصل للبر.. هنا ضحك سعيد وقال " انتِ كما انتِ اما أنا أصبحت كما أنتِ... باختصار لقد تحررت من حبسي الانفرادي الذي دخلته بكامل ارادتي وعقلي الذي كان يعشق الوحدة والثبات علي رأي واحد، والخوف من المغامرة. اكتشفت انني كنت انادي للحرية وانا اهرب من الحب والصداقة والمسئولية في كل شيء.. أصابني المرض، والاكتئاب داخل الحبس فقررت الخروج الأمن من داخل الأنا لأتعرف علي نفسي من جديد مع الأخر وأضرب مثلك في المياه مهما كان المجداف ثقيل او صعب. اكتشفت أن في ناس كثير بتعشق قيود الأنا وحبسها بشكل انفرادي لذا نفتقد لروح العمل الجماعي في معظم الأشغال، حتي أولادنا اصبحوا معتقلين داخل احلامنا ومخاوفنا نحن، و في المشاكل كل منا يهرب داخل حبسه معتقد انه الوحيد صاحب المشاكل لكنه لو حرر عينيه من الحبس الانفرادي سيجد أطفال عراه أمام قساوة البرد بلا مأوي، والرضا في عيون تحسبها غنية من التعفف، ورأي أخر ربما يغير مسار حياته." هنا تحول اليوم تماما وأنا أضحك واتحدث مع سعيد الذي لم يكن يعرف أن ربما خروجه الأمن من حبسه الانفرادي حماني من التلذذ بالانفراد. [email protected] لمزيد من مقالات مى إسماعيل