على الهواء.. الرئيس السيسي يدعو ترامب لزيارة مصر    بقرار رئاسي: صرف حافز 1000 جنيه للمعلمين بداية من الشهر المقبل    رسميًا.. سعر الدولار بأقل من 47.50 جنيه    جامعة حلوان تكرم طلابها الفائزين في مسابقة «الطالب الأعلى إنجازًا»    الصليب الأحمر يعلن فقدان 7 من طواقمه في غزة    أردوغان: حماس مستعدة للسلام والمفاوضات    رفع الأثقال، سارة سمير تخوض منافسات وزن 77 كجم ببطولة العالم اليوم    الأرصاد تحذر من طقس غير مستقر لمدة 3 أيام.. أمطار ورياح وانخفاض ملحوظ في الحرارة    ضبط قائد دراجة كهربائية صدم سيدة وفر هاربا ببني سويف    بعد أزمة "رقم واحد يا أنصاص"، محمد رمضان يطرح أغنيته الجديدة اليوم    5 مرشحين عن دائرة إسنا يتقدمون بأوراقهم لانتخابات مجلس النواب حتى الآن    روبوت آلي وعروض القوة القتالية في حفل تخرج طلاب أكاديمية الشرطة    الخارجية الإسرائيلية: ترحيل ركاب سفن أسطول الحرية قسريا على الفور    أوكرانيا وألمانيا تبحثان تعزيز التعاون في قطاع الدفاع    بن جفير يقتحم الأقصى مجددًا وسط توتر أمني في عيد العرش اليهودي    توجيه رئاسي بإطلاق اسم الدكتور أحمد عمر هاشم على مسجد وطريق ومحطة قطار    «الشكاوى الحكومية» تتلقى 13.5 ألف شكوى واستغاثة صحية    صحيفة دنماركية تكشف تفاصيل تعاقد الأهلي مع ثوروب    السيسي يوجه بإطلاق اسم أحمد عمر هاشم على مسجد وطريق ومحطة قطار    أسعار الدواجن في مطروح اليوم    القبض على رئيس حي شرق بالإسكندرية بعد ساعات من تولي منصبه في قضية رشوة    إخلاء سبيل عصام صاصا و15 آخرين في مشاجرة ملهى ليلي بالمعادي    التعليم تُعيد المعلمين المحالين للمعاش خلال العام الدراسي الحالي إلى العمل    مصرع صغير وإصابة 3 آخرين في مشاجرة بالأسلحة النارية بسوهاج    تباين أداء مؤشرات البورصة في مستهل تعاملات الأربعاء    الرئيس السيسي مطمئنا المصريين: مفيش حد يقدر يعمل حاجة مع مصر    سفير بولندا: سعداء بفوز العناني برئاسة اليونسكو ونعتبره خبيرا عالميا    ليلى أحمد زاهر تخطف الأنظار بإطلالة كاجوال من سيارتها    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفيات شرق المدينة ورأس التين وجمال عبدالناصر بالإسكندرية    قافلة «حياة كريمة» تقدم خدماتها الطبية بالمجان للمواطنين بقرية صندفا ببني مزار    هيئة الدواء تستقبل وفداً لبنانياً رفيع المستوى للاطلاع على التجربة التنظيمية المصرية الرائدة    إدخال 16 شاحنة نقل مياه و5 سيارات إسعاف إماراتية من معبر رفح إلى غزة    تعاون بين جامعتي القاهرة ونيو جيزة في الدراسات العليا لطب الأسنان    إصابة 9 أشخاص في تصادم سيارتين بالطريق الحر بالقليوبية    من داخل الطائرة الانتحارية    يد - بعثة الأهلي إلى المغرب للمشاركة في بطولة إفريقيا    اليوم.. الأهلي يعود للتدريبات استعدادا لمواجهة أيجل البوروندي    8 أكتوبر 2025.. الدولار يستقر أمام الجنيه عند أدنى مستوياته خلال 16 شهرا    عروض فنية وندوات ثقافية.. احتفالات متنوعة نظمها قطاع المسرح في ذكرى النصر    ميكانيكية «الضوء» على خشبة المسرح    في ذكرى رحيله، شادي عبد السلام عبقري السينما المصرية الذي سبقه الزمن ورفض أن يساوم على التاريخ    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 8-10-2025 في محافظة الأقصر    رئيس هيئة الشراء الموحد يبحث مع مستشار الرئيس للصحة الموقف التنفيذي لمشروع «المخازن الاستراتيجية»    ميناء دمياط يستقبل 30 سفينة متنوعة اليوم    دراسة تحذر: تناول علبة مشروبات غازية يوميًا يرفع خطر الإصابة بمرض كبدي خطير ب60%    وحدة أورام العيون بقصر العيني تقدم خدمات تشخيص وعلاج متكاملة بالمجان    «الاعتماد والرقابة» تستقبل وفدًا لبنانيًا للاطلاع على التجربة المصرية في تطبيق التأمين الشامل    ختام الدورة المجمعة الأولى بدورى مرتبط السلة رجال اليوم    أكسيوس: ويتكوف وكوشنر يصلان شرم الشيخ للانضمام لمفاوضات إنهاء حرب غزة    تزوجت بقصد الإنجاب عبر الحقن المجهرى دون جماع والطلاق بعده.. ما حكم الدين    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الهرم دون إصابات    «كنت أسير خلفه».. كيف بشر نبي الله الراحل أحمد عمر هاشم بمستقبله    ابنة أحمد راتب: أشهد الله أنك يا حبيبي تركت في الدنيا ابنة راضية عنك    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 8-10-2025 في بني سويف    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواصل تدريباته استعدادًا لمواجهة المغرب وديًا    «تعابين متعرفش تمسكها».. 3 أبراج بارعة في الكذب    «حرام عليكم الجمهور.. ادوا للنادي حقه».. ميدو يوجه رسائل بشأن الزمالك    فيريرا يخطر أجانب الزمالك بموعد الانتظام في التدريبات تجنبا للعقوبات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى ذكرى عالم جليل

تلقيت دعوة كريمة من الصديق الدكتور هشام مخلوف لحضور حفل تأبين الدكتور إبراهيم بدران، وهو عالم وطنى جليل، كنت أتمنى أن أكون مشاركا فى هذا الحدث، ولكن حالت ظروف السفر والعمل دون ذلك، فلم أشأ أن تمضى هذه المناسبة دون أن أتوقف قليلا أمام شخصية مصرية فذة، كنت قريبا منها، واطلعت عن كثب عما تطويه هذه النفس الطاهرة من معانى الوطنية، والإخلاص، والمهنية والنزاهة، الأخلاق العامة بما لا يجود الزمن بكثير مثلها.
الدكتور إبراهيم بدران أحد رجالات مصر العظام، أشتق طريق الطب، وبرع فيه، خدم الوطن أفضل ما يكون، وظل منشغلا بحال المجتمع، مشاركا فى العمل العام حتى آخر أيامه. وقد توطد فى نفسه النقية شغف خاص بمهنة الطب، فقد رحلت والدته وهو فى سن الرابعة، فعرف وهو طفل معنى الألم، لكن لم يولد لديه مشاعر سلبية، ولم يجعل عقله أسيرا للإحباط والحزن، بل سعى إلى تخفيف الألم عن الناس، وهو الذى كابده طفلا، واستمر فى مكابدته سبع سنوات أخرى إلى جوار والده المريض. خلال هذه المرحلة كانت منيته أن يلتحق بكلية الطب، لكنه من فرط إحساسه العميق بمن حوله، ورقة وعذوبة مشاعره، أراد أن يضحى برغبته، ويلتحق بكلية الزراعة أسوة بشقيقه حتى يختصر سنوات الدراسة تقديرا منه لظروف والده الصحية، لكن والده، رجل الشرطة النابه، كان يعرف رجاء قلب ابنه، فطلب منه أن يلتحق بكلية الطب، فنزل الأبن على رغبة والده، وهى فى الأساس كانت رغبته، وسؤال قلبه، ومحور تفكيره.
خبرة الدكتورإبراهيم بدران مع الألم عميقة، فقد اختبره فى طفولته وشبابه مع والديه، وشاءت الأقدار أن يرحل ابنه عن العالم، ثم حفيده الذى كان يسير على نهج جده فى مجال الطب، ورغم كل ذلك، تلقى قضاء ربه بصبر وجلد، لم يهتز إيمانه العميق، ولم يفارق الصبر نفسه الطاهرة.
عرف الطب رسالة قبل أن يعرفه مهنة، وعرفه علما قبل أن يعرفه ممارسة، وجمع بين محاسن الاثنين: الدراسة العلمية، والخبرة العملية العميقة. الدكتور إبراهيم بدران، أستاذ الجراحة العامة، كان يتحدث دائما عن التكوين السلوكى والأخلاقى للطبيب، فقد كان من المدافعين عن «أخلاقيات العلم»، وله باع فى الحديث عن اخلاقيات العلوم البيولوجية، وظل فى حديثه الدائم لأبنائه فى المهنة أن الطب رسالة، ينبغى أن يتأهل الطبيب لخدمة المجتمع، وأن يُعد للمشاركة المؤسسية، ويقوده دائما الإحساس بالمجتمع، أى المجموع العام، إلى بذل كل جهد لإسعاده.
الطب فى رأيه علم ومهنة ورسالة سعادة للمجتمع، هو الطبيب المثقف الذى لا يكتفى بعلاج مريض بل يرنو ببصره إلى سلامة المجتمع بأسره. من هنا كان حديثه أن التعليم والبحث العلمى والصحة هى مفتاح التنمية فى المجتمع، وسعى من خلال المواقع التى تولاها من عميد كلية الطب، ورئيس جامعة القاهرة، ثم وزير الصحة ثم رئيس أكاديمية البحث العلمي، وأخيرا رئيس المجمع العلمي، إلى تأكيد النظرة الشاملة لما نطلق عليه التنمية البشرية، وطالب بالميزانية الملائمة التى تعين على تحقيق طفرة حقيقية فى هذه المجالات. ودفعه اهتمامه بالعلم إلى تبنى قضية «جامعة النيل»، بالتعاون مع الراحل الدكتور عبد العزيز حجازي، وكان أشد ما يؤرقه هو مستقبل الطلاب، ويمثل ذلك مثالا حيا على حرصه على بناء المؤسسات العلمية.
الدول لا تُبنى إلا بالفصل والمعمل، هذه إحدى مقولاته التى يؤكد فيها أهمية التعليم والبحث العلمي، وكان دائما يتحدث عن أهمية تمكين المؤسسة التعليمية من احتضان الأجيال المتعاقبة التى تريد العلم، ورثى فى أحيان كثيرة لحال الجامعات حيث كان يري، وهو من أبناء جيل العمالقة، أن التعليم فى مصر منذ أكثر من نصف قرن كان يضاهى مثيله فى الجامعات المتقدمة، التى نطرق أبوابها الآن للاطلاع على التقدم العلمى فيها، من هنا انشغل بإصلاح التعليم.
رجل من طراز وطنى وإنسانى رفيع، اقتربت منه عن كثب فى المجمع العلمي، الذى أحبه، وتولى شئونه عقب رحيل العالم الدكتور محمود حافظ، وكم كانت ليلة قاسية عليه، يوم أن رحل رئيس المجمع العلمى فى الوقت الذى كانت تلتهم فيه النيران المجمع، الذى يعود تاريخه لأكثر من قرنين من الزمن. بكى ليلتها، وكم كانت دموعه غالية، لم ينم. ولم تعرف الراحة سبيلا لجفونه، وهو يقضى ليلته محسورا حزينا على الخطب الجليل الذى ألم بالمجمع العلمي. ولكن لم تستمر أحزانه حيث قرر المجلس العسكرى وقتئذ إعادة بناء المجمع العلمي، ورفض بعض العروض التى انهالت على مصر دعما لهذا العمل، مؤكدا أن جيش مصر يبنى مؤسسات مصر، ويصلح ما أفسده الزمن. كم كانت سعادته حين افتتح المجمع العلمى أبوابه مرة أخري، كنت إلى جواره، ووجدت السعادة ترتسم على وجهه وهو يرحب بالزائرين والمشاركين فى الندوة التى أقيمت خصيصا بهذه المناسبة.
الحديث يمتد عن الدكتور إبراهيم بدران، الذى كان بمقاييس الوطنية والعلم عظيما، ألهم أجيالا، وقدم نموذجا للشخصية العامة المثقفة الواعية، المتواضعة النقية، المهمومة بشئون الوطن، الساعية إلى نهضته. البلاد تبنى بعقول أبنائها، مثقفيها وكوادرها الفنية، خبرائها وساستها هذه هى خبرة التقدم فى دول العالم، شرقا وغربا، ويمثل هذا الرجل الفذ أحد هؤلاء الذين تُبنى على كاهلهم المؤسسات العامة، يبذل الجهد، ويقدم القدوة، ويتطلع دائما إلى التطوير.
فقدنا عالما جليلا، عوض الله بلادنا عنه خيرا، وجعل مؤلفاته فى البحث العلمي، والتعليم الجامعي، والجراحة العامة سبيلا ننهل منه المعرفة، وتلهمنا التفكير فى المستقبل، وقد كان الرجل يقول دائما «الوطن غال... وأن خادم له»، وأرى أن المؤسسات الثقافية ينبغى أن تولى أهمية لتراث هذا الرجل العظيم، وسوف تقوم مكتبة الإسكندرية فى الفترة المقبلة بتوثيق تراثه العلمي، وإتاحته للأجيال الشابة، الذين ظل حتى آخر عمره حريصا على تأهيلهم، وتقدمهم العلمي.
لمزيد من مقالات د. إسماعيل سراج الدين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.