' ازدواجية المعايير', و'التضارب', و'الارتباك'.. سمات تغلب علي السياسات الأمريكية سواء في الداخل أو في التعامل مع قضايا السياسة الخارجية. ومن بين أحد أهم القضايا الداخلية التي تشغل الرأي العام الأمريكي, والمثيرة للجدل في الوقت ذاته, قضية حيازة السلاح. لكن ما حدث في ولاية' أوريجون' في بداية العام الحالي, أثبت اختلال المعايير الأمريكية في التعامل مع كل شيء, وفي مقدمة ذلك العدالة وتطبيق القانون والدستور. ففي اليوم الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتخاذ إجراءات' أحادية' بدون موافقة الكونجرس للحد من حيازة السلاح, قامت ميليشيا مسلحة تحمل اسم' باندي', يتزعمها شخص يدعي عمون باندي, باحتلال مبني' مالهور' الفيدرالي يوم2 يناير, والتابع لسلطة حماية الحياة البرية في مقاطعة هارني بولاية أوريجون, وذلك للاحتجاج علي الحكم بالسجن علي دوايت وستيفن هاموند' الأب والابن', المدانين بجريمة إشعال النار في حوالي001 فدان من الأراضي الفيدرالية. واستمر احتلال المبني لثلاثة أسابيع, بينما أكدت ميليشيا' باندي' أنها علي استعداد لمواصلة محاصرتها ل' مالهور' لعدة سنوات, وبمساعدة عشرات المسلحين, وأن هناك شروطا لانسحابها من أراضي المحمية والمباني الإدارية التي تسيطر عليها, إذا أعادت السلطات الفيدرالية السيطرة علي الأراضي العامة لمربي الماشية والمزارعين. هذه الميليشيا بررت تصرفاتها بأنها تدافع عن حقوق سكان المنطقة, وعن مصالحهم ضد الانتهاكات التي يتعرضون لها من السلطات الفيدرالية. ورفضت الشرطة المحلية التعامل مع الأمر بالقوة, ودعت هؤلاء المسلحين إلي إنهاء الأمر سلميا. وقال باندي, الذي أطلق علي جماعته المسلحة اسم' مواطنون من أجل الحرية الدستورية' إن احتلال المبني محاولة' لاستعادة الدستور والدفاع عنه' بعد انتهاكه من قبل السلطات.واضطرت الحكومة إلي الدخول في مفاوضات مع هذه المجموعة المسلحة في' بيرنز'. وتباينت عناوين الصحافة الأمريكية في تفسير ما حدث, بداية من الاختلاف في توصيف هؤلاء بين' ميليشيات', و'محتلين', و'نشطاء مسلحين'. وتساءلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية:' لماذا لم تتم تسمية هذا بأنه عصيان مسلح أو تمرد, أو مسلحين ضد الحكومة, أو كما سمتهم وسائل التواصل الاجتماعي' إرهابيين', وماذا لو كانت مجموعة إسلامية مسلحة أو جماعة من السود أو اللاجئين قامت بالفعل نفسه؟ الإجابة معروفة سلفا, ففي هذه الحالة فقط سيتم تطبيق القانون, حيث تصنف الجماعة الإسلامية علي أنها' إرهابية', بينما السود' عصابات'.. وهكذا, ويحتل الحادث عناوين الصحف. إن غضب الأمريكيين السود علي مقتل العشرات منهم, أغلبهم من المراهقين, أو عدم الإدانة في قضية الضابط جورج زيميرمان في قضية قتل المراهق الأسود' غير المسلح' ترايفون مارتن في26 فبراير2012, أو عدم إدانة ضباط آخرين في قضايا مماثلة مبرر, لكن تتعامل الحكومة معها بأجهزتها علي أنهم مجرمون ولصوص وعصابات, أو أنهم يحملون حقائب بها مخدرات, ولذلك يتم التعامل العنيف معهم كما أشار مذيع بشبكة' سي إن إن' الإخبارية ذات مرة. بالطبع, أثار حادث' عصابة باندي' حالة من الغضب بين الأمريكيين الذين وصفوا أفراد الميليشيا بالإرهابيين, وبأنهم ينتمون لتنظيم' القاعدة' أو' داعش', واندلعت مظاهرات في عدد من المدن الأمريكية لتنتقد' السكوت' الحكومي علي مثل هؤلاء المجرمين. بل إن' داعش' دخل بالفعل علي خط الأحداث, حيث دعا بعض أنصاره الأمريكيين إلي السير علي خطي' باندي', ودعوا إلي تحرك جماعي للمتمردين المناهضين للحكومة, وأكدوا علي أن هذه الميليشيا تملك خبرة عسكرية وبإمكانها الاشتراك في حرب لتدمير الحكومة الأمريكية' الظالمة والفاسدة والشريرة', علي حد تعبيرهم. ما حدث في أوريجون قابل للتكرار في ولايات أمريكية أخري, خصوصا في ظل ما تعانيه الولاياتالمتحدة من فوضي انتشار السلاح, وهو ما يهدد القوة العظمي في مقتل, بتمرد وانقلاب ضد الحكومة الفيدرالية والقيم التي تتشدق بها أمريكا, وتبدو الصورة كأنها مشهد من أحد أفلام رعاة البقر, حيث يطبق البطل قانونه الخاص.