تماشيا مع التطور المستمر للطب الصينى التقليدى والمضى قدما بنشاط بمشاريع مبادرة "الحزام والطريق"، بدأت المزيد من الدول والشعوب فى التعرف عن قرب على الطب الصينى التقليدي، ما يتيح فرصة ممتازة لانتشار هذا الطب فى الأسواق العالمية، وخدمة صحة البشرية جمعاء. ويمضى الطب الصينى التقليدى بخطوات حثيثة الى الأمام عالميا بمقاطعتى سيتشوان وقانسو كرأس حربة. وترتبط المقاطعتان الصينيتان بجسور تبادلات وتعاون فى هذا المجال مع العديد من الأسواق الخارجية بناء على مبادرة "الحزام والطريق". وتجرى حاليا سيتشوان التعاون الحقيقى مع ألمانيا وفرنسا وروسيا وجمهورية الجبل الأسود ودول أخرى. وفى ديسمبر الماضي، حصل عقار الطب الصينى "كبسولات لوتس" المضاد للأنفلونزا على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على إجراء المرحلة الثانية للبحوث السريرية له فى الولاياتالمتحدة كأول دواء طب صينى مضاد للانفلونزا توافق إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على إجراء البحوث السريرية له. وإذا نجح هذا الدواء، الذى يجمع أثمار البحوث الحديثة من مضادات الجراثيم والفيروسات وتحسين المناعة، فى الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، فسيشكل اختراقة جديدة فى رحلة تقدم الطب الصينى التقليدى الى الأسواق الدولية. وقبل ذلك، فتح فوز تو يو يو بجائزة نوبل فى الطب لعام 2015 آفاقا أرحب لتطوير الطب الصينى التقليدي. فقد اكتشفت العالمة الصينية اختصاصية علم الأدوية بأكاديمية الصين للطب الصينى التقليدى عقار "أرتيميسينين" الذى نجح بدرجة كبيرة فى خفض معدلات الوفاة بين مرضى الملاريا إلى النصف فى السنوات ال15 الماضية. فبالرغم من التقدم السريع فى مكافحة هذا المرض خلال السنوات الماضية إلا أنه لا يزال، وفقا لبيان صادر عن مجلس نوبل بمعهد كارولينسكا، يقتل أكثر من نصف مليون شخص سنويا غالبيتهم من المواليد والأطفال فى أشد مناطق إفريقيا فقرا. وأظهرت أحدث المعلومات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية أن ما يربو على 240 مليون شخص فى إفريقيا جنوب الصحراء استفادوا من العلاج بعقار أرتيميسينين، فيما نجا حوالى 1.5 مليون مريض من الموت بفضل هذا العلاج. فعقار الأرتيميسينين الصينى يتفوق على أى علاج آخر للملاريا من حيث الفعالية والسعر. وفى إحدى قاعات معهد كارولينسكا ألقت تو يو يو محاضرة استمرت نصف ساعة حضرها ألف شخص تحت عنوان "اكتشاف عقار أرتيميسينين.. هدية الطب الصينى التقليدى للعالم"، سردت خلالها العالمة الصينية (85 عاما) قصة حية وقعت فى سبعينات القرن الماضى حول الطريقة التى نجحت بها هى وفريقها -رغم التحديات والصعوبات -فى استخلاص مادة من عشبة شيح أنوا أو الشيح الحلو أثبتت فعاليتها فى علاج الملاريا. وما لفت الأنظار أن العالمة الصينية ذكرت عبارة "الطب الصينى التقليدي" عشرات المرات أثناء إلقاء المحاضرة . وعندما نتابع تطور الطب الصينى التقليدى وانتشاره فى بقية دول العالم، نجد أنه قد حقق إنجازا جيدا خلال هذه السنوات، إذ قالت تو يو يو فى المحاضرة إنه "منذ أن تذوق المكتشف الصينى شن نونغ مئات الأعشاب، استطاعت الصين جمع خبرات تراكمية جوهرية فى التطبيقات الإكلينيكية للمصادر الأكثر طبيعية على مدار آلاف السنين عبر الطب الصينى التقليدي"، مؤكدة أن "اعتماد هذه الممارسات واستكشافها وتطويرها سيسمح لنا باكتشاف المزيد من العقاقير الجديدة المفيدة للصحة العالمية". ووفقا للإحصاءات، حصلت 36 من نتائج الطب الصينى التقليدى فى الصين حتى الآن على جوائز وطنية تكنولوجية وتم إكمال بناء قواعد البحوث السريرية للطب الصينى التقليدي. ويحقق إجمالى الإنتاج الصناعى للطب الصينى التقليدى زيادة سنوية بمقدار 20 فى المئة، وبلغ هذا الإنتاج 730 مليار يوان عام 2014، ما يمثل ثلثى إجمالى حجم الإنتاج الصناعى الصيدلي. ويتجاوز عدد شركات الأدوية فى الصين 4 آلاف، من بينها 1600 شركة تقريبا متخصصة فى انتاج أدوية الطب الصينى التقليدي. والآن بلغ عدد قواعد زراعة الأعشاب التى تستخلص منها عقاقير الطب الصينى التقليدى 600 قاعدة، كما بلغت مساحة المناطق المزروعة بالأعشاب الخاصة بإنتاج هذه العقاقير 6 ملايين مو (أى ما يعادل 400 ألف هيكتار). وعلاوة على ذلك، تم بناء أكثر من 400 قاعدة موحدة لإنتاج هذه الأعشاب. ووفقا للإحصاءات الصادرة عن فرع جمعية الطب الصينى التقليدى فى إيطاليا، يبلغ عدد المتخصصين فى الطب الصينى التقليدى فى الخارج300 ألف شخص. وقد تم إنشاء أكثر من ألفى مركز لإدارة بحوث الطب الصينى التقليدى فى 64 دولة بأوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا والمنطقة الأوقيانوسية. ومن بين تلك المراكز، يوجد أكبر عدد من الباحثين المتخصصين فى هذا الطب فى اليابانوالولاياتالمتحدةوألمانيا. ويلقى الطب الصينى التقليدى قبولا أكبر بين الأجانب ولاسيما فى كندا وهولندا وبريطانيا عبر التبادلات العلمية ويزداد صيته يوما بعد يوم بفضل النجاحات التى يحرزها على صعيد علاج الأمراض العادية والمزمنة. وذكر شو جين شيوي، أحد أعضاء الفريق الطبى الصينى للإغاثة فى إفريقيا ويعمل الآن فى تونس، لوكالة أنباء (شينخوا)، أن الكثير من أبناء تونس يعانون من الروماتيزم بسبب رياح البحر الباردة والرطبة، لذا قررت الحكومة التونسية تضمين العلاج بالوخز بالإبر الصينية فى الخدمات الطبية التى تقدمها للجماهير نظرا للفعالية الجيدة له فى علاج الروماتيزم. أما فى مصر، فقد مضى أكثر من 40 عاما على بدء انتشار العلاج بالوخز بالإبر الصينية هناك بدءا من التبادلات الشعبية وحتى التعاون بين الحكومتين، ما دفع عملية التطوير المستمر لهذا النوع من العلاج فى مصر. واليوم، يقبل المرضى بمصر عموما على العلاج بالوخز بالإبر الصينية، وسيتمتع التعاون بين الحكومتين المصرية والصينية فى هذا الصدد بآفاق رحبة مستقبلا. وقبل عشرين عاما، شهد الكاتب المصرى محمود سالم بعينه كيف تمكن طبيب صينى متخصص فى العلاج بالوخز بالإبر ويعمل بالقاهرة من معالجة إحدى قريباته التى كانت تعجز عن الحركة تماما، إذ بعد جلسة علاج واحدة دامت 15 دقيقة فقط، تمكنت الفتاة من النهوض والتحرك فى الغرفة وسط فرحة ودهشة الجميع من قدرة الطب الصينى التقليدى على علاجها. وقد حظيت عقاقير الطب الصينى التقليدى بإقبال كبير فى بلدان عربية مثل السعودية وقطر والبحرين والإمارات، خاصة عقاقير الصحة والقوة وفقدان الوزن والتجميل. وعلاوة على ذلك، قدمت أدوية متخصصة فى علاج الإلتهاب الكبدى وداء السكرى وارتفاع ضغط الدم مساهمة طبية مهمة فى البلدان العربية. وعادة ما يصاب العرب، المعروف عنهم حب تناول لحوم البقر والضأن، بالإمساك والبواسير والاضطرابات الشرجية.. إلخ، وغالبا ما يعانى المصابون منهم بالسمنة فى فئة كبار السن من مجموعة متنوعة من الأمراض التى تصاحبها آلام مزمنة، وهنا يمكن أن يحقق الطب الصينى التقليدى فعالية كبيرة فى علاج الأمراض المذكورة أعلاه، وهذا ما يجذب المزيد والمزيد من المرضى العرب للطب الصينى التقليدي. وعلى صعيد التعاون العالمى، عززت بعض الشركات الصينية للصناعات الدوائية التعاون مع هيئات خارجية للبحوث الدوائية من أجل جمع البيانات وتبادل الأسس النظرية، بهدف كسر حواجز الاستيراد. وخير دليل على ذلك أن الشركة الصينية لصناعة أدوية الطب الصينى التقليدى (تونغرينتون) تنخرط حاليا فى تعاون جيد فى مجال البحوث الرامية إلى اكتشاف عقار لعلاج السرطان من مسحوق بوغ غارنوديرما مع شركة ويسترن للصناعات الدوائية بولاية كاليفورنيا الأمريكية، فيما تشارك هذه الشركة الصينية فى بحوث حول سلامة عناصر الطب الصينى التقليدى مع جامعة ويسترن سيدنى الاسترالية . أما دونج تشى لين، رئيس الاتحاد الدولى لجمعيات الطب الصيني، فقد ذكر أن "معهد تكساس الأمريكى للطب الحيوى اكتشف مؤخرا قدرة عناصر مستخلصة من الطب الصينى التقليدى على معالجة فيروس الإيبولا، ومن المحتمل وضعها موضع التنفيذ فى غضون العامين المقبلين، ما يعد مثالا حيا على نجاح الطب الصينى التقليدى فى التطبيقات الفعلية". وأضاف دونج قائلا إنه عند اكتشاف الوصفة الطبية القديمة من خلال الأساليب العلمية الحديثة، سيتم تطوير أدوية طب صينى تقليدى أكثر أمانا وفعالية لتحقق انتشارا أكبر فى الأسواق الخارجية. وأشار المحللون الى أن الطب الصينى التقليدى بنفسه يحتاج الى التقدم المستمر حينما يجرى دفعه الى الأسواق العالمية، ما يتمثل فى تعزيز العمل على البحوث السريرية ودراسة الطرق والتقنيات لزيادة وعى الجمهور وقبول المزيد من الناس للطب الصينى التقليدي. وتقول العالمة تو يو يو "إن الطب الصينى التقليدى كنز عظيم، استطعنا من خلاله اكتشاف عقار أرتيميسينين. وأشعر أن لكل من الطب الصينى التقليدى والطب الغربى مميزاته الخاصة. وإذا ما تم الجمع بين مميزاتهما، ستتفتح آفاق أرحب أمام إمكانية تطوير الطب الصينى التقليدى بما يخدم صحة البشرية جمعاء". وأكد الرئيس الصينى شى جين بينج فى تهنئته لأكاديمية الصين للطب الصينى التقليدى بمناسبة الذكرى ال60 لتأسيسها، أنه أمام الطب الصينى التقليدى فرصة مناسبة لإحياء وتنمية الطب الصينى التقليدي، آملا فى تعميق جوهر الطب الصينى التقليدى وتعزيز تطويره ودفعه الى العالم.