تكتسب قضية التعامل مع الشباب في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي أهمية متزايدة مرتبطة بالسياق المصاحب لوصوله للسلطة. فمن ناحية، يواجه النظام قطاعات متعددة من الشباب من حيث انتماءاتها السياسية والجغرافية لها طموح سياسي متزايد تكون نتيجة لما مرت به مصر منذ ثورة يناير 2011، وتبحث عن فرصة للمشاركة في إدارة شئون الدولة، وفي الوقت نفسه هي متشككة في «جدية» ما يعلنه الرئيس في خطاباته المتعددة من تصورات خاصة بدمج الشباب في العمل العام، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بسبب علو صوت قطاعات محددة في الدولة تتعامل مع الشباب على أنهم وسيلة «لتجميل» شكل النظام، وتنفذ بصورة انتقائية لا تستند لمعايير واضحة ما يعلنه الرئيس في خطابته من برامج لدمج الشباب في إدارة الدولة. مشكلة متوارثة بعبارة أخرى، لم تعد المسألة بالنسبة لقطاعات شبابية متعددة مرتبطة بوجود عدد معين من الشباب في مناصب محددة أو في مؤسسات معينة، وإنما بمعايير اختيارهم وبمدى شفافية هذه المعايير، ومدى اتساقها مع منطق تكافؤ الفرص. ومن ناحية ثانية، يدرك الرئيس أن هناك مشكلة متوارثة خاصة بعدم قدرة الدولة على توفير قنوات اتصال حقيقية ومنتظمة مع الشباب (ورد ذلك في خطاب الرئيس في جامعة القاهرة في 28 سبتمبر 2014)، بينما تعد هذه القطاعات هي الكتلة «السائلة»، التي دعمت ثورة 30 يونيو 2013، والتي قد ينجح النظام في جذبها، أو قد تنجح أي جماعة أخرى في التوحد مع مطالبها، حيث يشكل الشباب في مصر في الفئة العمرية 18-29 وفق بيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء ما نسبته 23.7% من إجمالي السكان، أي نحو 20 مليون نسمة، وإذا أضيف لهم عدد من تتراوح أعمارهم بين 30 و40 سنة، أي الحد الأقصى لسن الشباب كما ورد في القرار الوزاري الخاص بتعيين معاوني الوزراء، قد يصل العدد إلى نصف السكان. أي أنهم بالحساب العددي، الكتلة الأكبر في المجتمع، والجزء الأكبر منهم موجود خارج الجهاز البيروقراطي للدولة، أي أنه لا يرتبط اقتصاديا بها رغم تأثره بسياساتها الاقتصادية. ومن ناحية ثالثة، يظل الشباب ثروة وطنية «مهدرة» ولم توظف بصورة فعالة في إدارة شئون الدولة، وذلك رغم ما نصت عليه خريطة الطريق من «تمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة ليكون شريكاً فى القرار» وقد حدد النص أن ذلك يكون من خلال تصعيد الشباب «كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة». فرغم اهتمام الرئيس السيسي بأن تكون المجالس المتخصصة التابعة لرئاسة الجمهورية تحوي ممثلين عن الشباب (خطاب الرئيس في يوم الشباب المصري 9 يناير 2016)، إلا أنه لاتزال تنتشر بين العديد من الدوائر في الدولة تصورات خاصة ب»عدم كفاءة الشباب» و«انعدام الخبرة»، تنعكس فيما يتم تنفيذه من برامج وسياسات. أبعاد ثلاثية تعاملت خطابات الرئيس السيسي منذ توليه السلطة في يونيو 2014 مع قضية الشباب، على أنها قضية ذات أبعاد ثلاثة تشمل القطاعات المختلفة من الشباب سواء العامل في مؤسسات الدولة أو في القطاع الخاص أو الفئات الوسيطة بين هاتين المجموعتين. البعد الأول أمني خاص بتحول الشباب إلى هدف للجماعات المتطرفة والإرهابية (خطاب الرئيس في منتدى دافوس في 22 يونيو 2015 وخطابه في جامعة السويس في 13 سبتمبر 2015)، ويتعلق البعد الثاني بكونهم القطاع الأكثر معاناة من البطالة (خطاب الرئيس في دافوس في 22 يونيو 2015)، وينصرف البعد الثالث إلى الحاجة لأن يتحولوا إلى قاعدة داعمة سياسيا للنظام وسياساته (خطاب الرئيس في جامعة السويس في 13 سبتمبر 2015). واتساقا مع هذه التصورات، أطلقت عدة سياسات وبرامج بعضها ذات طبيعة تثقيفية مثل برنامج القيادات الرئاسية، وبعضها الآخر خاص بتحسين الفرص الاقتصادية للشباب، وثالث يتعلق بتوفير إسكان مدعم لهم، ولن يقوم هذا المقال بسرد تفاصيل هذه البرامج حيث تضمنها خطاب الرئيس الأخير في يوم الشباب 10 يناير 2016، كذلك لن يقوم بتقييم كل منها على حدة حيث يحتاج ذلك مساحات أكبر، ولكن سيتم رصد ملاحظات عامة حول تأثير هذه التصورات والسياسات على العلاقة بين الشباب بقطاعاته المختلفة والنظام الحالي. تتعلق الملاحظة الأولى بأنه أصبح تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشباب يحتل الأولوية في سياسات النظام، من خلال الاهتمام بتوفير فرص العمل عن طريق تسهيلات اطلاق المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي أعلنها الرئيس أخيرا، وتوفير الإسكان المتوسط. ففي مسعى لتوفير وظائف خارج الجهاز الحكومي، أطلقت وزارة التنمية المحلية بالتعاون مع ثلاثة بنوك رئيسية هي بنك مصر والبنك الأهلي وبنك التنمية والائتمان الزراعي مبادرة «مشروعك» في مارس 2015، كما تم إطلاق المشروع المصري-الإماراتي للتدريب من أجل التشغيل «بإيدك»، والذي ينفذه المجلس التنسيقي للمشاريع التنموية الإماراتية في مصر بالتعاون مع مجلس التدريب الصناعى ممثلاً لوزارة التجارة والصناعة. ولكن يظل الانتشار الأفقي لهذه المشاريع محدود. وتنصرف الملاحظة الثانية إلى وجود توجه للتعامل مع الشباب على أنهم محل اشتباه أو مصدر خطر، ورغم أن ذلك قد يكون صحيحا في حالة مجموعات شبابية محددة تم تجنيدها من قبل الجماعات المتطرفة والإرهابية النشطة حاليا في مصر وفي الجوار، إلا أن تعميمه يوجد حالة من الارتباك بين التجمعات الشبابية سواء في المقاهي الشعبية أو المكتبات أو الحدائق العامة أو الجامعات، حتى وإن كانت تناقش قضايا ثقافية. كما أصبح هناك هواجس لدى العديد من الشباب خاصة النشط سياسيا منهم بأنه مراقب من جهاز ما، سواء مكالماته التليفونية أو صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي. وتتمثل الملاحظة الثالثة في أنه لا يزال البعد السياسي في هذه العلاقة لايمثل أولوية في سياسات النظام، رغم أنه يوجد لدى الشباب توجهات إيجابية نحو المشاركة في الحياة السياسية، حيث انتهى مسح القيم العالمي 2014، إلى أن نسبة الشباب في الفئة العمرية 15-29 الذين يرون أن السياسة مهمة تبلغ 68.3%، بينما بلغت في مسح 2009 نسبة 36.8%. وهذا يعني أنه من المهم تطوير سياسات واطلاق برامج سياسية تهدف إلى جانب ما تحدث عنه الرئيس السيسي في خطابه الأخير من تمكين سياسي للشباب في «طابور الاصطفاف الوطني» لدمج الشباب الذي لديه توجهات تعارض السياسات المتبعة ويطرح بديلا يتسق مع التوجه العام للدولة. وإغفال هذا البعد وعدم الاهتمام بتوفير قنوات فعالة تسمح بالتعبير عن الرأي المعارض خارج إطار المؤسسات الرسمية، أو تقييم السياسات المتبعة من قبل ذوي الخبرة والكفاءة وطرحهم مقترحات تقومها له تأثيراته على استقرار النظام. عام الشباب وهنا، يثار تساؤل: ما الذي نريده من «عام الشباب»؟ إذ يعد إطلاق الرئيس السيسي عام 2016 على أنه عام الشباب خطوة مهمة في إطار مساعي الرئيس لتحسين العلاقة مع الشباب، وتثير هذه الخطوة ثلاث قضايا بحاجة لنقاش، القضية الأولى خاصة بأن الحوار حول قضايا الشباب لا يمكن أن ينتهي في عام واحد، بسبب ديناميكية مفهوم الشباب، وأنه سنويا هناك من يخرج من الفئة العمرية الخاصة بالشباب وهناك أجيال جديدة تدخل هذه الفئة العمرية، وهو ما يعلي من أهمية إعلان انتظام يوم الشباب المصري سنويا وأقترح أن يكون يوم 25 يناير من كل عام أو العودة إلى يوم 9 فبراير الذي أقر كيوم للشباب المصري منذ أغسطس 2008 ولكن لم يفعل. وتنصرف القضية الثانية إلى أن ما تضمنه خطاب الرئيس من أنشطة خاصة بعام الشباب المصري مهمة من حيث تحديده الأهداف التي ينبغي تحقيقها خلال هذا العام سواء فيما يتعلق ببرنامج القيادات الرئاسية، أو برامج تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، أو فيما يتعلق بمشاريع الإسكان الاجتماعي، أو فيما يخص تحديث المناهج التعليمية أو التوسع في النشاط الرياضي للشباب. وهو ما يعد خطوة متقدمة مقارنة بما أعلن في خطابات وعهود سابقة. ولكن لم يتم تحديد آلية تنفيذية لمتابعة الالتزام بتحقيق هذه الأهداف خلال العام 2016، أو بتوسيع قاعدة الشباب المستفيد من هذه البرامج والسياسات، وهي مشكلة مستمرة يتعين الالتفات إليها والعمل على علاجها. وتتعلق القضية الثالثة بمنتدى الحوار مع الشباب والذي أعلن الرئيس إطلاقه بهدف بلورة «رؤية مشتركة بين الشباب والدولة» يعلنها في مؤتمر وطني للشباب في سبتمبر 2016. حيث إن إعلان عن هذا المنتدى خطوة مهمة للغاية من حيث خلقه مساحات للحوار لم تكن موجودة من قبل، كما أنه يكشف عن اهتمام الرئيس بصورة شخصية بضرورة أن يكون هناك حوار وتواصل مع الشباب، وهي مسألة طالب بها المتخصصون والمراقبون لقضايا الشباب منذ ثورة 30 يونيو. لكن تظل تفاصيل تنفيذ هذه الخطوة كفيلة بإنجاحها وتحقيق الغاية منها أو تحويلها الى اجراء تجميلي آخر. رؤية مشتركة وحيث إنه لم يتم الكشف عن غاية «الرؤية المشتركة» التي سيتم تطويرها، أو الجهات المعنية، أو الكيفية التي سيتم من خلالها انتقاء القطاعات الشبابية المشاركة في هذا الحوار أو الممثلين للدولة، فإنه يمكن تقديم المقترحات التالية: 1- تشكيل مجموعة عمل من الخبراء الأكاديميين والممارسين التنفيذيين في مجال الشباب، من أجل تحديد المحاور الرئيسية التي ستكون موضوع للحوار، ووضع جدول زمني للحوار الخاص بكل من هذه المحاور، مع الاهتمام بعدم اقتصار تنظيم ورش عمل الحوار على محافظة القاهرة وضرورة انتقالها الى المحافظات المختلفة خاصة المحافظات الحدودية. 2- تطوير معايير معلنة لاختيار قطاعات الشباب المشاركة في جولات الحوار المتعددة تراعي تنوع هذه القطاعات وفق شرائح عمرية متعددة بدلا من أن يتم التعامل معهم وفق كتلة واحدة، بحيث تمثل الشريحة العمرية 18-29، والشريحة العمرية 30-35، والشريحة العمرية 35 -40، وعلى نحو يمثل ترجمة حقيقية لما تحدث عنه الرئيس السيسي في خطابه من أن «الوطن ليس مخصوصا لطائفة دون أخرى وليس مصادر لحساب جماعة أو فئة أو تيار أو فصيل، إنما هو وطن يتسع للجميع ويشكله الجميع». 3- ضرورة أن تكون ورش العمل الحوارية مصممة بطريقة تضمن «الحوار» بين القطاعات الشبابية وممثلي الدولة المعنيين بموضوع الورشة والذين من المهم أن يكونوا من الشباب الذين تم تصعيدهم في مناصبهم التنفيذية والذين أشاد بهم الرئيس في خطابه، وهي مسألة فنية، ولكن عدم مراعاتها سيجعل هذه الحوارات لا تختلف كثيرا عن الملتقيات الشبابية التي نظمت في سياقات مختلفة وبرعاية من بعض مؤسسات الدولة خلال الفترة الماضية. 4-أن يكون موضوع هذه «الرؤية المشتركة» هو سياسة وطنية للشباب يتم تبنيها من قبل الدولة وتحدد البرامج التنفيذية التي سيتم صياغتها خلال السنوات الثلاث المقبلة، والجهات القائمة على تنفيذها. بوصلة جديدة ومن المهم أيضا أن يتوازى مع هذا الجهد، دعم مراكز الفكر الوطنية لتعمل على تطوير خريطة للشباب Mapping of Youth، من حيث تفضيلاتهم السياسية وتوجهاتهم العامة، وتطوير مسح دوري لتوجهات القطاعات المختلفة من الشباب بحيث يكون هذا المسح هو البوصلة التي توجه سياسات الدولة في الفترة التالية لكل مسح.