تناول باب مع القانون في أول يناير من العام الجديد, موضوع في غاية الأهمية عن الإغفال التشريعي, والذي تناوله بحث قيم نشر في مجلة ملتقي البحوث والدراسات القانونية والاجتماعية, حيث عرض لتلك الإشكالية مستندا إلي الحكم الذي أصدره المستشار يحيي راغب دكروري نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس محاكم القضاء الاداري. استكمالا لما عرض في ذلك البحث, فان المستشار حسن أحمد عمر المستشار السابق بمحاكم الاستئناف, يضيف أن المحكمة الدستورية العليا سبق لها ان تصدت لحالات مماثلة حيث قضت- وعلي سبيل المثال- بجلسة11 يونيو2006 في القضية رقم308 لسنة24 ق.'دستورية'..:' بعدم دستورية نص البند( ج) من( ثانيا) من المادة(75) من القانون رقم90 لسنة1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية, فيما لم يتضمنه من وضع ضوابط وأسس موضوعية لنظام التحري عن القيمة الحقيقية للأراضي الزراعية الكائنة في ضواحي المدن, وتحصيل رسم عن الزيادة التي تظهر في هذه القيمة.'. كما ان محكمة النقض كان لها الفضل في حث المحاكم علي الاستجابة للدفع السلبي بعدم الدستورية- أو ما يسمي الإغفال التشريعي- حيث أوردت الرقابة القضائية علي دستورية القوانين واللوائح, وهي لا تنحصرفيما أخل به المشرع بصورة مباشرة من الحقوق التي كفلها الدستور, ولكنها تتناول أيضا ما أهدره أو أغفله من هذه الحقوق, فكلما كان تنظيم المشرع لأحد هذه الحقوق قاصرا بما يجعله في غير الصورة التي تكفل فاعلية مباشرة هذا الحق أخل هذا القصور بالحماية الدستورية, وهو ما يسمي الرقابة القضائية علي قصورالنص التشريعي,أو رقابة الإغفال بمعني أن إغفال المشرع تقرير بعض القواعد في النص التشريعي بما يخل بما يورده الدستور من ضوابط وقيود يجعل هذا الإغفال مخالفا للدستور. ويضيف المستشار عمر- انضم دستور2014 إلي القضاء المصري بمحاكمه العليا الثلاث, ليقرر بهذه الرقابة القضائية علي دستورية القوانين واللوائح في شقها السلبي, بصدد الإغفال التشريعي, حيث إلزم الدولة بإصدار القوانين المنفذة لأحكامه( المادة225 فقرة أخيرة منه) وهو مبدأ دستوري جديد, تنكب عنه دستور1971, فأدي ذلك إلي بقاء ما لا يقل عن مائتي مادة من مواد منظومة القضاء العقابي والإجرائي والنقض الجنائي بالمخالفة لأحكامه, وهناك في السجون من ينفذ أحكاما, استنادا إلي مواد عقابية وإجرائية ونقض جنائي, يفترض أنها الغيت ضمنا, بصدور دستور1971!! استمر ذلك بالرغم من تنبه المشرع العادي وقتذاك لهذا الأمر, حيث أصدر القانون37 لسنة1973 بشأن حماية الحريات, وأورد في مذكرته الإيضاحية حقيقة ذلك, وألغي تبعا لذلك بعض النصوص استنادا إلي مواد الدستور الجديد- مذكرا بان حالة مماثلة جرت في فرنسا عند صدور دستور جديد, وتدخل المشرع الفرنسي بقانون تنفيذي لمرحلة انتقالية تضمنها الدستور الجديد- كما تنبهت محكمة النقض الجنائي في مصر لبعض من النصوص المنسوخة عملا بحكم المادة41 من دستور1971 الخاصة بالبراءة الأصلية, والحرية الشخصية,وقضت مباشرة ودون الإحالة إلي المحكمة الدستورية بأن المواد34 و35 و49 من قانون الإجراءات الجنائية تعد قد نسخت بقوة الدستور, ونقضت الأحكام الصادرة بناء عليها, وقضت بالبراءة. بل وتجرأت محكمة النقض برئاسة المستشارعبداللطيف أبو النيل- نائب رئيس المحكمة السابق- وقضت بعدم دستورية المادة الثانية من قانون الكسب غير المشروع استنادا إلي ما قضت به المحكمة الدستورية العليا من عدم جواز المساءلة الجنائية علي أساس المسئولية الافتراضية. وسايرت محكمتنا الدستورية العليا هذا النهج وقضت بعدم دستورية قانون الاشتباه والتحري استنادا إلي دستور1971- وكان الأولي- في نظرنا- ان تقضي بالغاء القانون نسخا بدستور1971 وليس بعدم دستوريته, حال كونه لم يصدر في ظل سريان دستور.1971
البرلمان.. والقوانين المنفذة للدستور ويكمل المستشار عمر قائلا' الجديد حاليا ان مبدأ سريان الدستور الجديد بما له من قوة الزامية علي الدولة لإصدار القوانين المنفذة لأحكامه, تلقي مسئولية كبري علي مجلس النواب كسلطة تشريعية لسرعة إصدار القوانين المنفذة لأحكام الدستور, كما تلقي بمسئولية أكبر علي المحاكم باختلاف أنواعها علي إحالة النصوص القانونية المنسوخة بأحكام الدستور الجديد أو بأحكام القوانين المنفذة لأحكامه- ولم يتم إصدارها بعد- إلي المحكمة الدستورية العليا, او بالاستجابة للدفوع السلبية بعدم دستورية النصوص القانونية استنادا إلي ما تقدم. إذ لا يتصور ان تحكم مصر اليوم بقوانين جنائية عقابية وإجرائية ونقض جنائي- صدرت بمناسبة صدور قرارات التأميم وتحول مصر في الستينيات إلي النظام الاشتراكي, وتبقي سارية حتي تاريخه من رغم تعديل دستور1971 في عام2007 بإلغاء النظام الاشتراكي, وتحالف قوي الشعب العامل, وإلغاء جهاز المدعي الاشتراكي, وبالرغم من صدور دستور.2014 كذلك لا يتصور مع صدور دستور2014 ان يستمر تطبيق نظام الإكراه البدني, بحبس المدين سواء في قضايا الشيك دون رصيد, أو بإيصالات الأمانة وقائمة الجهاز- رغم أنها ليست من قبيل عقود الأمانة المنصوص عليها في المادة241, بل وبالرغم من ان المادة241 ذاتها تتعارض وحكم المادة11 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت مصر إليه, ونضطر إلي اللجؤ إلي الجمعيات الاهلية والصدقات لفك اسر الغارمين والغارمات, وتناسي المجتمع ان جل أطفال الشوارع أبناء الغارمين والغارمات القابعين في السجون بموجب نصوص عقابية يفترض انها ملغاة. كيف تكون مصر بلد الحرية, وبها قوانين تتعلق بالإكراه البدني.