عزيزي القارئ قبل ان تفكر في تحضير المستندات المطلوبة لاستخراج بطاقة الرقم القومي او تجديدها من مصلحة الاحوال المدنية التابع لها بدلاً من استخراجها من المنزل إلكترونياً...اليك هذا المشهد. قررت أمي الأسبوع الماضي تجديد بطاقة الرقم القومي الخاصة بها قبل موعد انتهائها، ولأنها لا تؤمن بهذا الكائن العجيب الإلكتروني قررت الذهاب لمصلحة الأحوال المدنية التابعة لها والجهاد في سبيل تجديد البطاقة بالرغم من عدم اقتناعي بالفكرة إلا انني لم أتركها تخوض هذه التجربة بمفردها، كانت أمي طوال الطريق تُقنعني ببساطة الموضوع وأنه لا يستحق حضوري معها فهذه الإجراءات لن تأخذ مجهود أو وقت كبير، عشر دقائق بالكثير وإيصال الاستلام سيكون في قبضة يدها. ضحكتُ كثيرا و أنا أقول:" أنا في قبضة يدك لغاية ما يأخذ إيصال الاستلام مكاني، وأعتقد أننا سنتمكن من تحقيق المهمة في اقل من عشر دقائق" قلت هذا وأنا أنظر لعينيها التي كانت تنظر للسماء داعيه إلي الله بانتهاء المهمة في أسرع وقت. كانت خطواتنا تسبق الكلام ونحن نضحك لا أدري أن كانت هذه الضحكات من أثر التوتر والقلق أم انها أمل في أن نجد ما تمنته أمي حقيقي...ومع أول خطوة داخل المبني كنت أسمع ما لذ وطاب من الأصوات العالية صادره من غرفة العمليات.. اقصد مكان تجديد واستخراج البطاقة، مع كل خطوة كانت الأصوات ترتفع أكثر وهذا ليس كل شيء عليك أن تطلق خيالك للعنان عزيزي القارئ وتخيل معي المشهد. ظل الفضول يقتلني حتي قتلني منظر تدافع المواطنين داخل غرفة صغيرة ليس بها منافذ تهوية جيدة كل هذا من أجل بطاقة الرقم القومي. نظرتُ إلي أمي والكلمات تخرج بدون تفكير" ياله نجري... خليها في يوم تاني... دا الشعب كله بيجديد ويطلع بطاقة النهاردة" ومع الأسف رفضت أمي الاستسلام والرجوع إلي الخلف وقررت الدخول بين أمواج المواطنين لكن قبل أن تدخل أخذت بيادي وهي تقول" أنا هخلص اجراءات تجديد البطاقة وأنتِ هاتي استمارة عشان أخوكي" هنا سكتت مي عن الكلام المُباح وأنا أبحث عن صف شراء الاستمارات داخل أمواج المواطنين وأغلبهم من كبار السن، سمعت صوت سيدة كبيرة تقول لي وهي تضحك أعتقد من شدة الوجع" الخروج من هذه الغرفة المغلقة لعبة لا يتقنها الا الأذكياء...قالت هذا في أذني ثم صاحت بصوت عالي أنا عايزة أعرف طابور شرا الاستمارات أوله وأخره فين"... وبعد طرح السؤال أتضح أن الموجة البشرية الواقفة أمامي كلها تريد تجديد البطاقة وليس لها علاقة بشراء الاستمارات هنا تقدمت أنا وهذه السيدة التي تبلغ من العمر خمسة وسبعون عام وعلي شفتينا ابتسامة الانتصار. بعد أن أصبحت الاستمارة في قبضة يدي ودعت صديقتي العجوز حتي أصل لأمي، وأنا في الطريق اليها كنت أسمع صراخ من يقول انه مريض قلب وبكاء أطفال صغار وتهكم موظفة تقول " كل واحد عايز موظف خصوصي له" قالت هذا وهي تستلم أحد الاستمارات من أبنتها الصغيرة التي كانت تجلس بجوارها داخل الغلاف الزجاجي ... وأنا أشهاد هذا المشهد الواقعي سمعت من ينادي باسمي ولم يكن صوت أمي.. يا لا العجب انها أحدي صديقاتي التي لم أراها منذ زمن طويل " دا ايه معرفة الأقسام دي" قلت هذا وضحكت وأنا أسلم عليها وبعدها أخذت طريقي إلي أمي، وبعد معاناة ثلاث ساعات في مرحلة مراجعة البيانات توجهنا معا للتصوير واستلام ايصال البطاقة في قبضة يد أمي وهنا اصابني الاندهاش كثيراً عندما قال الموظف " لا مفيش تصوير هناخد نفس الصورة تيسيرا للمواطنين"...عجباً لهذا التيسير الذي كنت أفهمه خطأ ..هنا صحت " هو مش الايصال في قبضة يدك يا أمي.. ياله نجري قبل ما التيسير يطلع روحنا قبل البطاقة." [email protected] لمزيد من مقالات مى إسماعيل