القانون الذى أقصده هو مشروع قانون التأمين الصحى الاجتماعى الشامل، الذى أعدته الحكومة وتنتظر عرضه على مجلس النواب لمناقشته وإقراره. وزير الصحة يقول إن مشروع القانون الجديد يضمن تقديم خدمات صحية ذات جودة عالية، وتغطية جميع المواطنين، بما فى ذلك العاملون فى القطاع غير الرسمى، من خلال امتداد مظلة التأمين الصحى سكانيا وجغرافيا وخدميا. حلم جميل يتمناه كل مصري. ولكن إذا كان مشروع القانون الجديد يوفر تلك الحماية لكل المواطنين وبحيث تشمل حزمة الخدمات المقدمة جميع الأمراض بما فيها الكوارث الصحية والشخصية، وبما لا يقل عن حزمة الخدمات المقدمة حاليا من خلال الهيئة العامة للتأمين الصحى، فلماذا إذن تتصاعد الاحتجاجات والاعتراضات على مشروع القانون من نقابة الأطباء، ومن التنظيمات الممثلة للمجتمع المدنى، وعلى رأسها لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة؟ نصوص أحدث نسخة لمشروع القانون التى تحمل تاريخ 20 ديسمبر 2015 توضح أن النظام الجديد يقوم على فصل التمويل عن تقديم الخدمة. فهناك هيئة التأمين الصحى «وهى الجهة المسئولة عن الإدارة والتمويل» ومهمتها التعاقد مع مقدمى خدمات الرعاية الصحية والأنظمة العلاجية، سواء كانت عامة أو خاصة «مادة 11 ومادة 12». وهناك هيئة المستشفيات والرعاية الصحية والتى سيتبعها كل أشكال الوحدات العلاجية ذات السمة الحكومية، والتى تتوزع حاليا بين التأمين الصحى ووزارة الصحة والمؤسسة العلاجية وهيئة المستشفيات الجامعية «مادة 15» ثم هناك الهيئة العامة للرقابة الصحية والتى تتولى منح التراخيص للمنشآت الصحية واعتمادها للعمل فى منظومة التأمين الصحى الاجتماعى الشامل، وفقا لمعايير محددة للجودة والاعتماد، كما تقوم بالتفتيش الدورى عليها «مادة 22». طبعا لا جدال فى أن هذا الفصل بين الجهة التى تقوم بالتمويل والجهة التى تقدم الخدمة، والجهة التى تقوم بالرقابة عليها، فضلا عن تأكيد وفاء المنشآت الصحية بشروط الجودة سواء عند الترخيص لها بالدخول فى النظام أو أثناء عملها، هو أمر بالغ الاحترام، ويتفق مع مباديء الحوكمة المؤسسية. المشكلة أن نسبة معتبرة من المنشآت الصحية الحكومية لا تمكنها أوضاعها الحالية، فى ظل نقص الأجهزة والمستلزمات والصيانة، من الوفاء بمعايير الجودة المطلوبة، بعكس الحال فى العديد من المنشآت الصحية الخاصة. والسؤال الآن ما هو مصير المنشآت الصحية الحكومية غير المؤهلة للدخول فى منظومة التأمين الصحى؟ هل ستقوم الحكومة بإعادة تأهيلها كى تعمل وفقا لمعايير الجودة من خلال برنامج محدد المدة؟ هل سيتم إغلاقها؟ هل سيتم عرضها للبيع للقطاع الخاص المحلى والأجنبى كى تتكرر مأساة المصانع التى تم خصخصتها وتصفية نشاطها لأن عين المشترى كانت دوما على الأرض التى يمكن تحويلها لمشروعات سكنية وسياحية؟ ثم إذا كانت المنشآت الصحية الخاصة هى المرشحة للتوسع فى التعاقد معها، ما أثر ذلك على تكلفة الخدمة؟ صحيح أنه يتوقع أن تكون أسعار التعاقد مع تلك المنشآت أقل من التى تتعامل بها مع المواطنين كأفراد، وهو ما يخفف العبء على شريحة المواطنين التى تتعامل حاليا مع المستشفيات الاستثمارية والخاصة، إلا أنه سيرفع التكلفة على محدودى الدخل والشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة التى تتعامل حاليا مع التأمين الصحى والمستشفيات الحكومية. ومن ناحية أخرى صحيح أن مشروع القانون ينص على تغطية التأمين الصحى لزوجة المؤمن عليه غير العاملة وأبنائه المعالين، إلا أن المادة 28 من ذلك المشروع تنص على أن المواطن سيدفع بالإضافة إلى الاشتراكات التى تمثل نسبة محددة من أجره أو صافى دخله، مساهمات فى تكلفة كل خدمة صحية يتلقاها خارج الإقامة فى المستشفيات، سواء تعلق الأمر بزيارة الطبيب أو ثمن الدواء أو الأشعات والتحاليل. و يحدد الجدول رقم 3 المرفق بمشروع القانون نسب تلك المساهمات وحدها الأقصى. ويكفى للتدليل على التكلفة التى يمكن أن يتحملها المواطن أن نورد المثال الذى قدمه منسق لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة بأنه لو قدر لمواطن أن يصاب بألم فى ظهره استدعى رنينا مغناطيسيا وتحاليل، مع مشكلة بالعين استدعت عمل تصوير لشرايين العين وتحاليل، فإن قيمة المساهمات التى سيتعين عليه دفعها ستصل إلى 700 جنيه... طبعا تبقى كارثة لو تعرض أحد أبنائه أو زوجته للمرض فى نفس الشهر! أيضا صحيح أن مشروع القانون ينص على إعفاء غير القادرين وأصحاب المعاشات وذوى الأمراض المزمنة من دفع المساهمات، كما ينص على تحمل الخزانة العامة لاشتراكات المؤمن عليهم من غير القادرين «مادة 28 البند خامسا» بما يوحى بأن الخزانة العامة ستتحمل تكاليف التأمين الصحى للفقراء، الذين يشكلون وفقا للأرقام الرسمية نحو 27% من السكان، ناهيك عن نسبة من يقتربون من خط الفقر، والذين يصلون بالمجموع إلى أكثر من 40% من المواطنين. إلا أن مشروع قانون التأمين الصحى يعتبر أن غير القادرين هم فقط الأسر التى يتم تحديدها بمعرفة وزارة التضامن الاجتماعى (مادة 1)، فماذا إذن عن ملايين الفقراء؟ وإذا كان هناك ملايين الأسر الذين تعترف الدولة بحاجتهم إلى بطاقات التموين لمواجهة تكاليف الغذاء، فكيف بمواجهة تكاليف التأمين الصحى باشتراكاته ومساهماته؟ الدكتور طارق الغزالى حرب اتهمنى فى مقاله بالأهرام، يوم 3 يناير بأننى أتحدث عن سلبيات لا وجود لها فى مسودة القانون، منوها بأنه شارك فى إعداده. بجد .. لا تعليق! لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى