قد تكون أمام مجلس النواب الجديد مهام صعبة في تمرير عدة قوانين، غير أن المهمة الأدق والأخطر، وربما الأصعب، تكمن في تمرير مشروع قانون تنظيم الإعلام الذي طال انتظاره، وكثر الحديث عنه. وفي ظل وجود عدد غير قليل من الشخصيات الإعلامية في البرلمان الجديد، سواء من الزملاء الصحفيين، أو من الشخصيات الإعلامية المرموقة، وبعد أن أصبحت عملية تنظيم الإعلام في مصر، وإصلاح شئونه، ووقف مشكلاته، والحد من تجاوزاته أيضا، أحد أهم مطالب الشعب من نواب الشعب، بات لزاما على أعضاء المجلس اقتحام هذا المعترك بقوة، من أجل مناقشة هذا الملف وإنجازه بالشكل الذي يليق بإعلام مصر بعد ثورتين، وأيضا لتلبية مطالب كثير من العاملين في المؤسسات الصحفية والإعلامية بتنظيم المهنة، وحل مشكلاتها، وحماية حريتها أيضا، والاستجابة لأحلام المصريين في تطوير إعلام بلدهم، بعد فترة طويلة من المعاناة مع تجاوزات وأخطاء مهنية كارثية أضرت بأمن مصر وسلامتها وسمعتها، بقصد أو بغير قصد. فهل ينجح برلمان الشعب في تلبية مطالب الشعب؟ وهل يستطيع إنجاز ما فشلت فيه برلمانات سابقة بشأن ملف “الإعلام” المستعصي على الحل؟ هذا ما نحاول طرحه للمناقشة في هذا الملف، مع استعراض آراء خبراء ومهنيين ونواب وأكاديميين، وكذلك بعرض أبرز تجارب الدول الأخرى في هذا الصدد. التشريعات الجديدة.. نبرة تفاؤل نبرة تفاؤل ظهرت – ربما للمرة الأولى منذ سنوات – في حديث كبار الإعلاميين والصحفيين والخبراء والنواب عن ملف تنظيم الإعلام المعروض على البرلمان الجديد. حيث أكد عدد كبير منهم أن المنظومة المتكاملة من التشريعات الإعلامية سيتم عرضها قريبا جدا على مجلس النواب الجديد، وهي تعد ترجمة لمواد الدستور الذي أقره الشعب بأغلبية ساحقة، واتفق كثيرون منهم في أن التشريعات الجديدة إيجابية، وتعد أعمدة رئيسية للعمل الإعلامي والصحفي في مصر، غير أنهم أوضحوا أنها في الوقت نفسه لن تقضي بالضرورة على أزمات الإعلام. كما اتفقوا على ضرورة تفعيل ميثاق الشرف الإعلامي والصحفي لوضع حد للمشكلات والتجاوزات التي تحدث بين الحين والآخر، مع إعطاء أهمية – بالتوازي مع ذلك – لقضية الحريات. في البداية، يقول الأستاذ مكرم محمد أحمد الكاتب الصحفي الكبير ونقيب الصحفيين الأسبق : «كل قوانين الإعلام تحتاج إلى تغيير شامل، والبنية القانونية لغالبية المؤسسات الإعلامية والصحفية غير صالحة، وأحد أسباب أزمة الإعلام يتمثل في غياب ميثاق الشرف، لأن المحطات التليفزيونية تعمل دون ميثاق، وهناك غياب لنقابة للإعلاميين تضع مثل هذا الميثاق، وكل هذه القوانين لم تعد تتواءم مع الظروف الحالية». ويضيف قائلا : «بالنسبة للصحافة القومية، فإن كل الهياكل المالية تحتاج إلى إعادة نظر، ولابد من رفع أو إسقاط ديونها، وأعتقد بأن هذه الديون تعتبر منعدمة ليس في وسع هذه المؤسسات تسويتها، بالإضافة إلى أن العلاقة بين الصحفيين والمؤسسات الخاصة والمستقلة غير طبيعية، وبدون ضابط أخلاقي، وبدون عقود عمل وبدون راتب، وذلك مقابل الاكتفاء بشهادة لدخول نقابة الصحفيين، وهو وضع غاية في الصعوبة ومزعج ويحتاج إلى علاج شامل». وحول تعيين رؤساء تحرير ورؤساء مجالس إدارات الصحف القومية، أشار مكرم إلى أن مجالس إدارات هذه الصحف ينبغي أن يتم اختيارها وتعيينها بعقود وشروط معينة، لأنه لا معنى على الإطلاق من أن تختارهم الدولة، ولابد من إعادة النظر في أن يكون رئيس مجلس الإدارة صحفيا بالضرورة، حيث يؤدي ذلك إلى غياب عقلية اقتصادية لإدارة الصحيفة. ويتحدث الكاتب الصحفي الكبير صلاح عيسى، الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة عن مشكلات المهنة مع انعقاد جلسات البرلمان، قائلا : تقدمت اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية بقانونين : أولهما قانون لتنظيم الصحافة والإعلام، والثاني قوانين لمواجهة تقييد وسلب الحريات، وهي قوانين بالغة الأهمية، لأنها تصوغ نظاما إعلاميا جديدا ينطلق من قاعدة الحرية والمهنية، وأرجو أن يعجل مجلس النواب بتمرير هذه التشريعات، والأهم أن يتم تنفيذ الدستور الذي يتضمن مواد تتعلق بحريات الصحافة والإعلام، وهي مواد جديدة تماما على القوانين المصرية. وحول رده على سؤال : هل يمكن أن تنجح هذه التشريعات في مواجهة أزمات الإعلام، أجاب قائلا إن هذه القوانين لن تتمكن بالضرورة من القضاء على كل مشاكل الإعلام، لكنها تعطي الأعمدة الأساسية للتقدم، بالإضافة إلى أن ميثاق الإعلام يوقف الفوضى التي تنطوي على العدوان على حقوق الآخرين ويضر بالأخلاقيات العامة. ويعرب عيسى أيضا عن أمله في أن تكون هناك مشروعات قوانين مكملة، حيث لابد من تعديل قوانين نقابة الصحفيين الصادر عام 1970، ولابد أن تسرع النقابة في إصداره، وكذلك قانون حرية تداول المعلومات، فهناك مسودات قوانين كثيرة تمت مناقشتها في ندوات وورش بحث، وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بحرية الصحافة والإعلام. أما يحيى قلاش نقيب الصحفيين، فيقول : «لدينا منظومة متكاملة للتشريعات الإعلامية سوف تعرض على البرلمان، وفي مقدمتها التشريعات التي تترجم المواد التي جاءت في الدستور، وهناك مشروع قانون موحد للصحافة والإعلام أنجزته لجنة ممثلة لكل أطياف الصحفيين والإعلاميين بالاتفاق مع المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء السابق، واللجنة تقدمت به إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء، وتم تجديده بواسطة لجنة تنسيقية تضم نقابة الصحفيين وغرفة صناعة الإعلام ونقابة الإعلاميين تحت التأسيس والهيئة العامة للاستعلامات، وأعدنا إرساله مجددا إلى الرئيس وللمهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء». وحول تغيير قانون نقابة الصحفيين، قال قلاش : «بالطبع، يحتاج قانون النقابة إلى تغيير، خصوصا أنه تم وضعه من حوالي 45 عاما، والآن يجب التغيير في ظل تغير سوق العمل وعلاقات العمل والموارد المالية التي نص عليها القانون، حيث أنها غير صالحة لدعم نقابة مستقلة من الناحية المالية، كما أنه مطلوب إعادة النظر في الجزء الخاص بالموارد حتى تحقق النقابة الاستقلال المادي، وهذه الخطوط العريضة لها أولوية». ويضيف قائلا عن النقطة نفسها : «حاليا، نبدأ في مناقشة قانون النقابة احتفالا باليوبيل الماسي لتأسيسها، وذلك في 31 مارس القادم، على هامش المؤتمر العام الخامس للصحفيين، والذي نعد له حاليا، وسيكون مشروع القانون الجديد للنقابة جزءا أساسيا من مناقشاتنا، بحيث يكون قانونا يتناسب مع ظروف العصر ومتطلبات سوق العمل، وسوف نبدأ جلسات استماع لمناقشته». وتابع قائلا : «ستدور محاور النقاشات عن إشكاليات كل الجرائد القومية والحزبية والخاصة، ومستقبل الصحافة القومية والتحديات، وأزمات الصحافة الخاصة التي تهدد وجودها، ومعاناة الصحف الحزبية منذ 2011». وإذا انتقلنا إلى آراء الخبراء الأكاديميين في مجال الإعلام، نجد أن الدكتور حسن عماد مكاوي عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة ووكيل المجلس الأعلى للصحافة يرى أن الأسباب الأساسية التي تكمن حاليا وراء الأزمة التي يشهدها الإعلام المصري خصوصا بعد ثورة 25 يناير تتمثل في سقوط النظام وقتها بقوانينه وتشريعاته، وكان المفترض أن تظهر قوانين جديدة تنظم العملية الإعلامية، بالإضافة إلى أنه مع ظهور دستور 2014 كان لابد أن تتحول نصوصه النظرية إلى واقع ملموس، إلا أن الجماعة الصحفية والإعلامية تقاعست عن ذلك. ويعرب مكاوي عن أمله في أن يمرر البرلمان الجديد مشروع قانون الإعلام المتكامل الذي ينظم كل أمور الصحافة والإعلام وكذلك الإعلام الجديد والمواقع الإليكترونية، مشيرا إلى أن هذا القانون مطروح حاليا أمام الحكومة، وتم إرساله إلى البرلمان. ويشير إلى أنه يأمل أيضا في أن يحظى القانون الجديد بالموافقة لأنه يلبي كل احتياجات الإعلام، ومن شأنه أن يضبط الإعلام ويحقق كل طموحات الدولة والإعلاميين والمواطنين في إعلام حر، وأن مجرد تمرير هذا القانون سيؤدي إلى تحسين الوضع الإعلامي والتغلب على الأزمة الحالية. ويوضح مكاوي أن أهم بنود هذا القانون، من وجهة نظره، تتمثل في كيفية إنشاء مؤسسة إعلامية أو صحفية، وشروط هذا التأسيس، وضمان أن تكون مملوكة لمصريين، وضمان حقوق العاملين، بالإضافة إلى ضمان إعلان السياسة التحريرية وشفافية مصادر التمويل، مع حظر استخدام مصادر عربية أو أجنبية، وأن من حق كل شخص أن يملك 10% فقط من قناة تليفزيونية أو مؤسسة صحفية أو موقع إلكتروني، وذلك لإفساح المجال أمام تعدد الملكية ووضع حد للاحتكار. لكنه يوضح أيضا أن القانون الجديد بالطبع يهدد مصالح كثيرة، وأن بنوده ستخضع لمناقشات متعددة لأنه يراعى مصلحة الدولة والإعلاميين والمواطنين، وتحقيق التوازن بين هذه المصالح مجتمعة مطلوب. ومن داخل أعضاء البرلمان أنفسهم، يقول السيد حجازي عضو مجلس النواب المنتخب إن «قانون تنظيم الصحافة والإعلام لائق من الناحية العملية للصحفيين والإعلاميين، لكن لابد أن يكون هناك فصل بين نقابتي الصحفيين والإعلاميين، وتحديد من هو الإعلامي بالشكل العام والخاص، ومن هو الصحفي، والذي هو حسب ما أعرف الذي يحمل عضوية نقابة الصحفيين، ولابد من الفصل بين من يحمل عضوية الصحفيين ومن يعمل بمجال الإعلام، حيث أنه إذا أخطأ، فماذا ستكون وسائل محاسبته؟ هل ستكون على أساس أنه صحفي أم إعلامي»؟ ويضيف قائلا : «ثانيا، وهو ما أراه غير مدرج في القانون، عدم اخذ الصحفي تصريحا من النقابة للعمل في الإعلام، فلابد أن يتضمن القانون إلزام الصحفي بتصريح من النقابة بالعمل في الإعلام، وأقترح أنه إذا أراد الصحفي أن يعمل برنامجا تليفزيونيا أو إذاعيا أن يأخذ تصريحا من نقابة الصحفيين ويفرض عليه رسميا لزيادة صندوق المعاشات أو خدمة الزملاء، لأن الإعلام أخذه كصحفي متميز، وليس من فراغ، فواجب عليه إعطاء جزء من مستحقاته أو عقده في وسائل الإعلام أو في جرائد أخرى رسم يفرض حسب القانون لكي يتم العمل بأسس قانونية موحدة، ليس فيها لبس، وتكون النقابة طرفا بين الصحفي ووسيلة الإعلام التي سيعمل فيها، سواء التليفزيون أو الصحافة أو الإذاعة». وعن طموحاته في هذا القانون، يقول : «سوف أشدد في القانون على أن يكون سن الصحفي في حالة إحالته للمعاش 65 عاما، ويستمر المد سنة بسنة حتى يصل إلى السبعين أسوة بالقضاة ما دام قادرا على العطاء، لأن مهنة الصحافة تأتي بخبرة تراكم السنوات، وليست بعدد السنين، وإلا لما كان عندنا قامات مثل الأستاذ محمد حسنين هيكل ومكرم محمد أحمد ويوسف القعيد وغيرهم، وأرى أنه من تمت الإطاحة بهم عند سن الستين يعملون الآن في مراكز مرموقة كرؤساء تحرير ورؤساء مجالس إدارات في جرائد خاصة ومستقلة وحزبية وينافسون الجرائد التي تربوا فيها وأخذوا خبراتهم منها، وهذا غير معقول، كما أنني أرفض تماما حبس الصحفيين». أما الإعلامي حمدي الكنيسي وكيل مؤسسي نقابة الإعلاميين - تحت التأسيس – فقد تحدث عن ضرورة تأسيس نقابة الإعلاميين، فأكد أن هذه النقابة حلم طال انتظاره، وأن الأنظمة السابقة كلها كانت تقف بشراسة ضد قيام نقابة للإذاعة والتليفزيون، لدرجة أن أحد الوزراء السابقين قال له بالحرف الواحد : «على جثتي حكاية النقابة دي»، بينما قال لي وزير آخر : «إنسى»، فقد كانوا يتصورون أن هذه النقابة ستفقدهم السيطرة على الإعلام وتخرجه من تحت قبضتهم. ويشير الكنيسي أيضا إلى أنه «بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، أصبح هناك دولة مختلفة وفكر مختلف، والرئيس السيسي طالب بوضع تشريعات تنظم الإعلام والصحافة، وعلى الفور تشكلت لجنة الخمسين من خبراء الإعلام والقانون، وبدأنا في سن قوانين المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للإعلام المرئي والمسموع والهيئة الوطنية للصحافة. ونقابة الإعلاميين تمثل العمود الفقري لهذه الهيئات». ويضيف أن «من خلال مشاركتي في الهيئة التنسيقية للإعلام، أمكن وضع نقابة الإعلاميين في الصدارة، وقدمت مشروع النقابة إلى مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء في يوليو 2014، وتمت مناقشة المشروع من خلال لجنة الإصلاح التشريعي، ثم عندما تولى المستشار مجدي العجاتي وزير الشئون القانونية ومجلس النواب المسئولية، ساعدنا كثيرا في الإسراع في صياغة المشروع بشكل نهائي». وحول دور النقابة حيال أزمة الإعلام بعد تأسيسها رسميا، قال الكنيسي إن للنقابة أهمية مضاعفة تتمثل في أنها أولا تعيد التوازن للإعلام الذي أصابه الكثير من الغموض والانفلات والعشوائية، وثانيا أن النقابة تملك إصدار ميثاق الشرف الإعلامي والمراجعة والمحاسبة حيال مدى الالتزام بالميثاق وبمدونة السلوك المهني، وثالثا لها أهمية كبرى بالنسبة للإعلاميين لأنها تضمن لهم الرعاية القانونية والصحية والاجتماعية، وكذلك إقامة دورات تدريبية وتثقيفية. وأكد أنه كان خطأ شنيعا ألا توجد نقابة للإعلاميين طوال هذا الوقت، موضحا : «أنا شخصيا جعلت مشروع النقابة مشروع حياتي على مدار سنوات، ودخلت معارك من أجل تحقيق هذا الحلم»، وأضاف أن «مشروع قانون النقابة تمت مراجعته مرتين، كما أنه محصلة فكر وجلسات لعدد من الإعلاميين والخبراء والأكاديميين، وأعتقد بأنه لا توجد مواد تدعو إلى الجدل أو الرفض». وتابع أن «الرئيس السيسي كان يشكو من حال الإعلام، ولذلك فالحل الوحيد يتمثل في النقابة». وحول ما أثير من إمكانية انضمام الصحفيين لهذه النقابة، أكد الكنيسي أنه أثير لغط حول هذا الموضوع، لكن قانون نقابة الإعلاميين لا ينص على ذلك، والنقطة المهمة أن أي صحفي شأنه شأن أي إعلامي يستطيع تقديم عمل إعلامي بشرط أن يحصل على تصريح من نقابة الإعلاميين، وهو تصريح يتم تجديده عبر الالتزام بميثاق الشرف الإعلامي.