هبة.. شابة جميلة في السابعة والعشرين نابضة بالحيوية والذكاء وناجحة في عملها.. دائرة معارفها غير محدودة ودوائر أصدقائها متعددة, متداخلة ومتباعدة.. تعمل في شركة كبري وتتقاضي راتبا عاليا, لا تعاني مشاكل نفسية مختلفة عن البشر العاديين, فهي شخص ناجح ومؤثر في محيطه, لكنها في نظر البعض واحدة من أبناء المطلقين الذين يعانون العقد والكراكيب النفسية بالضرورة. .................................................................. استفادت هبة من وضعها الاجتماعي المختلف, فهي تعيش في بيت واسع مع أمها وزوج أمها واخوتها الثلاثة من أمها وابنة زوج أمها.. وعلي مدي عشرين عاما حفظت الفتاة الصغيرة الجدول ولم يتغير إلا في حالات استثنائية.. من السبت للأربعاء في بيت ماما, والخميس والجمعة في بيت بابا.. منزل آخر بنظام آخر مع أبيها وزوجة أبيها واخوتها من أبيها وابنة لزوجة أبيها..عائلة كبيرة هي وحدها الخيط الذي يربطها.. وقع الطلاق بين الأب والأم قبل عشرين عاما وتفاهما علي وضع الإبنة وحافظا عليه.. راحت السنين وجاءت ولم تجد هبة أي مشكلة في التأقلم مع حياتها, بل العكس كانت في نظرها حياة مختلفة وفوائد جمة لا أحد يعرفها غيرها.. خبرات واسعة معارف متعددة وقصة لتروي... أشد ما يضايقها هو تصنيفها من قبل كثيرين في خانة أبناء الطلاق.. تتساءل في دهشة: لا أعرف لماذا يتعامل معي البعض بشفقة, وأحيانا بفرضية أنني بالضرورة أعاني من مشكلة ما.. لدي أصدقاء عاشوا مع والديهم وهم من أكثر الناس تعقيدا.. طلاق سعيد لاحظت أيضا_ كما تقول_ أن هناك من لا يراني زوجة مناسبة لأنني بنت لأبوين مطلقين ولا أقدر قيمة الحياة الزوجية بالضرورة وربما يصل الأمر لدرجة أن ابن المطلقة ملقاش حد يربيه.. تبتسم في سخرية.. نفسي أقابل إنسانا خاليا من المشاكل النفسية حتي يصبح أبناء الطلاق هم الأسوأ.. من وجهة نظرها هناك مبالغة وتضخيم في أثر الطلاق علي الأبناء, فكما أن هناك زواجا سعيدا هناك طلاق سعيد أيضا.. وتقول لم أواجه مشكلة بين والدي في يوم من الأيام بالعكس كانا متفاهمين جدا ولم يعذبني زوج أمي ولم تحرمني زوجة أبي من الطعام.. بالعكس كان هدفهم دائما ألا أشعر أنني غريبة ولم أشعر بأي فارق في المعاملة.. بالطبع قابلت أشخاصا عانوا بسبب طلاق والديهم لكني لا أعتبر نفسي منهم.. شريف في الخامسة والعشرين احتفل أخيرا بخطبته علي زميلته في الجامعة يسعي بجدية للتميز في عمله في إعداد وانتاج الأفلام الوثائقية.. كان أول سؤال وجهه له والد خطيبته بابا وماما اتطلقوا ليه يا حبيبي. لم يكن عمره يتجاوز التاسعة عندما تطلقت أمه وعادت به لمنزل جده, وبعد عامين تزوج أبوه وانجب ورفضت أمه الزواج.. كان والده يزوره باستمرار في منزل جده وعندما كبر قليلا كان يقضي يوم الإجازة مع أخوته في النادي.. كان والدي حاضرا دائما ولم أشعر بغيابه لأنني كنت أتحدث اليه تليفونيا يوميا, وكان يتابعني في الدراسة ويأتي الي المدرسة ويتواصل مع المدرسين ويحضر اجتماعات أولياء الأمور.. علاقته بوالدته يراها علاقة مختلفة فقد كان وما زال هو رجلها وسندها ورفيق مشوارها, يعتبر نفسه المسئول عنها منذ أن كان في العاشرة مما صنع منه رجلا صلبا يعتمد عليه, كما أنه وبفضلها أصبح يعرف كيف يتعامل مع المرأة فهو لطيف وودود يحترم المرأة.. هكذا وصفته خطيبته ندي. في كتابها الميراث المر للطلاق للكاتبة وأستاذة علم النفس الأمريكية جوديث وايلد ستين قالت إن حوالي60% من أبناء الأسر المطلقة يواجهون مشكلات في علاقاتهم الاجتماعية, كما أن معظمهم يتوقعون الفشل في حياتهم, وأضافت أن قسما كبيرا منهم يتردد عندما يقدم علي اختيار يؤدي للتغيير في حياته, لأن تجربة طلاق والديه كانت تغييرا, لكن للأسوأ وليس للأفضل. ويخاف معظم أبناء المطلقين من الخيانة والوحدة, وهذا ما يجعلهم يقومون باختيارات خاطئة في علاقاتهم العاطفية. ولكن المفاجأة التي أظهرتها الدراسة التي قامت بها الأستاذة الامريكية, أنه رغم عقد الطلاق لدي أبناء المطلقين, فإن الأطفال الذين تعرضوا لتجربة طلاق والديهم أكثرعاطفة وتقديرا لمشاعر الآخرين. بالتأكيد فإن الطلاق حادث غير سعيد, وليل نهار يحذرنا الخبراء من الأثر النفسي الخطير للطلاق علي نفسية الأبناء, لكن هل بالضرورة أن جميع أبناء المطلقين يعانون مشاكل نفسية لا يعاني منها من لم يتطلق آباؤهم أو من عاشوا بين زوجين تعيسين يحتملان الحياة فقط من أجل الأبناء؟ وهل الزواج التعيس أقل خطرا علي الأبناء من الطلاق؟. الطلاق المتحضر لا يشكك د.محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر في أثر الطلاق السيئ والخطير علي الأبناء.. لكن الأكيد أن أبناء الطلاق ليسوا معقدين بالضرورة.. فإن كان الطلاق متحضرا فهو أفضل كثيرا من زواج تعس يعاني فيه الأبوان, ولكن الأكيد أن أبناء الطلاق عادة ما يكونون أكثر عرضة للمعاناة بسبب الانفصال عن أحد الأبوين أو بسبب المشاكل التي قد تحدث بينهما لاحقا, كما أن وجود الأبوين في حياة الطفل مهم لاكتمال نموه النفسي ونضجه, ولكن في حال الانفصال, فإن الأبوان يستطيعان تخفيف حدة الصدمة علي الأبناء واتباع خطوات من شأنها ألا تشعرهما بوجود مشكلة.. وهو ما يطلق عليه الطلاق المتحضر الذي يحتفظ فيه الأب والأم بعلاقة ودودة من أجل مصلحة الأبناء, لكن هذا للأسف لا يحدث دائما ويحتاج الي درجة عالية من الوعي والرقي.. بالنسبة للدكتور مهدي فالطلاق بالتأكيد له تأثير نفسي علي الأبناء وشخصية الطفل تحتاج الي كليهما معا لكن إن وقع المحظور فالأفضل أن يكون الطلاق قبل بلوغ الطفل سن الخامسة أو بعد تجاوزه الثانية عشرة فهذه الفترة السنية هي الأخطر في حياة الطفل ولا يفضل أن يمر فيها بفترات اضطراب أو زعزعة نفسية شديدة.. ولنكن متحضرين في كل شئ.