مصائب قوم عند قوم فوائد .. فعلى الرغم من أن عام 2015 كان يعتبر عام الحسم فى قضية تغير المناخ التى باتت تهدد العالم فى السنوات الأخيرة، المناخ .. نهاية عصر الوقود الأحفورى حيث شهد هذا العام الاتفاق التاريخى الذى توصلت إليه قمة باريس ويقضى بإلزام الجميع بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى لضمان استقرار درجة حرارة الأرض إلى أقل من درجتين مئويتين، ويوجه الدول للتحول إلى اقتصاد أخضر منخفض الكربون, على أن يشهد العام الجديد 2016 بدء تنفيذ ما تم الاتفاق عليه, على الرغم من ذلك، فإن هناك وجها آخر لاتفاق باريس لم يمكن إغفاله, وهو الأبعاد الأخرى الكامنة وراء هدف تحقيق استقرار المناخ وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، إذ سيأتى تنفيذ هذه الإجراءات على حساب استهلاك الطاقة وخاصة الوقود الأحفورى الذى يسهم بشكل أساسى فى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري. ويرى البعض أن هذا الاتفاق الذى أقرته قمة المناخ بمثابة مؤامرة عالمية ضد البترول على وجه الخصوص ودعوة عالمية للبحث عن بدائل له. فالاتفاق على حصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها دون عتبة درجتين مئويتين يقتضى خفضا شديدا لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري, وأكثر المصادر المسببة لانبعاث الغازات الدفيئة هى البترول والفحم والغاز, وهذا يقتضى اتخاذ إجراءات صارمة للحد من استهلاك الطاقة وفرض قيود على البترول، ومن ثم خسائر فادحة فى قطاع البترول. وسيشهد العام الجديد 2016 بدء تنفيذ البنود التى تم الاتفاق عليها فى قمة المناخ، أى بدء الحصار العالمى على البترول والغاز والفحم. فبعد اتفاق قمة المناخ أصبح العالم ملتزما تماما بمستقبل منخفض الكربون، وأصبح لا مفر من الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر الذى يعتمد على مصادر الطاقة المتجددة. فالأسواق المالية وأسواق الطاقة العالمية ملتزمة الآن بموجب اتفاق باريس أن تتحول جذريا وبعيدا عن الاستثمار فى الفحم والبترول والغاز كمصادر للطاقة الأولية، وعليها الاستثمار فى مصادر الطاقة منخفضة الكربون مثل طاقة الرياح، والطاقة الشمسية. اتفاقية تغير المناخ تعتبر تحديا كبيرا بالنسبة للدول البترولية التى تعتمد على البترول كمصدر رئيسى للدخل، فأغلبية قطاعات الصناعة والطاقة والزراعة والسياحة عالميا تعتمد بصورة شبه كلية على الوقود الأحفوري، ونتيجة لذلك تولد نسبة كبيرة من انبعاثات غازات الدفيئة. ولذلك، فإن أى إجراءات تتخذ فى هذا الصدد فى الدول التى تتبنى قوانين لخفض الانبعاثات لتنفيذ اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ قد تؤثر على الطلب على الوقود الأحفوري، وهو المصدر الأساسى لانبعاثات ثانى أوكسيد الكربون، وهو ما سيؤدى بالتبعية إلى تضرر اقتصاديات الدول البترولية. ولكن من ناحية أخرى، يمثل اتفاق باريس المناخى فرصة كبيرة لتلك الدول المنتجة للبترول، ومن بينها دول مجلس التعاون الخليجي, إلى تسريع عملية تنويع اقتصادياتها، وكذلك مصادر الطاقة، وبخاصة الاستثمار أكثر فى مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، وتحديدا الطاقة الشمسية. لذلك، فإن اتفاق باريس بقدر ما يمثل تحدياً حقيقياً للدول البترولية بصفة عامة، لكنه فى الوقت نفسه يمثل فرصة حقيقية لهذه الدول من أجل التعاون مع جميع الشركاء، محليا، إقليميا وعالميا فى مجال نقل التكنولوجيا والاستثمار فى الطاقة المتجددة وكذلك الاستفادة من العديد من الفرص السانحة للتمويل المتاحة من خلال اتفاق باريس. وإذا وضعنا فى الاعتبار ما نص عليه الاتفاق من أنه ستكون هناك مراجعات دورية كل خمس سنوات لتقييم مدى التزام الدول بتنفيذ الاتفاق، فسنجد أن هذا سيشجع على التعاون العالمى لإيجاد حلول تكنولوجية لخفض الانبعاثات فى مجالات الطاقة وغيرها. ومن أبرز انجازات عام 2015 فى مجال المناخ أيضا هو أنه تم إقرار مبلغ 100 مليار دولار سنويا للبلدان النامية بحلول عام 2020، مع الالتزام بمزيد من التمويل فى المستقبل, وهذا يعنى أن الدول النامية لن تسهم بأى مبالغ نقدية، وإنما الدول المتقدمة هى من ستتحمل الفاتورة، هذا إن صدقت التعهدات! ويأتى العام الجديد ليشهد على أن الدول المتقدمة لابد أن تكون على مستوى اعتماد أهداف خفض الانبعاثات التى تم الاتفاق عليها بعد أعوام من المفاوضات الصعبة والجولات الكلامية الحادة، كما يتعين على الدول النامية مواصلة تحسين جهودها فى التصدى لظاهرة الاحتباس الحرارى فى ضوء أوضاعها الوطنية، وذلك لوقف ارتفاع حرارة الأرض تفاديا للتبعات الكارثية للاختلال المناخى الذى بات ملحوظا وشواهده واقعية مثل تزايد الفيضانات وموجات الجفاف وذوبان الجليد، مما يهدد قريبا باختفاء جزر ومناطق، وربما دول!.