بيقين نحتاج إلى نظرة متفحصة لطبيعة رد الفعل الأمريكى إزاء إنتفاضة العراق السياسية والدبلوماسية ضد دخول القوات التركية- فى بلطجة إجرامية- إلى باعشقية فى جوار الموصل بحجة تدريب قوات البيشمركة الكردية لمساعدتها على مواجهة داعش. إذ جاء رد الفعل الأمريكى وعلى لسان نائب الرئيس ليدين العملية التى توغل بموجبها 120 جنديا تركيا و20 دبابة فى باعشقية، وذلك قبل أن تقرر تركيا الانسحاب، وليعبر عن عدم الرضاء الأمريكى عن السياسات التركية منذ بدء غارات التحالف الأمريكي/ الغربى ضد (داعش) كون تركيا تمنعت - فى رقاعة - عن اتخاذ مواقف حاسمة ضد داعش التى تاجرت مع الأتراك فى النفط السوري، وإستخدمت الأراضى التركية فى المناورة العملياتية فى أثناء القتال، فضلا عن ادعاء تركيا أنها تطارد فلول حزب العمال الكردستانى فى سورياوالعراق، وهو ما ظهر كذبه بالوحشية التركية فى ضرب المدنيين الأكراد فى جنوب شرق تركيا وشمال العراق وشمال سوريا، ثم إدعاء أن دخول القوات التركية إلى باعشقية بقوات كانت مرشحة إلى الزيادة إلى 1200 جندي. أمريكا لم تعد سعيدة بالتحركات العصبية التركية، لأن واشنطن (تدير) أزمات منطقة الشرق الأوسط لا (تحلها)، ومن ثم فهى لا تريد لأى عنصر أن يربكها أو يتصرف على مزاجه دون استشارتها. وهكذا فقد صادقت واشنطن على إطاحة روسيا بالمشروع السياسى التركى لإحياء العثمانية فى بايربوجار وحولها بشمال سوريا، وهو ما تدعم بنشر قوات دفاع جوى روسية متقدمة تمنع (عمليا) إنشاء منطقة حظر طيران شمال سوريا وهو ما يسهل قضمها من جانب الأتراك فيما بعد. صار الأمريكان يتكلمون لغة قريبة من المواقف الروسية إزاء الأتراك فى بعض ملفات الأزمة السورية، فهى تدين الفجوة الحدودية بين تركياوسوريا (مائة كيلومتر) التى يتدفق منها النفط إلى تركيا والمقاتلين المسلحين والمدربين إلى داعش، وهى لم تبد متحمسة كذلك لتلبية نداء النجدة الذى سارعت به أنقرة إلى الناتو بعد تورطها فى إسقاط الطائرة سو - 24 فى نوفمبر الفائت. من أجل ذلك كله تحاول تركيا الآن فى مأزقها الرهيب استرضاء الأمريكان عبر تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتوطيدها بعد حادث السفينة (مرمرة) التى كانت ذاهبة إلى غزة وقصفتها تل أبيب، كما هرعت تركيا مهرولة إلى الاتحاد الأوروبى خلال مؤتمر المهاجرين الأخير، محاولة الحصول- من جديد- على عضوية لطالما طالبت بها فى الاتحاد، ومحاولة المقايضة على إيوائها للاجئى سوريا فى مقابل تحصل العضوية بدلا من تدفق أولئك اللاجئين إلى أوروبا. يعنى تركيا تحاول التغلب على صعوبة وضعها بمحاولة التمدد فى شمال العراق، وبترميم العلاقة مع إسرائيل ومحاولة استيراد الغاز القطرى عبرها بدلا من الغاز الروسى (60% من إحتياجها)، ثم عبر الاحتماء بما يسمى (الشخصية الأوروبية). لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع