بعدما نجح التيار اليسارى فى السيطرة على دول أمريكا اللاتينية خلال العقد الأول من القرن ال 21، بانتخاب زعماء اشتراكيين فى دول عدة مثل : لولا دا سيلفا فى البرازيل، ورفاييل كوريا فى الاكوادور، وهوجو شافيز فى فنزويلا، وميشيل باشيلى فى تشيلي، وايفو مورالس فى بوليفيا، والذين نجحوا فى تحقيق نهضة اقتصادية كبيرة فى بلادهم، جاء عام 2015 ليفجر مفاجأة جديدة ألا وهى صعود تيار اليمين فى عدة دول، على رأسها الأرجنتينوفنزويلاوالبرازيل. ففى الوقت الذى يصعد فيه تيار اليمين فى الدول الأوروبية بسبب أزمة اللاجئين، وتتزايد فيه شعبية الأحزاب المناهضة للاسلام وللمسلمين، فالأمر يختلف فى الدول اللاتينية، حيث لجأ الناخبون لدعم تيار اليمين بهدف الخروج من الأزمات الاقتصادية التى بدأت تعصف ببلادهم خلال السنوات الأخيرة، بعدما فشل عدد من زعمائها فى الدفع بوتيرة النهضة الاقتصادية، الى جانب اصدارهم بعض القرارات المرهقة وغير المرضية لشعوبهم. الأرجنتين كتب عام 2015 نهاية حقبة «الكريشنريزم»، والمقصود بها ال 12 عاما التى ظل حكم اليسار مهيمنا فيها على الأرجنتين، حيث حكمها الرئيس الراحل نيستور كريشنر على مدى 4 سنوات، نجح خلالها فى تحقيق شعبية كبيرة، هى التى كانت السبب فى منح زوجته كريستينا كريشنر الفرصة لاعتلاء رئاسة البلاد بعد رحيله، من أجل استكمال مسيرته. وقد نجحت كريستينا فى الفوز برئاسة الأرجنتين ولايتين متتاليتين، كانت نهايتهما هذا العام، ثم جاءت المفاجأة فى الانتخابات الرئاسية، ألا بخسارة المرشح اليسارى دانيال سكيولي، الذى كانت تدعمه كريشنر خلفا لها بعدما فاز عليه مرشح اليمين موريسيو ماكرى بنسبة 52%. ويذكر أنه من أحد الأسباب الرئيسية التى ساعدت ماكرى على الوصول لسدة الحكم، انتقاده لبعض التوجهات الاقتصادية التى فرضتها كريشنر، ولاقت رفضا وتذمرا من الشعب. فنزويلا لأول مرة منذ 16 عاما تمثل المعارضة تهديدا حقيقيا فى فنزويلا، وذلك عقب تحقيقها فوزا ساحقا فى الانتخابات التشريعية بحصولها على ثلثى المقاعد أى 99 مقعدا من أصل 167 مقعدا، بينما حصل الحزب الاشتراكى الحاكم على 55 مقعدا فقط. وقد جاءت تلك الانتخابات لتنذر بقرب انتهاء الحقبة «التشافيزية»، التى كان يتزعمها الرئيس الراحل هوجو شافيز منذ مطلع الألفية، والذى كان رمزا ثوريا لدى الفنزويليين، وعقب رحيله اختاروا نائبه نيكولاس مادورو ظنا منهم أنه سيكمل مسيرته وسيحذو حذوه وسيكون امتدادا له، ولكن جاءت الأزمة الاقتصادية التى ضربت البلاد، وما تبعها من تضخم متزايد ونقص المواد الأساسية، بسبب تراجع أسعار النفط لأدنى مستوى له منذ سبع سنوات، والذى يعد ثروة فنزويلا الوحيدة تقريبا، لتتدنى شعبية مادورو لأدنى مستوياتها، الأمر الذى أستغله ائتلاف المعارضة (المشكل من 30 حزبا) برفع شعار «التغيير» فبدأ الفنزويليون فى التراجع عن تأييد اليسار ودعم اليمين المتشدد. البرازيل جاء التغيير فى كل من الأرجنتينوفنزويلا ليكون بمثابة انذار بقرب انتهاء زعامة اليسار للبرازيل، فبالرغم من نجاح رئيسة البرازيل الحالية ديلما روسيف فى الرئاسة بفضل دعم وتأييد الرئيس السابق لولا دا سيلفا، صاحب الشعبية والانجازات الكبيرة، الا أنها خلال ولايتها الأولى لم تنجح بالقدر الكافى فى نيل رضا الشعب، لذا فقد انتزعت ولاية ثانية بالكاد بنسبة 51% فقط فى نهاية العام الماضي، ولكن منذ بداية هذا العام شهدت البرازيل العديد من المظاهرات، التى خرج فيها الآلاف للمطالبة بتحسين أوضاعهم الاقتصادية وخفض الأسعار، واتهموها بأنها السبب فى أسوأ كساد اقتصادى تشهده البرازيل منذ 25 عاما. المكسيك نجح الرئيس المكسيكى انريكى بينا نيتو فى انتزاع ولاية ثانية فى انتخابات وصفوها ب «الهزلية»، حيث شارك بها أقل من 50% بينما حصل بينا نيتو على 30% فقط من الأصوات، وذلك يعود لتراجع شعبيته ووصولها لأدنى مستوياتها. فقد نجح بينا نيتو فى تحقيق شعبية كبيرة منذ الأشهر الأولى من ولايته وحتى منتصف العام الماضي، حيث عرف بالرئيس النشيط، الذى رفع شعار «انقاذ مكسيكو سيتي»، ثم تراجعت وتيرة نشاط بينا نيتو، وتراجعت معها شعبيته، فخلال العام الماضى شهدت المكسيك مجزرة مروعة، قتل خلالها 43 طالبا على أيدى زعماء المخدرات بمشاركة عدد من عناصر الشرطة وعمدة بلدة «ايجوالا»، مما أثار غضبا عارما بين صفوف الشعب، وخروج الآلاف منهم للشوارع فى مظاهرات مطالبة بالافصاح عما توصلت اليه التحقيقات ومعاقبة الجناة وانتزاع الفساد، ولكن دون مجيب، كما جاء هروب «ال شابو» من سجنه ليزيد الطين بله. لذا فلم يخرج الشعب للتصويت لبينا نيتو للحصول على ولاية ثانية بعدما تدهورت شعبيته لتصل لأقل من 40%، وهو أدنى مستوى يصل له رئيس مكسيكى منذ 20 عاما. الأوروجواي ودعت الأوروجواى هذا العام رئيسها الأشهر «خوسيه موخيكا»، والملقب ب»الرئيس الأفقر فى العالم»، وصاحب التأييد الواسع والشعبية الكبيرة، والذى كان يتبرع ب 90% من راتبه للفقراء والمشردين، والذى لولا عدم سماح الدستور للرئيس بالحصول على فترتين متتاليتين، لفاز بولاية جديدة باكتساح، ولكن جاء اليسارى «تاباريه فازكيزئ» ليحل محله بعدما فاز بالانتخابات الرئاسية بفضل دعم وتأييد خوسيه له.