احتلت مؤخراً قضية الخلاف بين بريطانيا والأرجنتين حول أحقية السيادة على جزرفوكلاند اهتمام وسائل الإعلام الغربية والجميع مازال يردد نفس السؤال منذ عقود طويلة. لمن تعود أحقية ملكية هذه الجزر ويرجع الخلاف القديم المتجدد دائما بين الأرجنتين وبريطانيا حول جزر فوكلاند إلي عقود طويلة حيث بسطت بريطانيا سيادتها علي الجزر منذ عام1833 وأعلنتها منطقة حكم ذاتي وكل السكان الذين لا يتعدي عددهم3060 نسمة يملكون الجنسية البريطانية ولكن حكومة الأرجنتين تصر علي أن لها حق السيادة علي الجزر لأنها ورثتها عن التاج الأسباني منذ عام1800. وبرز النزاع علي المسرح في العصر الحديث عام1982 حيث شهدت الجزيرة أزمة عسكرية بين بريطانيا والأرجنتين أطلق شرارتها الأولي اجتياح القوات الأرجنتينية للجزر مما دفع مارجريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية في ذلك الوقت إلي إعلان الحرب التي أسفرت عن حوالي ألف قتيل من الجانبين واستعادة الجانب البريطاني للجزر. واشتعل الخلاف مجددا بعد إرسال شركات نفطية بريطانية سفنها للتنقيب عن النفط قبالة سواحل الجزر في بداية الشهر الحالي ومن ثم أعلنت الحكومة الأرجنتينية أن علي السفن التي تبحر إلي المياه الإقليمية الأرجنتينية ومن بينها جزر فوكلاند الحصول علي موافقة رسمية من الحكومة الأرجنتينية. واتهمت بريطانيا بانتهاك القانون الدولي الذي يمنع إقامة أي مشروعات في الحدود والأقاليم المتنازع عليها بينما تصر بريطانيا علي أن فوكلاند تحت سيادتها ومن حقها تطوير الصناعة النفطية في مياهها. ويري عدد من المحللين السياسيين أن تجدد التوتر الدبلوماسي بين لندن وبوينس أيرس ليس من باب رش الملح علي الجروح القديمة بقدر ما هو افتعال أرجنتيني بسبب الأزمات المتتالية التي تواجهها الأرجنتين واعتبار الاكتشاف الذي تقدره شركة النفط البريطانية بحوالي60 مليار برميل مخرجا لهذه الأزمات وإنعاشا للاقتصاد الأرجنتيني. وبدأت الأرجنتين جهودا دبلوماسية مكثفة للتفاوض حول استعادة الجزر مستبعدة الخيار العسكري هذه المرة. وهذه الجهود بدأت بالسعي لدي الولاياتالمتحدة للتدخل كوسيط وهو الأمر الذي رفضته بريطانيا تماما مرورا بحشد تأييد دول أمريكا اللاتينية والذين أظهروا خلال اجتماع دول الكاريبي في بداية الشهر الحالي تضامنهم الكامل مع الأرجنتين ودعمهم لموقفها ضد بريطانيا وعلي رأس هذه الدول فنزويلا والبرازيل وكولومبيا والمكسيك إنتهاء بإرسال مذكرة رسمية إلي الأممالمتحدة للبت في شأن هذا النزاع وتحديد لمن تكون أحقية الجزر. ولا شك أن الأرجنتين لديها حق في هذه الجزر وهناك مذكرة للخارجية البريطانية تعود لعام1915 تتحدث عن الخلاف التاريخي حول أحقية ملكية الجزر وعن عدة نقاط ضعف في الجانب البريطاني ويقول أحد الخبراء الأمريكيين في الشئون الخارجية البريطانية أن التمعن في هذه المذكرة يؤكد وجود مبررات قوية لما تطالب به الأرجنتين من حقوق لها في الجزر إلي جانب عدة مذكرات أخري سحبتها الحكومة البريطانية من الارشيف العام خلال حرب فوكلاند عام1982 وهي متاحة الآن للزوار في الأرشيف الوطني. كما يري الجانب الأرجنتيني أن قرار الأممالمتحدة لعام1962 الذي يحدد صيغة احتلال الاراضي ينطبق علي جزرفوكلاند. وأن علي بريطانيا ونحن في القرن الواحد والعشرين وليس التاسع عشر التخلي عن تصرفاتها وأسلوبها الاستعماري القديم وقبول التفاوض وترك الأمر للأمم المتحدة. وجاءت أزمة جزر فوكلاند بمثابة استعراض للقوة من قبل دول أمريكا اللاتينية حيث انتقد لولا دي سيلفا رئيس البرازيل الموقف البريطاني وطالب الأممالمتحدة بالتدخل لإعادة الجزر وتساءل هل لأن بريطانيا عضو دائم في مجلس الأمن من حقها أن تفعل ما تشاء ولا يستطيع أحد محاسبتها. بينما خاطب هوجو تشافيز رئيس فنزويلا في برنامجه التليفزيوني الأسبوعي الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا مباشرة وطلب منها إعادة جزر الفوكلاند للأرجنتين وانتقد ما وصفه بالتهديدات البريطانية وقال أن الإنجليز يفقدون مخزونهم في بحر الشمال لأنه ينضب ويائسون وتساءل إلي متي ستظل ملكة بريطانيا وحكومتها يظنون أنهم يملكون البحر وطالبها بإعادة الجزر للأرجنتين وقال: نحن وبشكل غير مشروط ندعم المساعي الأرجنتينية حكومة وشعبا للوقوف في وجه الجشع البريطاني وتابع:' إن البريطانيين لا يزالون يهددون الأرجنتين لكن الأوضاع تغيرت أيتها الملكة العزيزة لم نعد في عام1982 وفي حالة تعرض الأرجنتين إلي هجوم جديد أعلموا أنها لن تبقي وحيدة هذه المرة'.. ويري المحللون السياسيون أن كريستينا كريشنر رئيسة الأرجنتين تحاول استغلال الأزمة من الناحية السياسية لتكسب تعاطف الرأي العام في محاولة لإظهار سيطرتها علي الأمور خاصة أن الانتخابات الرئاسية علي الأبواب. وكانت شعبية كريستينا قد تدهورت بشدة بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية التي تعصف بالبلاد بالإضافة إلي تردد إسمها هي وعائلتها مؤخرا في عدد من الفضائح المالية. والصحف الارجنتينية دائما ما تتهكم علي كريستينا وتطلق عليها لقب' سيدة البوتوكس' إشارة إلي ولعها الشديد بعمليات التجميل وتصفها بأنها نذير شؤم وأن المصائب تتوالي علي البلاد منذ توليها السلطة. وفي المقابل اتخذت كريستينا عددا من القرارات لإقصاء المسئولين الذين برفضون تنفيذ أوامرها وأطلقت تهديدات متتالية للصحافة بتأديبها لتعديها كل الخطوط الحمراء بعد اتهامها بأن هناك تحالفا سريا بينها وبين شافيز رئيس فنزويلا وأنه أرسل لها مبالغ مالية لدعمها أثناء الانتخابات. ويقول روزندو فراجا محلل سياسي أرجنتيني كبير: أن مشكلة كريستينا أنها كلما حاولت إثبات مدي قوتها تكشف عن مدي ضعفها. وأن أزمة فوكلاند جاءت لها بمثابة طوق نجاة وإذا حصلت علي البترول سيكون عليها شكر البريطانيين بشدة لحل أزماتها التي حتما ستكلفها مستقبلها السياسي. [email protected]