«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمريكا اللاتينية.. بديل اقتصادى أمام جمهورية يناير
قصة الصعود الاقتصادى والعدالة الاجتماعية فى القارة التى لم يزرها الرئيس
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 09 - 2012

بالرغم من تأجيل زيارة كان مخططًا أن يقوم بها الرئيس محمد مرسى إلى البرازيل وبيرو، الا أنه حرص على أن يلتقى بالرئيسة البرازيلية ديلما روسيف، على هامش مشاركته فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتعرف منها على التجربة الاقتصادية للبرازيل، كما نقلت وكالات الأنباء.

فى الوقت نفسه، يدور جدل بين العديد من الخبراء فى مصر حول ضرورة استشراف تجربة أمريكا اللاتينية التى قدمت للعالم النامى فى العقد الأول من القرن الجديد نموذجا اقتصاديا مختلفا، جمع بين انطلاق النمو الاقتصادى والعدالة الاجتماعية، الأمر الذى دعا منظمة أممية مثل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (اونكتاد) لأن تقدم هذا النموذج كبديل للسياسات التحررية التى هيمنت على العالم خلال فترة التسعينيات، وتسببت فى إنتاج الأزمة المالية الحالية، كما قالت المنظمة فى تقريرها السنوى لعام 2012 . «الشروق» تعرض لكم فى هذا الملف قصة صعود اقتصادات امريكا اللاتينية، وتطرحها للنقاش مع عدد من الخبراء الدوليين والمحليين الدارسين لهذه المنطقة.

اقتصاد النمو والعدالة.. المعجزة اللاتينية فى القرن الجديد

• نورا لوستيج: النمو هو الذى ساعد على إعادة توزيع الثروة وليس العكس
• نادية رمسيس: مصر تحتاج لدولة أكثر تدخلًا على غرار التجربة اللاتينية

يطلق بعض المحللين على الرئيس الأرجنتينى السابق نستور كريشنر «بطل الاستقلال»، ليس لأنه حرر البلاد من الاستعمار ولكن لأنه حررها من شروط صندوق النقد الدولى، وقاد بلاده للخروج من أزمة مالية عنيفة معتمدا على التوسع فى سياسات الرفاه وليس سياسات التقشف، وبينما يعتبر النموذج الأرجنتينى معبرا عن السياسات الجديدة لأمريكا اللاتينية التى نجحت فى الجمع بين معدلات النمو المرتفعة وتحسن الوضع الاجتماعى، تخضع تلك السياسات لجدل بين الخبراء خاصة مع التشكك فى قدرة الأرجنتين على الاستمرار فى النمو.

توصف سياسات نستور كريشنر، الذى تولى رئاسة الأرجنتين عام 2003، بالكينزية، بسبب اعتماده فى الخروج من الأزمة المالية على التوسع فى سياسات الرفاه، ونفس الوقت تبنى فى علاقات بلاده الخارجية سياسات حمائية وصفت بالبيرونية، نسبة إلى الزعيم الأرجنتينى بيرون. وبغض النظر عن الخلاف بين الاقتصاديين بين تأييد أو معارضة هاتين المدرستين، إلا أنه لا خلاف على أن كريشنر نجح فى الخروج ببلاده من الأزمة المالية التى عصفت بها فى الفترة من 1998 إلى 2002، بفضل أجندة مخالفة لنصائح صندوق النقد لبلاده أنداك، حيث ساهمت سياساته، فى الفترة من 2003 إلى 2007، فى تخفيض معدلات البطالة والفقر إلى النصف، لتتراجع البطالة من 20% إلى 9% والفقر من 50% إلى 27%، فى ظل سياسات دعمت من قوة الاتحادات العمالية وساهمت فى رفع مستويات الأجور الحقيقية بنسبة 70%.

واستمرت زوجته، التى تولت الرئاسة من بعده، فى محاولة الحفاظ على نموذجه الاقتصادى، الذى يطلق عليه «نموذج كريشنر»، ويقوم على الإنفاق التوسعى على الرفاه الاجتماعى والمشروعات العامة ودعم الصناعة، وهو النموذج الذى اكتسب قوته من معدلات نمو بلغ متوسطها خلال فترة حكميهما 7.1%، فى الفترة من 2003 إلى 2011 .

«لقد نجحت السياسات الجديدة فى أمريكا اللاتينية فى الانتصار للنظرية الكينزية التى تقوم على دعم النمو بالاعتماد على تحسين مستويات دخول المواطنين» كما تقول نادية رمسيس، أستاذة الاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.

الإكوادور نموذج آخر للنمو العادل

وتقدم الاكوادور نموذجا آخر للجمع بين النمو الاقتصادى وسياسات الرفاه، حيث لفتت أنظار الخبراء بقدرتها على النمو، الذى بلغ 7.8% عام 2011، ووصول معدلات البطالة فيها إلى مستويات منخفضة، 4.2%، فى الوقت الذى يخيم فيه الركود الاقتصادى وحالات تسريح العمالة على الاقتصاد العالمى. هذا النمو جاء مدفوعا بحزم مالية استهدفت توفير المساكن لمنخفضى الدخول، حيث ضاعفت الإنفاق على تمويل الإسكان فى ثلاث سنوات، إلى جانب توسعاتها فى برامج الدعم النقدى المشروط، كما ارتفعت مخصصات التعليم كنسبة من الناتج الاجمالى بأكثر من الضعف خلال الفترة من 2006 إلى 2009، وهى السياسات التى دعمت مكافحة الفقر لينخفض من ذروته عند 36% إلى 28.6% حاليا.

من القطاع العام إلى دعم الصناعة

قدمت البرازيل نموذجا للنمو الاقتصادى فى فترات الركود، معتمدة بدرجة كبيرة على التصنيع، حيث تركت سياسات القطاع العام فى حقبة الستينيات والسبعينيات للبرازيل قاعدة صناعية قوية استمرت معها حتى بعد تطبيق سياسات الخصخصة. واتبعت البرازيل خلال فترة الأزمة المالية العالمية الأخيرة، التى بدأت فى عام 2008، سياسات لدعم الصناعة «لا تقتصر فقط على تنمية الاستثمارات والابداعات والتجارة الخارجية، ولكن تقوم أيضا على حماية الأسواق المحلية والصناعات المحلية من فيض الصناعات والسلع الرخيصة، التى تسعى إلى البحث عن أسواق بديلة للطلب الضعيف فى الولايات المتحدة وأوروبا»، وفقا لتقرير منظمة الاونكتاد لعام 2012، حيث استهدفت البرازيل دعم أسواقها المحلية وإنشاء صناعات ذات تقنية عالية لتنويع الاقتصاد، كما يضيف التقرير، واشتملت السياسات البرازيلية على رفع التعريفة الجمركية وسياسات تفضيلية للإنتاج المحلى فى المشتريات العامة، وكذلك سياسات ضريبية داعمة لمنتجات صناعية ذات مكون محلى مرتفع.

واستطاعت فى الوقت ذاته أن تحافظ على قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث بلغت الاستثمارات المتدفقة لها فى عام 2011 نحو 67 مليار دولار، بما يمثل 55% من الاستثمارات المتدفقة إلى أمريكا الجنوبية، وهى الاستثمارات التى تجتذبها ضخامة السوق المحلية فى البرازيل وموقعها المتميز للتصدير إلى الأسواق المجاورة لها.

شكوك فى استمرار النمو

إلا أن معدلات النمو التى حققتها اقتصادات صاعدة فى أمريكا اللاتينية مثل البرازيل والأرجنتين تتهددها توقعات بالتباطؤ الاقتصادى، كما يرى البعض أن السياسات اليسارية لرؤساء مثل كريشنر لا تضمن استدامة النمو والرفاه. «لا أعتقد أن سياسات إعادة توزيع الثروة والنمو الاقتصادى ستكون مستدامة فى دول مثل الأرجنتين والاكوادور فى حالة تراجع الأسعار العالمية للسلع التى تصدرها تلك الدول وتمثل دعما لنموها الاقتصادى.. ولكن دولا مثل البرازيل قد تستطيع الاستمرار فى النمو» كما قالت نورا لوستيج، أستاذة اقتصادات امريكا اللاتينية بجامعة تيولان بالولايات المتحدة الأمريكية، ل«الشروق».. وتمثل الصادرات البترولية والسلع الغذائية أحد المصادر الرئيسية للنمو الاقتصادى فى اقتصادات أمريكا اللاتينية.

وتعتبر لوستيج أن دولا مثل الأرجنتين والبرازيل والاكوادور «لم تساهم سياسات إعادة توزيع الثروة فيها فى إيجاد النمو الاقتصادى، ولكن بالعكس فإن النمو المتحقق بفضل ارتفاع أسعار السلع العالمية التى تصدرها تلك الدول ساعد تلك الحكومات أن تكون أكثر قدرة على توزيع الثروات».

وترى لوستيج أن تراجع التفاوت الاجتماعى فى أمريكا اللاتينية لا يرتبط بأيديولوجية سياسية معينة، «لقد شهدت دول أمريكا اللاتينية بصفة عامة تراجعا فى مستويات عدم المساواة الاجتماعية، سواء المحكومة بنظم يسارية أو غير يسارية، فدولة مثل المكسيك على سبيل المثال التى يحكمها نظام يمين وسط منذ ثلاثين عاما شهدت تراجعا فى عدم المساواة منذ منتصف التسعينيات بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع أمريكا الشمالية المعروفة بالنفاتا»، موضحة أن الاختلاف بين المكسيك ودول مثل الأرجنتين والبرازيل والاكوادور يكمن فى أن «حكومات تلك الدول لعبت دورا أكثر فاعلية فى مكافحة عدم المساواة من خلال سياسات الأجور والتحويلات النقدية».

ويتوقع خبراء أن تسجل الأرجنتين تراجعا فى نموها الاقتصادى لعام 2012 بين 2.5% إلى 3% بينما توقعت الحكومة فى ميزانية العام المالى الجارى أن نموا ب5.1%، مقارنة ب8.9% نموا فى العام السابق.

«لا تتمتع مصر بثروات طبيعية كتلك التى تتمتع بها أمريكا اللاتينية، كما أن البنية الصناعية التى أنشأناها فى الستينيات تعرضت للهدم والتفكيك، ولم يتم الحفاظ عليها نسبيا كما حدث فى دول كالبرازيل. ولكن ما نستطيع أن نستفيده من تجربة تلك القارة هو الإرادة السياسية لتطبيق سياسات مستقلة تراعى مصلحة المواطنين بالأساس»، كما تقول رمسيس مضيفة «قد نحتاج إلى دخول الدولة فى صناعات لن يقبل عليها القطاع الخاص، ونحتاج لدور الدولة التنموية بتشجيع ودعم القطاع الخاص فى مجالات أخرى، ولكن علينا أن نتراجع عن السياسات التى اتبعناها منذ التسعينيات التى تقوم على الاعتماد بشكل أساسى على الاستثمار الخاص لتحقيق التنمية بدون تدخل فاعل من الدولة» برأى رمسيس.


الدعم وليس التقشف الشغل الشاغل للحكومة

• لو سقطت فى الفقر ستمنحك حكومة أوروجواى دعمًا ماليًا ووظيفة مؤقتة ثم تؤهلك لدخول سوق العمل

فى البرازيل 12 مليون أسرة تلتزم بإرسال أبنائها للمدرسة وللوحدة الصحية بفضل «بولصا فاميليا» بولصا فاميليا، اسم لبرنامج دعم برازيلى يعبر عن إحدى سياسات الرئيس السابق لولا دا سيلفا فى إعادة توزيع الدخل فى بلاده، من أعلى إلى أسفل، حيث يقدم 0.5% من الناتج الإجمالى فى صورة مساعدات نقدية ل12 مليون أسرة، بشرط التزامها بتحسين حياة أبنائها لإخراجهم من الفقر، وهى الفكرة التى تكررت فى العديد من دول أمريكا اللاتينية، وأصبحت نموذجا من نماذج السياسات الاجتماعية التى أبدعتها تلك القارة فى القرن الجديد.

فى طفولته، عرف الرئيس البرازيلى السابق الجوع، حيث كان ابنا لأسرة شديدة الفقر، وتحت رئاسته عملت وزارة للتنمية الاجتماعية ومكافحة الجوع، على تطبيق برنامج بولصا فاميليا، الذى أطلقه الرئيس البرازيلى السابق ولا تزال حكومة خليفته، ديلما روسييف، تستكمل تطبيقه.

وتقوم فكرة البرنامج على إرسال تحويلات نقدية للأسر الفقيرة فى مقابل إلزامها بانضباط أبنائها فى حضور الفصول الدراسية وزيارة الأطباء. وتصل قيمة الدعم إلى 12 دولارا لكل طفل شهريا فى البرنامج الذى ساهم فى تراجع معدلات الفقر إلى نحو 27% خلال الفترة الأولى من رئاسة لولا، مما دفع البرازيل للمضى قدما فى استكماله. «لقد كانت هناك برامج سابقة للدعم تقدمها البرازيل، ولكن الجديد فى هذا البرنامج كان المشروطية التى تساعد المتلقين لهذا الدعم على الخروج من دائرة الفقر» كما قال مارسلو ميديريوس، خبير السياسات الاجتماعية بالبرازيل، ل«الشروق».

«يتم تمويل برنامج بولصا فاميليا من حصيلة الضرائب، التى تشتمل على ضرائب تصاعدية، وكان نجاح الإدارة البرازيلية فى جعل فكرة الضرائب التصاعدية مقبولة نابعا من ثقة المواطنين فى كفاءة إعادة إنفاق تلك الضرائب على مجالات ناجحة مثل هذا البرنامج» برأى هانيا الشلقامى، الأستاذة بمركز الدراسات الاجتماعية بالجامعة الأمريكية.

ولا تقتصر السياسات الاجتماعية فى البرازيل على التحويلات النقدية، حيث تقدم البرازيل العديد من الخدمات العامة مجانا، إلا أن ما يشغل البرازيليين حاليا هو جودة هذه الخدمات. «مشكلة سياسات الرفاه فى البرازيل ليست الأسعار ولكن الجودة، فالتعليم مجانى من مراحل التعليم الأساسى إلى الدكتوراة، وكذلك الخدمات الصحية متضمنة تقديم الأدوية، ولكن المشكلة فى انخفاض جودة تلك الخدمات، باستثناء الجامعات التى تجمع بين الجودة والخدمة المجانية» كما أضاف ميديريوس.

أوروجواى الأكثر تفوقًا

وتعتبر أوروجواى أحد أنجح تجارب أمريكا اللاتينية فى مجال سياسات الأمان الاجتماعى ومكافحة الفقر، حيث تعد الأولى فى مجال تخفيض معدلات الفقر مقارنة بكل من البرازيل والأرجنتين والمكسيك وبيرو وبوليفيا، وكذلك فى كفاءة سياسات مكافحة الفقر. وساهمت سياسات رئيس أوروجواى السابق، تابارى فاسكوز، الاجتماعية فى تخفيض معدلات الفقر من 32% عام 2004 إلى نحو 18% فى عام 2010.

وصممت أوروجواى برنامج خدمات «الطوارئ الاجتماعية» والذى يشتمل على تحويلات نقدية للأسر شديدة الفقر، ونظام تشغيل مؤقت وتدريب، إلى جانب تقديم كروت للحصول على الغذاء وامتيازات أخرى، ثم طورته أوروجواى فى عام 2007 وأطلقت عليه برنامج «خطة المساواة الاجتماعية».

وربما تُفسر كفاءة سياسات مكافحة الفقر فى أوروجواى، بحرص الرئيس فاسكوز على تشكيل «حكومة اجتماعية» داخل مجلس الوزراء، بهدف تنسيق العمل بين وزارات الصحة والتعليم والتنمية الاجتماعية، وكذلك تشكيله مجلس قومى للسياسات الاجتماعية بهدف التنسيق بين الوزارات والوحدات المحلية.

وتعتبر حكومة فاسكوز أن نجاحها فى مكافحة الفقر لا يرتبط فقط بالسياسات الاجتماعية التى تتبعها ولكن أيضا بمجمل السياسات الاقتصادية المطبقة، حيث نجح المجلس الثلاثى للأجور، المشكل من ممثلين للحكومة والعمال والهيئات المشغلة، فى المساهمة فى رفع الأجور الحقيقية بنسبة 18% خلال أربع سنوات، بالإضافة إلى النظام الضريبى الذى بدأته فى عام 2007، الذى قلل من الضرائب غير المباشرة خاصة على المنتجات الغذائية، وتتمثل فى ضريبة القيمة المضافة.

مصر تفتقد للرؤية

«ما نحتاجه فى مصر هو سياسة اجتماعية متكاملة وليس إصلاحا جزئيا لدعم الغذاء والطاقة» كما تقول شلقامى، معتبرة أن السياسات الاجتماعية فى مصر بالرغم من تعددها إلا أنها تفتقد إلى الكفاءة فى كثير من الأحوال، وإلى وجود رؤية موحدة تجمعها. «فكرة الدعم النقدى المشروط وربطه بالتعليم والصحة التى تطبقها دول أمريكا اللاتينية قد تكون ملائمة لمصر، ولكننا نحتاج أيضا إلى سياسات كإتاحة الائتمان بشروط ميسرة، وتوفير الغذاء فى المدارس للأطفال، وحد أدنى ملائم للأجور، بما يضمن منظومة متكاملة من الحياة الكريمة للمواطنين» كما تقول شلقامى.


الأيادى الخشنة تعيد صياغة الاقتصاد
• خبير أرجنتينى ل«الشروق»: التغيير بدأ عندما اهتم الفقراء بالسياسة
فلاح بنقابة مزارعى «الكوكا» و«خريج صنايع» بنقابة عمال الصلب، تلك كانت مؤهلات كل من الرئيس البوليفى الحالى إيفو موراليس، والرئيس البرازيلى السابق لولا دا سيلفا. وبينما يوصف الأول بأنه أقوى سياسى عرفته بوليفيا فى تاريخها الحديث، يوصف الأخير بأنه أكثر الرؤساء شعبية على وجه الأرض، والأهم من ذلك أنهما نموذجان لطبقة سياسية جديدة صعدت إلى القمة بفضل الإصلاحات الديمقراطية، وساهمت فى صياغة نموذج اقتصادى بديل.

مزيج من التطورات الاقتصادية والسياسية، كانت وراء تغير الطبقة السياسية الحاكمة فى العديد من بلدان أمريكا اللاتينية خلال السنوات الماضية، فبفضل سياسات توسع الدولة فى التصنيع التى خاضتها البرازيل خلال الستينيات والسبعينيات نشأت طبقة عاملة كبيرة، وفى داخلها استطاع عمال مثل لولا داسيلفا أن يساهموا فى التطورات السياسية فى بلادهم. ولعب دا سليفا دورا بارزا فى الحركة النقابية التى نشأت فى المناطق الصناعية المعروفة ب«آى بى سى ريجيون» والتى كانت البداية لتطور الوعى السياسى للعمال وتأسيس حزب لهم، كان من أبرز أهدافه «إنهاء الديكتاتورية العسكرية وتوفير أراض للمزارعين، وأجور أفضل للعمال، بالإضافة لمكافحة الجوع».

ومع انسحاب العسكر من المشهد السياسى البرازيلى فى النصف الثانى من الثمانينيات، انفتح مجال أكبر للديمقراطية من خلال إصدار دستور جديد فى عام 1988، يعد من أكبر الدساتير فى العالم لما يحويه من نصوص عديدة تحمى الحقوق السياسية والاجتماعية، وهو الدستور الذى جاء بفضل الضغوط التى مارستها تلك الطبقات السياسية الجديدة الصاعدة من قاع المجتمع.

وشهدت بوليفيا خلال التسعينيات إصلاحات سياسية أيضا وسعت من المشاركة الاجتماعية فى صنع القرار وزادت من سلطة المحليات. وفى المجالس المحلية الجديدة أتيح المجال لناشطين فى النقابات الفلاحية، مثل إيفو موراليس، أن يتطوروا ككوادر سياسية جديدة، الأمر الذى مكن موراليس بعد ذلك من أن يصبح نائبا فى البرلمان من دون أن يحصل على مساندة أى من أحزاب الأغلبية فى هذا الوقت.

وفى حالة الإكوادور، قدم رافائيل كوريا، وزير الاقتصاد السابق، نموذجا مختلفا للاقتصادين الأكثر ارتباطا بالحركات الشعبية، حيث ساندته حركات نشطة بالمجتمع المدنى فى معاركه السياسية، من أجل الدفع به كرئيس شاب، فى سن الخامسة والأربعين، وقامت حملته الانتخابية على تنحية «النخب السياسية العجوزة الفاسدة».

«أهم العوامل التى ساهمت فى صياغة النموذج الاقتصادى الجديد بأمريكا اللاتينية هو اهتمام الفئات الأكثر فقرا بالسياسة، ونشأة ثقافة جديدة بينها تدعو إلى معرفة الحقوق والدفاع عنها، ومقاومة هيمنة النخب القديمة على البلاد» كما يقول فدريكو روسى، الخبير الأرجنتينى بالحركات الاجتماعية فى أمريكا اللاتينية، ل«الشروق».

ويعتبر روسى أن الفلسفة الحاكمة للحركات الاجتماعية الجديدة فى دول مثل بوليفيا هى المزج بين دور الدولة الاجتماعى النابع من التراث والأسلوب الأوروبى فى ممارسة الديمقراطية.

ويشير خبير الحركات الاجتماعية إلى أن أمريكا اللاتينية قدمت أشكالا متعددة من الحركات الحقوقية خلال السنوات الأخيرة، «فى الأرجنتين قامت حركة العاطلين بدور كبير فى تنظيم العمال المفصولين من العمل، وكان لهم دور بارزا فى إسقاط السياسات النيوليبرالية. وفى البرازيل قام الفلاحون غير المالكين للأراضى، والمنتجين فى المناطق النائية، بدور مماثل فى الترويج لإصلاحات زراعية واسعة، وهو الحراك الاجتماعى الذى ساهم فى دفع العمال والفلاحين إلى المشاركة بشكل أوسع فى صياغة السياسات الاقتصادية بعد سنوات من المعاناة من السياسات التحررية خلال التسعينات».

رئيس البرازيل دا سيلفا لحظة تسليم الحكم

مثلما بدأت النخبة السياسية الجديدة فى البرازيل مشوارها فى إعادة صياغة السياسات الاقتصادية من خلال إصلاح الدستور فى التسعينيات، خاضت الحركات الاجتماعية الجديدة فى أمريكا اللاتينية معارك قوية من أجل دستور جديد خلال العقد الأول من القرن الحالى. ففى بوليفيا سعى موراليس ومناصريه إلى الضغط على اليمين السياسى من أجل إصدار دستور جديد يقوم على مبدأ «سوما كوامانا» أو «الحياة بشكل كريم»، وهى عبارة تراثية تعنى تحقيق المساواة وعدم الإضرار بالبيئة.

وفى الإكوادور خاض الرئيس الحالى كوريا معركة مماثلة من أجل صياغة دستور جديد، سانده فيها الحزب المؤلف من حركات اجتماعية تحت اسم التحالف الوطنى «بايس اليانس»، ضد اليمين السياسى، ليظفر فى النهاية بالدستور الذى يعد أحد النماذج البارزة فى مجال ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

يشتمل الدستور الإكوادورى على مبدأ السيادة الوطنية فى العلاقات الخارجية، والذى يسمح بإعادة التصويت الشعبى على الاتفاقيات الدولية فى حالة طلب 5% من الكتلة التصويتية بالبلاد لذلك، وهو البند الذى يصعب على أى تيار يتولى الحكم توقيع اتفاقيات تجارية تضر بمصلحة القاعدة العريضة من المواطنين.

كذلك اشتمل الدستور على نصوص، تضمن الدعم والحماية لصغار ومتوسطى المزارعين الذين ينتجون الغذاء للسوق المحلية وضمان توفير الأراضى والموارد المائية والإنتاجية للفلاحين، علاوة على حظر تشغيل العمال بشكل غير رسمى ضمانا لحقوقهم، بالإضافة إلى النص على المساواة الضريبية، والتى تشتمل على ضرائب الدخل التصاعدية، والضرائب المرتفعة على الأصول الفاخرة التى يستخدمها الأثرياء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.