-1 - مع انعقاد البرلمان الجديد، هناك قضايا أولى بالرعاية، وتشريعات عديدة تحتاج سرعة إصدارها, ولأن المواطن هو هم هذا البرلمان، ومهمته الأولى، فإن معظم التشريعات التى تتعلق بالصحة والتعليم والاقتصاد، والأمن والاستقرار، يجب أن تأخذ طريقها للتنفيذ بأقصى سرعة ممكنة. «الأهرام» من جانبها تطرح عددا من هذه التشريعات لتضعها تحت عين البرلمان، ربما يكون من المفيد الرجوع إليها عند طرح هذه القوانين للنقاش. فى ظل اهتمام الدولة بملف التأمين الصحى والذى تجسد فى قيام رئيس الوزراء بتشكيل مجموعة عمل وزارية تمهيدا لعرض الدراسة الشاملة لمشروع قانون التأمين الصحى الشامل الجديد فى صيغته النهائية على مجلس الوزراء لمراجعته ومناقشته بصورة تفصيلية قبل عرضه على مجلس النواب وتأكيد رئيس الوزراء أن القانون الجديد بات مطلبا ملحا بعد أكثر من 50 عاما من العمل بالقانون المعمول به حاليا. ونظرا لأن مفهوم التغطية الصحية الشاملة له ارتباط وثيق بمفهوم حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية الناجزة، وحق المواطن فى الحصول على الرعاية الصحية المتكاملة، والاهتمام المتزايد بتحسين مستوى الأوضاع الصحية لجميع الفئات، خاصة الفقيرة والمهمشة وذوى الاحتياجات الخاصة، وضمان تحقيق حياة آمنة بيئياً وصحياً لكافة المواطنين، وهو ما نصت عليه المادة (18) من دستور 2014، ويُعد قانون «التأمين الصحى الشامل « من القوانين ذات الأهمية المطلقة، والتى تنتظر العرض أمام مجلس النواب فى أولى دورات انعقاده، بل يمثل القانون حجر الزاوية فى إصلاح القطاع الصحى بشكل جذرى، حيث يضمن التغطية الشاملة لكل السكان،، كما يرفع من مستوى الأداء لمقدمى الخدمة لتلبية احتياجات المرضى فى الحصول على الخدمات الصحية بجودة عالية. استضاف الأهرام نخبة من الخبراء فى مجال التأمين الصحى للتعرف على الخدمات الطبية المقدمة على أرض الواقع ، ولطرح رؤاهم المختلفة بشأن منظومة التأمين الصحى الجديدة ، وإلقاء المزيد من الضوء على ما بها من إيجابيات لتعزيزها ، والتعرف على السلبيات وأوجه القصور لمواجهتها .. من أجل الوصول إلى المنظومة الصحية والعلاجية بشكل مجود للمواطنين وفى أسرع وقت ممكن ودون إبطاء، ومدى تعارض ذلك مع إعلان الحكومة المصرية أن القانون سيتم تطبيقه تدريجيًا على كافة المحافظات على مستوى الجمهورية بنهاية عام2019، وإلى التفاصيل .. الأهرام : بداية نود إلقاء الضوء على مفهوم التغطية الصحية الشاملة ؟ ► د. علاء غنام : يعتبر مفهوم التغطية الصحية الشاملة من المفاهيم العتيقة، والتى تبنتها العديد من الدول والمنظمات الصحية العالمية كهدف إستراتيجى لها، حيث يكفل القانون الحق فى الحصول على الرعاية الصحية المتكاملة لجميع المواطنين ، مع ضمان غلق فجوة عدم العدالة فى توفير وإتاحة مصادر الرعاية الصحية ، ويشتمل هذا المفهوم الذى يعبأ اليوم فى زجاجات جديدة عالمياً على ثلاثة محاور أساسية : الأول: يشتمل على توفير الحماية المالية اللازمة للمريض، والتى تؤمنه من الآثار المترتبة على عبء المرض وتكاليفه، وذلك بواسطة إنشاء صندوق تأمينى عام ، يقوم بتوزيع المخاطر المالية للمرض على أكبر عدد ممكن من المشاركين والمنخرطين فيه ، عبر آليات الدعم المتبادل والأعداد الكبيرة لضمان الاستمرار والملاءمة المالية للصندوق . المحور الثانى خاص بالبعد الجغرافى ويعنى : التوسع فيما يقدم من خدمات صحية للمشاركين إلى الحد الذى يمكن النظم من تقديم خدمات بجودة عالية للجميع دون أن يتعرض للإفلاس أو عدم الاستمرار. أما المحور الثالث فيتضمن مد المظلة الصحية لتشمل جميع فئات المجتمع تدريجياً خاصة الفئات الأكثر فقراً والأكبر سنًا والأكثر عرضة لمخاطر المرض وكذلك الأكثر عزلة وتهميشاً. هكذا تتفق الأدبيات الصحية عالميًا ولكنها لا تضع خريطة طريق واحدة للجميع للوصول لهذا الهدف الإستراتيجى الكبير ، ومنها يصبح علينا اختيار خريطة طريق تناسبنا ونستطيع المرور من خلالها إلى العدالة الاجتماعية فى الصحة . التأمين الصحى الحالي الأهرام : هل يستطيع النظام الصحى بوضعه الراهن تطبيق جميع التغيرات الهائلة التى يحملها مشروع القانون ؟ ► د. علاء غنام : الواقع المصرى الحالى يؤكد أن لدينا تغطية تأمين صحى اسمية فقط ، لما يقرب من 57 % من عدد السكان، وحوالى 61% من حجم الإنفاق على الصحة يأتى من الأموال الخاصة للمواطنين « أى بدون غطاء تأمينى «، لاسيما أن أقل من 10% من المدرجين بسجلات التأمين الصحى الحالى.. هم الذين يتعاملون فعلياً مع المنظومة الحالية . وهناك 4 مشاكل رئيسية يجب البدء فى إصلاحها قبل الشروع فى التطبيق الفعلى للقانون وتتمثل فى : زيادة القوى العاملة الطبية ، المؤهلة ، عالية الكفاءة ، مع توزيعها جغرافياً على جميع مناطق الجمهورية ، فى سبيل تحقيق التغطية الصحية الشاملة والعادلة ، وهذا مؤشر هام ويتحقق من خلال التخطيط الجيد وتحديد احتياجات المناطق المختلفة من العمالة الطبية المدربة . ووضع معايير محددة لمتابعة جودة الخدمة الطبية المقدمة ، من أجل ضمان استمرارية جودة الخدمة الصحية . كما يجب تأهيل هيئة التأمين الصحى لتؤدى مهامها بكفاءة ومهارة. وأن يتم إعداد البنية التحتية للمرافق الصحية ، لتمكنها من الحصول على الاعتماد التأمينى اللازم لاستمراريتها ، ولكى نحصل فى النهاية على قانون التأمين الصحى الشامل الذى يحقق الإصلاح المنشود . مشاكل الرعاية الصحية الأهرام : ما هى أبرز مشاكل الرعاية الصحية فى مصر ؟ ► د. محمد نصر : التأمين الصحى الشامل هو جزء من المنظومة الصحية ولايمكن أن نصل إلى حلم التغطية الشاملة إلا تدريجيًا ، والتدرج فى التغطية طرديًا مع زيادة موارد الدولة واقتصادها ليغطى التأمين الصحى بعد ذلك جميع الأمراض. وتنحصر مشاكل الرعاية الصحية فى مصر فى عدة أمور منها: تعدد جهات الإشراف على مقدمى الخدمة، والعشوائية فى توزيع الخدمات الطبية والتى يجب أن تخضع لإشراف هيئة الرعاية الصحية، لأنها الجهة المنوطة بتوزيع التخصصات وكافة الأجهزة الطبية والخدمات الطبية بصورة متوازنة على جميع المحافظات، بالإضافة إلى قصور التصنيع المحلى للمستلزمات الطبية ، وضعف التدريب والتأهيل الطبى للكوادر الطبية المؤهلة. الأهرام : هل توجد فى مصر تغطية صحية شاملة ؟ ► د. محمد نصر : لا توجد تغطية صحية شاملة فى ظل القانون الحالي، لاسيما فى ظل الموارد الاقتصادية المحدودة ، الناتجة عن الاشتراكات الهزيلة، وبالتزامن مع الازدياد المطرد فى أسعار المستلزمات الطبية. ولذلك فانه من الأهمية بمكان دراسة الواقع جيداً، وتحديد التغطية الصحية فى حالات الحاجة الفعلية للعلاج بدون أدنى إهدار لموارد التأمين الصحي، مع حساب الاشتراكات على الأجر الشامل وليس الأساسى بواقع : 1% للعامل،3% لصاحب العمل ،2% للزوجة و كل ابن يعوله رب الأسرة . كما يجب أن يشترك كل من يحمل بطاقة رقم القومى فى التأمين الشامل ولا يسمح بالخروج منه حتى ولو كان للعامل أو المواطن تأمين خاص. وأيضا يتم فرض مبلغ ثابت على بعض الصناعات الملوثة دون إحداث تضخم . الأهرام : متى يحتاج المريض إلي التغطية الطبية الشاملة ؟ ► د. محمد نصر : هناك حالات تتطلب توفير غطاء تأمينى لها : كحالات الجراحات الكبيرة والعلاجات التداخلية العالية التكلفة ، وجميع الحالات التى تتطلب دخول العناية المركزة ، بالإضافة إلى أصحاب الأمراض المزمنة . وعلى الجانب الآخر يمكن الاستغناء عن الغطاء الطبى الشامل فى حالات مثل الكشف لدى طبيب الأسرة والطبيب المتخصص للعلاج من أمراض البسيطة، وكذلك فى حالة الجراحات البسيطة ذات التكلفة البسيطة ، وهنا يمكن الاستعانة بشركات التأمين الخاصة أو الجمعيات الأهلية والتبرعات المنظمة الأهرام : ما هى أوجه القصور التى تعترى التصنيع المحلى للمستلزمات الطبية ؟ ► د. محمد نصر: توجه جميع أبحاث المراكز الطبية والبحثية من أجل خدمة صناعة المستلزمات الطبية، ويعتبر التصنيع المحلى للمستلزمات الطبية من أهم طرق الترشيد فى تكاليف الرعاية الصحية، بالإضافة إلى ضرورة التنويه من قبل وزارة الصحة للمواطنين ، لوضع استثماراتهم فى مشاريع إنتاجية لتصنيع المستلزمات الطبية والأدوية محليًا. ► د. إسحاق المنقبادى : أعتقد أن فكرة التصنيع المحلى للمستلزمات الطبية من الأفكار التى تحتاج للمزيد من الدراسة والتطوير، حتى نحصل على منتج عالى الجودة وبخامات متميزة ، مما سيكون له بالغ الأثر فى تحسين مستوى الخدمات العلاجية المقدمة. أهم دعائم المنظومة الجديدة الأهرام : ما هو دور قطاع الطب الوقائى فى المنظومة الصحية الجديدة ؟ ► د. محمد نصر : لاشك أن الوقاية من أهم دعائم المنظومة الصحية الجديدة، وذلك لتقليل عدد المرضى المحتاجين للرعاية الطبية المكلفة، وتقوم وزارة الصحة بتنظيم حملات وقائية للعديد من الأمرض منها على سبيل المثال: الالتهاب الكبدى الوبائي، وحملات للامتناع عن التدخين ، ولوقاية الفم والأسنان ، وعلاج السكر والضغط ، بالإضافة إلى تشجيع النشاط الرياضى بالمدارس والجامعات. بارقة أمل الأهرام : ما هى التجارب التى أثبتت نجاحها فى تقديم خدمة تأمينية شاملة على المستوى الدولي، وتستطيع مصر الاستفادة منها ؟ ► د. أمل شفيق : بالفعل هناك العديد من التجارب التى أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك نجاحها، وريادتها فى مجال تقديم الخدمات الصحية المتكاملة للمواطنين، كتجربة الهند وهى من البلاد المتشابهة مع مصر فى بعض أقاليمها من الناحية الاقتصادية مع فارق عدد السكان والمساحات الجغرافية، ويبلغ عدد سكانها 1.252 مليار نسمة، وتشتمل على جزء كبير من القطاع غير الرسمي، وجدير بالذكر أن الحكومة الهندية قامت بمحاولات عديدة لتطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل، ولكنها باءت بالفشل فى عمل أى حصر تأمينى لكافة القطاعات، ومن ثم قامت فى عام 2007 بعمل تقسيم جغرافى على هيئة أقاليم، ومجموعات من التكتلات السكنية ، على أن يتولى مسئولية كل إقليم إحدى شركات التأمين الخاصة ، والتى تكون مسئولة عنها بشكل كامل. وبذلك إستطاعت الهند فى خلال 5 سنوات تحقيق تغطية تأمينية شاملة لحوالى 10% من عدد السكان، وبحسبة بسيطة نجد ان 10% من سكان الهند يزيدون عن كل سكان مصر ونستنتج من ذلك إمكانية نقل تجربة الهند إلى مصر بمنتهى السهولة و لكن تجربة الهند نجحت لسببين رئيسيين الأول والأهم الإرادة السياسية و الثانى التنسيق والمتابعة ووضوح الهدف للكل و اتفاقهم عليه، و اذا ما اردنا ذلك لمصر فيجب ان نكفل كل العوامل التى من شأنها مساعدة ودعم التجربة. كما أن فكرة استقلالية كل قطاع جغرافى و عدم مركزية اتخاذ القرار هى أهم درس فى تجربة الهند ليس فقط لأن عدم المركزية أعطى مرونة و فرصة فى المراجعة و تصحيح المسار و لكن لأنه أوجد منافسة للأفضل لأن كل إقليم جغرافى كان يتنافس ليكون الأفضل. وعلى خلاف الهند كدولة كبيرة عددا و مساحة نجد تجربة بوركينا فاسو : التى يبلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة ، تجربة يمكن الاستفادة منها لبداية التمهيد لنظام صحى شامل حيث اعتمدت بوركينا فاسو على نظام تأمينى قائم على فكرة التأمين المجتمعي، والذى يضم جميع الفئات والأعمار والمستويات معًا، ويكون المجتمع نفسه هو الضامن لبعضه البعض . وهناك تجارب بلاد أخرى كتايلاند والمكسيك وغيرهما من البلدان الذين أثبتوا نجاحاً وجدارة فى إدارة المنظومة الصحية الشاملة، وأرى أن نقل هذه التجارب يحتاج لدراسة متعمقة للمناخ العام فى مصرو اقتراح الشكل التأمينى المناسب ، مع الأخذ فى الاعتبار كل الأخطاء فى التطبيق التى تمت فى الماضى ومحاولة تلافيها من خلال قانون التأمين الصحى الجديد، ومراجعة حزمة الخدمات المقدمة مراجعة جيدة ، وتوعية المستفيدين بحقوقهم التأمينية ، مع الاستعانة فى كل محافظة بشركة تأمين تقوم بالتنفيذ . الأهرام : من منطلق الواقع الفعلى لتجارب هذه البلاد ، ما هى أكثر القطاعات استهدافا للاستفادة بخدمات التأمين الصحى الشامل ؟ ► د. أمل شفيق : فى الحقيقة يعتبر القطاع غير الرسمى من أكبر وأهم القطاعات التى تتطلب مجهودات عديدة للوصول اليه فمجرد حصر الأعداد والفئات المختلفة فى القطاع غير الرسمى تحد فى حد ذاته ، وتواجه الدولة تحديات جسام للوصول الى هذا القطاع عموما ، ومن أهم الفئات فى القطاع غير الرسمى الفلاحين ويليهم الباعة المتجولون ثم العاملون بالإنشاء والبناء . و قد تم اصدار قانون التأمين الصحى للعاملين فى القطاع الزراعى رقم 127 لعام 2014 ، نظراً لما يمثله هذا القطاع من أهمية خاصة ، والذى يساهم بنحو 14 % من الناتج المحلى الإجمالى ، و35 % من إجمالى قوة العمل فى مصر يعملون فى قطاع الزراعة.و مع الأسف لم يتم تفعيل بنوده بالصورة المطلوبة حتى الآن ، نتيجة وجود صعوبات فى تحديد الفئات المستهدفة و الوصول اليها. الأهرام : هل تمثل منظومة طب الأسرة ضمانًا حقيقيًا للمرضى قُدما نحو تفعيل قانون تأمينى شامل ومكتمل الأركان ؟ ► د. اسحاق المنقبادى : أعتقد أنه لابد أن يقوم النظام التأمينى الجديد بإعادة هيكلة المنظومة ككل واستحداث نظام تمويلى جديد، مع البدء بالرعاية الأساسية من خلال نظام طب الأسرة ، والذى يقدم حزمة كبيرة من الخدمات الطبية لما يقرب من 80% من الاحتياجات الصحية الأساسية فى المجتمع المصري، لاسيما أن زمالة طب الأسرة هى المرجع الأساسى لتخريج أطباء استشاريين متخصصين فى الطب. أدار الندوة : أشرف أمين أعدتها للنشر: راندا يحيى يوسف ضيوف الندوة : د.علاء غنام عضو لجنة إعداد قانون التأمين الصحى بوزارة الصحة وخبير السياسات الصحية د . محمد نصر أستاذ جراحة القلب بمعهد القلب القومى وعضو لجنة إعداد قانون التأمين الصحى ونقيب أطباء الجيزة د. أمل شفيق خبيرة اقتصاديات الصحة بالبنك الدولى د. إسحاق المنقبادى خبير اقتصاديات الصحة وتطوير النظم الصحية