عبد الرازق يرفع أعمال الجلسة العامة للشيوخ    «ملهمون» حملة اجتماعية لتعزيز الوعي بالإعاقات وتسليط الضوء على إنجازات أبطالها    رئيس جامعة أسيوط يعقد اجتماعا لمتابعة الخطة الإستراتيجية للجامعة 20242029    أسواق الذهب تترقب.. ماذا ينتظر العالم في أول مايو المقبل؟    رئيس «الرقابة المالية» يشارك في اجتماعات اتحاد هيئات الأوراق المالية بالدوحة    بدء تشغيل مركز سيطرة الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة في الشرقية    «أبوظبي الأول مصر» يتعاون مع «الأورمان» لتطوير وتنمية قرية الفالوجا بالبحيرة    رئيس البوسنة والهرسك: نكن كل الاحترام لمصر باعتبارها زعيمة العالم العربي وإفريقيا    أمير الكويت يتوجه إلى مصر غداً في زيارة رسمية    رئيس وزراء إسبانيا: سوف أبقى في منصبي    عاجل.. شوبير يكشف آخر خطوة في تجديد علي معلول مع الأهلي    الزمالك عن أزمة القيد: موقفنا ثابت!    هالاند: كثرة التفكير في الدوري قد تصيبنا بالجنون    كرة سلة.. سيدات وادي دجلة يصعدن للدوري الممتاز (أ)    عضو مجلس الزمالك يعلق على إخفاق ألعاب الصالات    كشف غموض العثور على جثة شخص مقتول وملقى بالطريق في الدقهلية    محافظ أسيوط يناقش الاستعدادات النهائية لامتحانات نهاية العام    المشدد 3 سنوات لمتهمة في سرقة كبار السن بالقاهرة    المشدد 5 سنوات للمتهمين في قضية "رشوة السلام"    محمود قابيل وأشرف فايق يشيعان جثمان المخرج والسيناريست عصام الشماع    تجليات الفرح والتراث: مظاهر الاحتفال بعيد شم النسيم 2024 في مصر    حقيقة زواج مصطفى شعبان من هدى الناظر وأبرز المعلومات عنها    الكشف وتوفير العلاج ل1600 حالة في قافلة طبية بقرية ميانة في بنى سويف    البنك المركزي يبيع أذون خزانة ب980 مليون دولار اليوم    خبير تربوي يكشف عن 12 خطوة لتوطين تدريس تكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها بالمدارس    إزالة 22 حالة تعديات على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة بالشرقية    «القومي لثقافة الطفل» يقيم حفل توزيع جوائز مسابقة رواية اليافعين    تراجع نسبي في شباك التذاكر.. 1.4 مليون جنيه إجمالي إيرادات 5 أفلام في 24 ساعة    التضامن : سينما ل ذوي الإعاقة البصرية بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    عامر حسين: الكأس سيقام بنظامه المعتاد.. ولم يتم قبول فكرة "القرعة الموجهة"    بشرى سارة لمرضى سرطان الكبد.. «الصحة» تعلن توافر علاجات جديدة الفترة المقبلة    مسابقة المعلمين| التعاقد مع 18886 معلمًا.. المؤهلات والمحافظات وشرط وحيد يجب تجنبه -فيديو    الرئيس السيسي: مصر تحملت مسئوليتها كدولة راعية للسلام في العالم من خلال مشاركتها بعملية حفظ وبناء سلام البوسنة والهرسك    قبل الحلقة المنتظرة.. ياسمين عبد العزيز وصاحبة السعادة يتصدران التريند    مصرع 42 شخصًا على الأقل في انهيار سد سوزان كيهيكا في كينيا (فيديو)    "سنوضح للرأي العام".. رئيس الزمالك يخرج عن صمته بعد الصعود لنهائي الكونفدرالية    تحرير 186 مخالفة عدم التزام بقرار الغلق للمحلات لترشيد استهلاك الكهرباء    1.3 مليار جنيه أرباح اموك بعد الضريبة خلال 9 أشهر    إصابة عامل بطلق ناري في قنا.. وتكثيف أمني لكشف ملابسات الواقعة    عواد: كنت أمر بفترة من التشويش لعدم تحديد مستقبلي.. وأولويتي هي الزمالك    515 دار نشر تشارك في معرض الدوحة الدولى للكتاب 33    «العمل» تنظم فعاليات سلامتك تهمنا بمنشآت الجيزة    الأنبا بشارة يشارك في صلاة ليلة الاثنين من البصخة المقدسة بكنيسة أم الرحمة الإلهية بمنهري    «البحوث الإسلامية» يطلق حملة توعية شاملة بعنوان: «فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا»    بالاسماء ..مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    ولع في الشقة .. رجل ينتقم من زوجته لسبب مثير بالمقطم    مؤسسة أبو العينين الخيرية و«خريجي الأزهر» يكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين.. صور    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    ضحايا بأعاصير وسط أمريكا وانقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل    ضربه بالنار.. عاطل ينهي حياة آخر بالإسماعيلية    خلي بالك.. جمال شعبان يحذر أصحاب الأمراض المزمنة من تناول الفسيخ    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    أمين لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الاثنين 29-4-2024 بالصاغة بعد الانخفاض    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غنى لها أساطين الطرب بعد قرار تقسيم فلسطين
المدينة التى جمعت حناجر كل المطربين العرب
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 12 - 2015

مع اشتعال ثورة الغضب العربى التى لم تخمد أبدا فى الأراضى المحتلة من أجل استعادة "زهرة المدائن" اشتعلت ثورة موازية تأججت بحناجر كبار فنانينا العرب من المحيط إلى الخليج،
لتنطلق قنابل الأوتار تفجر براكين الثأر، وتمجد الشهداء وتفضح المذابح البشعة للصهاينة، لتصبح استعادة الأرض السليبة هى المرادف الوحيد للحياة، فالمتابع للغناء المصرى والعربى سوف يلحظ أنه لا يوجد مطرب مصرى أو عربى صاحب قضية أو رسالة فى غنائه لم يتغن بفلسطين سواء فى الماضى أو الحاضر، فالحقيقة أن فلسطين ومنها القدس فى القلب، وحدت كل المطربين المصريين والعرب بداية من الموسيقار محمد عبدالوهاب وأساطين النغم، انتهاء بفرقة اسكندريلا، والمطرب الفلسطينى محمد عساف.

كانت بداية الغناء لفلسطين فى شهر نوفمبر عام 1947 عندما صدر قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، يومهاغنت الصبية الصغيرة التى لم تتجاوز السادسة عشرة نجاح سلام التى كانت فى زيارة للقدس أغنية من كلمات الشاعر محمد على فتوح، وألحان حليم الرومى يقول مطلعها: هبت ملوك العرب / تفدى الحرم بالروح / وترد سهم العدا / وتنقذ يتامى تنوح/ يا مجلس الأمن روح أمن نفسك روح / فلسطين ملك العرب. وفى نفس المرحلة تنبأت بنوايا الكيان الصهيوني، أو بصورة أدق تنبأ الشاعر "بولس سلامة" بما سيحدث فى فلسطين، فغنت له قصيدة من الحان "نجيب السراج "يقول مطلعها: يا زائراً مهد عيسى غير مضطرب / لا تأمنن الدرب / صار الدرب أتونا / يا قاصد المسجد الأقصى / أما لمحت عيناك حائط المبكى ثعابينا.
وقبل قيام دولة إسرائيل بشهر تقريبا، حدثت مذبحة "دير ياسين" يوم 9 إبريل 1948، على يد الجماعتين الصهيونيتين "أرجون وشتيرن"، ففجرت هذه المذبحة براكين الغضب الإبداعى عند الشعراء والفنانيين المصريين، فكتب الشاعر الراحل على محمد طه، ولحن وغنى محمد عبدالوهاب رائعته "فلسطين" التى يدعو فيها أخاه العربى للنضال، قائلا: أَخِى ، جَاوَزَ الظَّالِمُونَ المَدَى/ فَحَقَّ الجِهَادُ وَحَقَّ الفِدَا / أَنَتْرُكُهُمْ يَغْصِبُونَ العُرُوبَةَ / مَجْدَ الأُبُوَّةِ وَالسُّؤْدَدَا؟، وغنى الموسيقار محمد عبدالوهاب هذه القصيدة المدوية مستنهضا للعزائم والهمم، فكانت نشيداً كاسحاً متوهجاً تردده كل إذاعات العالم العربي.

فلسطين تكتشف «سعاد محمد»
كثير لا يعرفون أن حرب فلسطين كانت سببا فى اكتشاف المطربة الكبيرة «سعاد محمد» حيث استدعتها المنتجة "عزيزة أمير" فى أثناء تلك الفترة لتقوم ببطولة فيلم "فتاة من فلسطين" بعد اندلاع الحرب مباشرة، حيث غنت أغنية «القطار» كلمات بيرم التونسي، ألحان رياض السنباطي،وهى عبارة عن ديالوج بينها وبين الكورس يبدأ كالتالى: كورس:
أيش صابك يا صبية وين رايحة ومنين جاية
المطربة: فارقنا الأرض الخضرة تشعل فيها نار حمره
حسرة عليكى يا حسرة ويا ويل الصهيونيه
يا فلسطين فارقناكى تبكى عليكى البواكي"
كما غنت لنفس الشاعر والملحن أغنية " يا مجاهد فى سبيل الله" وفيها تصف العصابات الصهيونية بالخفافيش.

ثورة يوليو تلهب الحماس
مع قيام ثورة 23 يوليو 1952، وخصوصا بعد العدوان الثلاثى على مصر فى سنة 1956، انتشرت مجموعة من الأغانى والأناشيد التى تربط مصر بفلسطين، مثل نشيد "قولوا لمصر تغنى معايا" كلمات أحمد شفيق كامل الذى شارك فيه عبد العزيز محمود ومحمد عبد المطلب وعبد الغنى السيد وسعد عبد الوهاب ومحمد عبد الوهاب، وفيه مقطع عن فلسطين يغنيه عبدالمطلب يقول: قولوا لعرابى أخدنا بتارك / ملّى خانوك/ خرج الغاصب اللى شرانا ملّى باعوك / واللى باقيلنا نخلص تارنا لفلسطين وديار عروبتنا"
وفى هذه الفترة غنت صوت الرصاص "فايدة كامل" أنشودة "البركان العربى الهادى جالوا وقت وثار كلمات محمد كمال بدر، ألحان عبدالعظيم محمد، التى تقول فيها: جيش جبار، جيش جرار/ صوته بيدوى يا فلسطين، دقت ساعة التار، كما قدمت أيضا نشيد "لآخر نقطة بدمي" كلمات يوسف شوقى وألحان على إسماعيل الذى تقول فيه: "أنا عملاق قواه كل ثائر، فى فلسطين وفى أرض الجزائر".
وغنى صوت النيل "محمد قنديل" من ألحان أحمد صدقى بعد عدوان 1956 "غزة ..غزة .. إحنا فداها، أرض العزة ما أغلاها، غزة غزة ما حننساها"، وأنشد حليم الرومى من ألحانه قصيدة "أرض فلسطين" للشاعر الفلسطينى أبى سلمى، وبصورة مؤكدة غنت المجموعة من أشعار الشاعر هارون هاشم الرشيد "إننا لعائدون"، ولحن الملحن العظيم عبدالحميد توفيق زكي، لنفس شاعر العودة قصيدة " فلسطين" غناء كارم محمود.

تحولات الستينيات الكبرى
شهدت فترة الستينيات من القرن العشرين، أحداثاً وتطورات ومتغيرات كبرى فى سياق القضية الفلسطينية، أسهمت فى شحذ إحساس الأغنية العربية، ودفعت مبدعيها إلى السعى لمواكبة هذا كله عبر أغنيات خاطبت الوجدان، وأرخت بشكل أو بآخر لتلك الأحداث والمتغيرات، فيخصص الموسيقار محمد عبدالوهاب جزءا من أغنيته "ناصر كلنا بنحبك" لحسين السيد عام 1960 لفلسطين فيقول فى نهاية الأغنية :
شعبك يافلسطين "مش ممكن هايسيب تاره/ جيش التحرير ع الباب مستنى يعود لدياره/ شمسك يافلسطين هاتطلع وحقوق لكى هاترجع/ كل الشعب العربى سلاحك وسلاحه وحده وقومية"، ثم يعاود الموسيقار محمد عبدالوهاب مرة أخرى لغناء القصائد لفلسطين بعد 13 عاما من رائعته الأولى، ليقدم عام 1961 قصيدة جديدة بعنوان "فلسطين" تأليف الشاعر صالح جودت، يقول مطلعها: " مهد البطولات أرض العرب / أرض العلا من قديم الحقب".
وفى سنة 1963 لحن محمد عبد الوهاب من كلمات حسين السيد نشيد "صوت الجماهير" لمجموعة المطربين وفيه غنت "فايدة كامل" المقطع التالي: "باسم اتحادنا قوم يا كفاحنا/ قول للصهاينة المعتدين/ راية العروبة عرفت طريقها، من عام تمانية وأربعين"، وغنت أيضا " يا قدسنا"، وفى عام 1965 غنى محمد عبد الوهاب بصوته " والله وعرفنا الحب" وفيها يقول: "وحياة حبك/ لأجل عيونك يا فلسطين/ راجعين راجعين/ جيش تحريرك إيدو فى إيدنا/ بكرا حيعلن عيدو وعيدنا".
ويذكر الشاعر الراحل على مهدى الجمهور المصرى والعربى بمأساة دير ياسين من خلال رائعته " ثلاثة أخوة من دير ياسين" ألحان عبدالعظيم محمد، وغناء وردة، ويغنى عباس البليدى "فلسطين يا دره ياأرض السلام على كل عادى ترابك حرام"، وقدم محمد قنديل أكثر من أغنية منها " شعبك راجع يا فلسطين"، و" طير يا طاير"، وبصوت أقرب للنحيب غنى وديع الصافى "فلسطين يا بلادي"، وأهدى المطرب والملحن عبدالعزيز محمود شعب غزة أغنية "إلى طريق النصر".
وتألقت مع كل هؤلاء "عصمت عبد العليم" وهى تغني"صوت فلسطين"، وبصوت خاشع تردد "لوردكاش" قائلة "بإذن الله يافلسطين على الأعداء منصورين"، أما شريفة فاضل فغنت لحيفا " راجعين يا حيفا يا عربية/ وقلوبنا هناك مستنية "، وعلى نفس الدرب غنت حورية حسن "بلدى الغالية"، وقدم أحمد سامى "سلاما بلادى"، وغنى المطرب السورى رفيق شكرى "يا دارنا".
وكان من المستحيل أن يتجاهل الموسيقار الكبير فريد الأطرش الغناء لفلسطين سواء كمطرب أو ملحن فقد اشتهرت من بين أغانيه الوطنية أغنية "المارد العربي"، وفيها مقطع يقول فى ختامه "مش رح ننساك يا فلسطين"، وغنى أيضا للأخطل الصغير قصيدة "ثورة فلسطين".

رائعة أم كلثوم ونزار وعبدالوهاب
شكل سقوط القدس الشرقية بيد الاحتلال الإسرائيلى إثر نكسة يونيو عام 1967ذروة الألم والحزن العربيين، فقد أضحى الأقصى أسيراً بيد الاحتلال، وقد انعكست تجليات هذا على صعيد الأغنية العربية من خلال عدد من الأعمال، إلا أن أبرزها كان أغنية "أصبح عندى الآن بندقية" التى كانت اللقاء الأول بين كلمات نزار قبانى وصوت أم كلثوم، وقد غنتها أم كلثوم عام 1969 لتواكب بها تصاعد ظاهرة العمل الفدائى فى تلك الفترة، وخصوصاً أن القصيدة، تؤمن بأن هناك طريقاً واحداً لتحرير فلسطين، هو طريق الكفاح المسلح، كما غنى سيد مكاوى من كلمات الشاعر فؤاد حداد رائعته " إزرع كل الأرض مقاومة"، التى أعاد غناءها مؤخرا الملحن والمطرب محمد عزت بلحن له مختلف عن لحن مكاوي، وغنى عبدالحليم حافظ " فدائي" كلمات محمد حمزة، لحن بليغ حمدي، ورددت الجماهير أغنية "يا فلسطينية" كلمات أحمد فؤاد نجم وألحان الشيخ إمام.

فيروز والرحبانية والقضية
وتبقى تجربة السيدة العظيمة "فيروز" حجر الزاوية فى أغانى القدس والقضية الفلسطينية، وكانت بدايتها مصادفة من مصر عام 1955، حيث تلقت فيروز مع عاصى ومنصور دعوة من إذاعة صوت العرب لتقديم عدد من الأغانى لدعم القضية الفلسطينية، وكانت رؤية القائمين على صوت العرب وقتها بقيادة "أحمد سعيد" أن صوت فيروز هو أفضل صوت يعبر عن القضية الفلسطينية، ويروى الفنان الراحل منصور الرحبانى قصة هذا العمل الفنى الكبير فيقول: عام 1955 جاءت دعوة من إذاعة "صوت العرب" من القاهرة، فذهبنا عاصى وفيروز وأنا، حيث التقينا أحمد سعيد، ووقعنا على عقد لتنفيذ أغان وأناشيد وبرامج خلال مدة ستة أشهر، فى تلك الفترة وضعنا "النهر العظيم" و"زرياب" وأعمالا أخرى أبرزها "راجعون" لما فيها من استنهاض همم الفلسطينيين المشردين وسجلناها بأصوات فيروز وكارم محمود والكورس، ويقول مطلعها: أنتَ من بلادنا يا نسيمُ / يا عبيراً يقطع المدى / حاملاً همومَ أرضٍ يهيمُ / أهلها فى الأرض شُرَّدا.
وبعد هذا العمل قدم الرحبانية، أكثر من 15 عملاً غنائياً عن القضية الفلسطينية، عبروا من خلالها عن مفردات شتى، واختزلوا فيها صورا ووقائع وأحداثا، بطرق مختلفة ومجددة، عبرت عن جوهر المشكلة الإنسانية التى يواجهها اللاجئون، وظهر هذا الانتظار فى أغنيتى "غاب نهار آخر"، و"احترف الحزن والانتظار"، وخص الرحبانية معالم ومدن فلسطين بالعديد من الأغنيات، مثل " القدس العتيقة"، "يا ربوع بلادي"،"يافا"، "بيسان"، " زهرة المدائن"، ولم تخل أغانى الرحبانية من مفردات "العودة" و"الرجوع"، وتلمس ملامح هذا الحلم فى أغنيات: "راجعون"، و"سنرجع يوما"، و"أجراس العودة" أو "سيف فليشهر"، و"جسر العودة"، ولعل "سنرجع يوما" هى التى ستبقى الأكثر تعبيرا عن هذا الحلم، كما فى مخيلة الشاعر هارون هاشم رشيد.
وربما كان السر فى ذلك أن الأخوان رحبانى والسيدة فيروز قاما عام 64 بزيارة القدس، وكانت هذه الزيارة محرضاً لأغنيات أخرى، ففى أثناء تجوال فيروز فى شوارع القدس، استوقفتها سيدة وحكت لها مأساتها، وروت فصول معاناتها، فتأثرت فيروز وبكت، فأحبت السيدة الفلسطينية أن تخفف عنها فأعطتها مزهرية، ورجعت فيروز وحكت لعاصى الرحباني، فولدت الأغنية التى حملت عنوان "القدس العتيقة" والتى تقول كلماتها: "مريت بالشوارع / شوارع القدس العتيقة / قدام الدكاكين/ اللى بقيت من فلسطين / حكينا سوا الخبرية/ عطيونى مزهرية / قالولى هيدى هدية من الناس الناطرين"، وبعد نكسة يونيو 1967 قدم الرحبانية درة أعمالهما الأنشودة الخالدة " زهرة المدائن" والتى لاتزال تتربع على عرش أغنيات القدس حتى بعد أكثر من أربعة عقود على غنائها.

حليم يبكى فلسطين
يعتبر العندليب الأسمر الأكثر طربا بفلسطين بعد فيروز، وقد كانت القضية لم تزل فى عقدها الأول، لكن حسه الفنى لم يتجاهل الأزمة فأصر فى معظم أغنياته الوطنية على أن يبكى فلسطين، كانت أولى أغنياته التى ذكر فيها اسم فلسطين عام 1955، تحت عنوان "ثورتنا المصرية" تأليف مأمون الشناوى وتلحين رءوف ذهني، وفى هذه الأغنية غنى وقال: ضد الصهيونية / بالمرصاد واقفين/ وحاترجع عربية / حبيبتنا فلسطين / وحاتفضل للدنيا .. نور يهدى البشرية"
وفى 9 يناير عام 1960، أثناء وحدة مصر وسوريا وبمناسبة وضع حجر الأساس للسد العالي، غنى نشيد "الوطن الأكبر"الذى هز كل المشاعر الوطنية العربية من المحيط إلى الخليج، وفى 23 يوليو 1960 وفى نادى القوات المسلحة بالزمالك واحتفالا بالعيد الثامن للثورة غنى عبدالحليم "ذكريات" كلمات أحمد شفيق كامل وألحان محمد عبد الوهاب، وفى هذه الأغنية حكى بصوته ذكريات ما حدث على أرض فلسطين عام 1948، ويستمر بركان غناء "عبد الحليم" فى مواكبة بركان الدماء، ففى 22 فبراير 1961 وبمناسبة مرور 3 سنوات على وحدة مصر وسوريا وفى حفل أضواء المدينة فى دمشق يعنى "حليم" مع عبد الغنى السيد ونجاة وصباح ومحمد قنديل وفايدة كامل وفايزة أحمد والمطرب السورى رفيق شكرى نشيد "الثأر" كلمات أحمد شفيق كامل وألحان على إسماعيل ، وفى هذا النشيد يزلزل صوت العندليب أرجاء نادى الضباط فى دمشق أيضا.
وفى العيد العاشر للثورة يطلب "حليم" من الرئيس "جمال عبد الناصر"عودة القدس لأراضينا فى أغنية "مطالب الشعب" فى وقت حلم فيه "صلاح جاهين" بتحرير فلسطين على لسان العندليب فى أغنية " يا أهلا بالمعارك" ألحان كمال الطويل، فيقول: ما فى حاجة تقول لنا لأ/ إيش حال يوم تحريرنا فلسطين"، وعندما ألمت بنا هزيمة 1967، وفى قاعة ألبرت هول فى مدينة لندن عام 1968 غنى رائعته الأسطورية "المسيح" كلمات الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، وألحان بليغ حمدي، على لسان أحد أبناء القدس، وفى القاعة احتشد 8 الآف شخص يمثلون الأمة العربية من المحيط الى الخليج، يستمعون إلى "حليم" وقد حرص العندليب، أن يغنى هذه الأغنية بالذات كنوع من التعبير عن إيصال صوت الألم العربى بسقوط القدس إلى العالم، وخصوصاً إلى الغرب المسيحى الذى تواطأ مع الصهيونية فى إباحة المقدسات المسيحية لليهود الذين خانوه، وحتى فى أغنياته الخاصة لبعض الملوك لم تغب قضية القدس يوما عن ذهن العندليب كما فى أغنيته "الماء والخضرة والوجه الحسن" كلمات محمد حمزة، وألحان بليغ حمدي.

حريق الأقصى يلهب الأغنية!
فى صبيحة يوم 22 أغسطس 1966 قام اليهودى المتطرف "مايكل دينس روهن" بإحراق المسجد الأقصى،وهزهذا الحدث الأليم الوجدان العربي، وكان من أجمل ما كتب قصيدة "حبيبة السماء" للشاعر محمود حسن إسماعيل، ألحان رياض السنباطي، وغناء سعاد محمد، وفيها يصف الشاعر المشهد الحزين الذى ألهب قلب المطرب السورى "فهد بلان" فغنى " المسجد الأقصى جريح" كلمات على ذوالفقار شاكر، ألحان محمود الشريف، وغنى أيضا لنفس الملحن "قدس العرب" كلمات محسن الخياط، وقد عاد "بلان" فى فترات مختلفة ليغنى للقدس وفلسطين مثل: "القدس بتنادي"، و"فلسطين أرضنا" و"فى فلسطين لا مفر"، وجميعها من كلمات ظافر الصابوني، وألحان عبد الفتاح سكر، وإنتاج إذاعة دمشق عام 1975 .
ولعل أشهر أغنيات حرق المسجد الأقصى كانت "يا قدس فين الآذان" كلمات عبدالفتاح مصطفى، ألحان عبدالعظيم محمد، غناء محمد قنديل، وغنى سيد مكاوى من ألحانه و كلمات فؤاد حداد" ولا فى قلبى ولا عينيّه إلا فلسطين / وأنا العطشان ماليش ميَّه إلا فلسطين"، ومن الأغنيات التى عبرت بحق عن المكانة التى احتلتها القدس فى تلك الفترة فى أولويات الفن العربى والإعلام العربى أغنية فؤاد حداد وسيد مكاوى الشهيرة "الأرض بتتكلم عربي".

انتفاضة أطفال الحجارة
بقيت صورة القدس فى سبعينيات القرن العشرين، أسيرة تحولات عديدة ألمت بالقضية الفلسطينية، وبالأغنية العربية أيضاً، وفى بداية السبعينيات قدم المطرب السورى المقيم فى القاهرة "موفق بهجت" أغنية "سلام على الناصرة" كلمات ميخائيل صواب، ألحان حسن غندور، وأنشد كارم محمود وفايدة كامل وسهير فهمى، أوبريت "فلسطين" كلمات مازن النقيب، ألحان وجيه بدرخان، وغنى محمد منير "القدس" كلمات مجدى نجيب، ألحان هانى شنودة، وفى نهاية الثمانينيات، جاءت انتفاضة أطفال الحجارة، التى اندلعت أواخر عام 1987، لتكتب فصلا ملحمياً جديداً من فصول القضية، وتوالت إثرها القصائد والأغنيات التى خلدت هذه الانتفاضة، وسعت لمواكبة أثرها الملهم والعالق بالأمل فى الوجدان العربي.
وقد ظهرت العديد من الأغنيات لعل أشهرها ملحمة "أطفال الحجارة" لمحمد رشدي، وأغنية "فلسطيني" لعلى الحجار، وأغنيات مارسيل خليفة " نشيد الانتفاضه، أنشوده الحجر، بالأخضر كفناه، منتصب القامه أمشي، وغيرها الكثير، أما جوليا بطرس فقدمت "وين الملايين، ثوار الأرض، حجار المنسيين، وغيرها"، وتخصص اللبنانى أحمد قعبور فى الغناء الوطنى وكان لفلسطين القسم الأكبر من غنائه، ولعل أشهر ألبوماته " أناديكم"، وجدير بالذكر أن هؤلاء المطربين الثلاثة تحديدا كان غنائهم لفلسطين سببا فى شهرتهم العريضة على مستوى العالم العربي.

القُدس عند جيل الوسط
فى التسعينيات انشغل الجميع فى الأغنية الشبابية حتى فاجأت "لطيفة" جمهورها من خلال ألبومها " تلومنى الدنيا" عام 1998 بغناء قصيدة رائعة عن القدس بعنوان "الإنسان" كلمات الشاعر نزار قباني، حيث غنتها مع قيصر الغناء "كاظم الساهر"،
وفى نفس الفترة قدمت المطربة المعتزلة "إيمان الطوخي" أغنية رائعة من كلمات عبدالسلام أمين، ولحن عمار الشريعى يقول مطلعها: "يا قدس يا خضرا يا مريم العذراء مين للحمى والدين/ يا صورة الإسراء جرحك فى قلبى أليم"
ويستمر بركان الغناء مواكبا لبركان الدماء على مر الأجيال، فيقدم المطرب "إيمان البحر درويش" العديد من الأغنيات التى تتغنى بالقضية، حيث يعتبر الأكثر غزارة فى جيله حتى أنه قام بعمل ألبوم كامل بعنوان "إدن يا بلال" أهداه إلى كل شهداء فلسطين والأمة الإسلامية فى كل مكان، ومن أشهر أغنيات هذا الألبوم الذى كتبه مصطفى درويش " سيف الله، أحرار، آن الآوان، فى سبيل الله، يالأقصى يا لجنة، والآخيرة كلمات أحمد عبدالعزيز، كما قدم أغنية آخرى عن فلسطين بعنوان " الجرح الأليم".
كما غنى المطرب على الحجار أيضا مجموعة كبيرة من الأغنيات لفلسطين، منها "هز هلالك يا صلاح الدين"، فلسطيني، عم بطاطا" كلمات سيد حجاب، ألحان فاروق الشرنوبي، "المسجد الأقصى والقدس" كلمات بشير عياد، ألحان أحمد الحجار.

أغانى الانتفاضة الثانية
فى الثامن والعشرين من سبتمبر عام 2000 دخل رئيس الوزراء الإسرائيلى "إرئيل شارون" إلى باحة المسجد الأقصى فى القدس برفقة حراسه، الأمر الذى دفع جموع المصلين إلى التجمهر ومحاولة التصدى له، وجاء نتيجة هذا العمل الاستفزازى اندلاع الانتفاضة الثانية، التى بلغت ذروتها بعملية السور الواقى الإسرائيلية، وتدمير مخيم جنين عام "2000"، مرة أخرى حضرت القدس فى قلب الحدث، فقد سميت هذه الانتفاضة بانتفاضة الأقصى، التى توالى التعبير الغنائى عنها سريعاً، وتوالت الأغنيات لشتى المطربين من أنحاء الوطن العربي، فقدم مجموعة من الفنانين المصريين أوبريتاً غنائياً، كتب كلماته الدكتور مدحت عدل، ولحنه رياض الهمشرى ووزعه حميد الشاعرى بعنوان: "القدس هترجع لنا" شارك فيه 28 فناناً مصرياً من بينهم: "هدى سلطان، محمود ياسين، سميحة أيوب- نادية لطفي- مدحت صالح- خالد عجاج- حكيم- أنوشكا- صابرين- يسرا- إسعاد يونس- منى عبد الغني" وقد أخرجه طارق العريان.
وغنت آمال ماهر قصيدة "عربية يا أرض فلسطين" كلمات عبدالسلام أمين، وألحان عمار الشريعي، كما قدمت رائعتها" أختى وفاء" كلمات عمر بطيشة، وألحان عمار الشريعي، عن الشهيدة "وفاء إدريس" أول فتاة فجرت نفسها فى انتفاضة الأقصى، وبصوت شجى غنى محمد فؤاد " الأقصى نادى" كلمات محمد حوار، ألحان مدحت العدل، وقدم هانى شاكر- الذى سبق أن قدم العديد من الأغنيات للقضية مثل "القدس هتفضل عربية" و"فلسطين" – أغنية "أبواب القدس"، وقدمت "أصالة" أغنية "أولى القبلتين" بألحان وكلمات الفنان الليبى على الكيلاني، وصرخ وليد توفيق وهو يشدو "بصوت الحجر" و«الناصرة» و" كبار الثوار"، وغنى عمرو دياب '"القدس أرضنا"، وقدم تامر حسنى " ترابك يا فلسطين"، وغنت نوال الزغبي" "يا قدس كم أتوق إلى الصلاة/ حيث الرجاء فى ترابك الحبيب"، وأحلام "شباب الحجارة"، عاصى الحلانى "صامدون،وجايين" و"طعم الحرية لفلسطين العربية"، لطارق فؤاد " القدس"، ولطيفة "وقفة عز"، وكاظم الساهر "ياقدس"، وعبدالله الرويشد "القدس لنا"، ثم عمر عبداللات فى "قادم".

صرخة خليجية باكية
ولم يقتصر الغناء للقدس على دولة بعينها، فبكت كل الدول العربية القدس، وتغنى المطرب الخليجى "عبادى الجوهر" بقدر من الشجن "صرخة القدس"، وشارك "الجوهر" المطربون "محمد عبده وعبدالله رشاد، على عبدالكريم، محمد عمر، رابح صقر، طلال سلامه، وراشد الفارس فى أوبريت " إلا القدس" كلمات المعنى، وألحان محمد شفيق، وقدم المطرب السعودي"عبدالله رشاد" أكثر من أغنية عن فلسطين مثل " أنا فلسطين" كلمات سعود سالم، ألحان سامى إحسان، و" فلسطين" كلمات سعود الشيخ، وألحان عادل الصالح، وغنى المطرب المغربى الكبير "عبدالوهاب الدوكالي" ثلاثة أغنيات للقدس من ألحانه هى "فلسطين" كلمات أحمد العلج، و"فى القدس لازم نصلي"، و" محراب القدس" كلمات حسن المفتي.
ومع اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية عام 2009، قدمت دفعة جديدة من الأغنيات التى تمجد القدس، وتحتفى بهويتها العربية، فغنى هانى شاكر من ألحانه، وكلمات الشاعر الفلسطينى رامى اليوسف، أغنية " أنا مصرى ودمى فلسطينى" كان قدمها فى الحفل الذى أحياه فى رام الله، وغنت أصالة نصري، فى المناسبة ذاتها " يا قدس يا طهر الله يا روح الله "، كتب كلماتها د. نبيل طعمة، ولحنها خالد حيدر.

آخر الأعمال
يعد آخر الأعمال التى قدمت عن فلسطين أوبريتان الأول "فى طريقك يا فلسطين" كلمات مدحت العدل، ألحان صلاح الشرنوبي، توزيع حميد الشاعرى غناء "إيهاب توفيق، شذى حسون، ديانا كرازون، شذا، شريف إسماعيل، أحمد العطار، إيساف، مى سليم، أحمد سعد، سلمى صباحي"، والأوبريت الثانى " فلسطين" كلمات مصطفى كامل، ألحان حسن أباظة، توزيع خالد عرفه، وغناء "هانى شاكر، إيهاب توفيق، مجد القاسم، محمود الليثي، سمية"، وإخراج شريف أحمد سمير.
ومنذ أيام سجل المطرب الفلسطينى محمد عساف أغنية وطنية داعمةً للانتفاضة الفلسطينية الثالثة "انتفاضة القدس" بعنوان "يا يمّه هادى رجالك" الأغنية من كلمات الشاعر جمال الدريميلي، ألحان وائل يازجي، توزيع سعد هنيّة، وحيا عساف فى ختام الأغنية جماهير الشعب الفلسطينى قائلا: "إن هذه الأغنية إهداء لكل الشعب الفلسطينى فى الداخل والخارج، وخاصة المدافعين عن مدينة القدس المحتلة" .
وما زالت القدس غنوة العرب الشجية ، ومازال الباب مفتوح للإبداع مادام وجه القوة لم يهزم بعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.