قبل خمسة وأربعين شهرا، زار البطريرك المارونى اللبنانى بشارة الراعى مصر، وأدلى بحديث وحيد للأهرام، عبر فيه عن مخاوفه الشديدة من أن الرغبة فى الإطاحة ببشار الاسد، ستخلق أصوليين متشددين، وستكون النتيجة حربا أهلية فى سوريا، وستكون كما العراق، وكانت الأحداث فى سوريا ما زالت " بكرا" ووقتها واجه هجوما شديدا، وحين قرر زيارة المسيحيين فى فلسطينوسوريا، لم يسلم من الهجوم أيضا وقبل خمسة وأربعين شهرا أيضا، حين كان فى مصر لم يستطع لقاء شيخ الأزهر، وخرجت أحاديث من هنا ومن هناك عن اللقاء، وهذه المرة حدثت الزيارة، وجرت فى النهر مياه كثيرة فى العلاقة ما بين الأزهر والفاتيكان. ومنذ تسعة عشر شهرا، ولبنان يعيش بلا رأس، لا رئيس دولة هناك، لا مؤسسات دستورية، وعقدت اثنتان وثلاثون جلسة لمجلس النواب اللبنانى للتوافق على رئيس، كُللت كلها بالفشل، وها هى لبنان على موعد مع تسوية جديدة، تخرج منه من الجدل الدائر والتراشق الحزبى والسياسى بين زعيمين مسيحيين يتنازعان لبنان والرئاسة منذ أمد بعيد وهما العماد ميشال عون، والدكتور سمير جعجع، بترشيح سليمان فرنجية رئيسا توافقيا فى لبنان، وهى التسوية التى تنتظر عودة البطريرك إلى لبنان لدعمها وتأييدها، وحث المتنازعين على قبولها. فى الحوار مع البطريرك بشارة الراعى بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، يتحدث عن زيارته لمصر ولقائه مع شيخ الأزهر والأنبا تواضروس والرئيس السيسى وغيرها من الموضوعات : كيف كانت زيارتك لمصر؟ زيارتى كانت لتدشين مقر جديد للمطران، وإعادة افتتاح كنيسة مارمارون فى مصر الجديدة بعد ترميمها، وزيارة كنيستنا التابعة للمارونية فى شبرا، بالإضافة إلى زيارة السفير البابوى، ولقاء رؤساء الكنائس جميعا، ثم كان اللقاء مع قداسة البابا الأنبا تواضروس فى المرقسية، وسيكون لنا شرف اللقاء مع الرئيس عبدالفتاح السيسى وشيخ الأزهر أحمد الطيب لقاء الرئيس، بالاضافة إلى ما سيتم تناوله من موضوعات، هل سيتم الحديث عن التسوية السياسية الجديدة، بخصوص رئيس لبنان الجديد؟ الأساس فى زيارتى الرئيس السيسى، هو أن أقول له: شكرا باسم كل اللبنانيين، وباسم الموارنة الذين استقبلتهم مصر منذ خمسمائة سنة، وأهنئه، بكل ما يقوم به من أجل استقرار مصر، ونموها والمشروعات الكبرى التى أنشأها وأطلقها فى عهده، وعن موضوع التسوية، فليس ببعيد أن نطلع الرئيس السيسى عليها، وعلى تفاصيلها. وقت أن كنت فى مصر، فى مارس 2012، قلت فى حوارك ل "الأهرام"، إننى لا أدعم بشارالاسد، ولكنى أخشى أن يكون البديل أصوليين متشددين، ولكن إذا جاءوا سنقيم معهم حوارا، هل البدائل التى نراها على الأرض من داعش وجبهة النصرة يصلح معها حوار؟ أنتم تخطيتم ذلك فى مصر، لم تتركوا الحكم للمتشددين، فالدولة تتعاطى كما ينبغى مع المواطنين، فمصر استطاعت أن تحافظ على البلاد وعلى الاعتدال، واليوم لا يمكن أن نقبل، مسلمين ومسيحيين بالتعصب، فهو ضد الدين، وبالتالى ضد الديمقراطيات، وضد الشعوب، وأقول إن الإرهاب إذا أفلت يتحدى ويتعدى كل الحدود . فى زيارتك السابقة، لم تحظ بلقاء شيخ الأزهر، وقيل وقتها عن رفض للقاء، وها أنتم تلتقون به ، فهل نقول إن مياها جرت فى النهر جففت جفاء العلاقة بين الأزهر والفاتيكان؟ في المرة السابقة لم يكن هناك موعد مع شيخ الأزهر، ربما هناك أحد توسط من اجل هذا اللقاء، وهذه المرة طلبت من مطراننا هنا، أن ينسق لقاء بينى وبين شيخ الأزهر، وأنا أود أن تجرى المياه فى مجاريها الحسنة بين الأزهر والفاتيكان، ولا مجال للخلاف بين هاتين المؤسستين، ويسعدنى لقاء شيخ الأزهر، أولا لتهنئته على مواقفه، وعلى بيانه بالوقوف ضد التنظيمات الإرهابية، والدعوة إلى حوار الأديان والثقافات والحضارات، والعيش معا فى مجتمعات تعددية متنوعة، تحترم بعضها البعض وتتكامل، وهذا ما نعيشه فى لبنان، ونود أن يعيشه العالم العربى، لأن اليوم هناك من يتكلم ويكتب ويدعو إلى تأجج النزاعات بين الديانات والثقافات والحضارات، نحن فى مصر والشرق الأوسط، مسلمين ومسيحيين نتحدث ونتعايش معا، ونبنى هوية مشتركة وثقافة مشتركة وحضارة مشتركة، وينبغى أن نكون على مستوى هذا التحدى. زرت فلسطينوسوريا، وتعرضت لهجوم شديد بسبب هاتين الزيارتين، إما تطبيعا فى الأولى أو دعما فى الثانية، فما السبب من وراء هاتين الزيارتين؟ مع الأسف الشديد، كثيرون لا يميزون بين السياسة والدين، نحن نميز بين السياسة والدين، أنا ذهبت إلى الأراضى المقدسة لأنه يوجد هناك أبرشية مارونية، ومن واجب البطريرك أن يزور، والأراضى المقدسة تابعة لولاية البطريرك، فهى زيارة لشعبى الفلسطينى والسورى، ونحن نميز فى العلاقات، فالحكومة اللبنانية ليس لديها علاقات مع إسرائيل، ولديها تحفظ فى العلاقات مع سوريا، أما أنا فلا أواجه مسئولين سياسيين فى هذه البلدان احتراما لموقف حكومتى فى لبنان. قلت من قبل إنه لولا حزب الله لكانت داعش فى جونية، على حين أن هناك تحفظات لوجود حزب الله فى سوريا؟ أنا لم أقل هذا الكلام، قاله غيرى، ومع ذلك فأنا أوافق على هذا الكلام أيضا، فعلى أرض لبنان ومع الجيش اللبنانى، نعم، أؤيد موقف حزب الله، فى أن يكون حائط صد منيعا فى مواجهة داعش لدخول لبنان، أما عن تدخل حزب الله فى سوريا، فأنا لم أتكلم فى ذلك، وأنا احترم قرارات الدولة اللبنانية، وقرارها عدم التدخل. أخيرا، الشغور الرئاسى، مضى نحو تسعة عشر شهرا، ولبنان بلا رئيس، ومؤخرا طُرحت تسوية بين زعيم تيار المستقبل سعد الحريرى، وزعيم تيار المردة برئاسة سليمان فرنجية، بترشيح الأخير لرئاسة لبنان، فهل تعتبر هذه التسوية حلا ومخرجا؟ أنا رددت وقلت، وأقول من خلال الأهرام، إنني أدعو المكونات السياسية أن تأخذ هذه المبادرة الجديدة والجدية والتلاقى عليها من كل الكتل السياسية والنيابية باتخاذ القرار الوطنى الشامل المناسب لانتخاب رئيس، ونحن فى حاجة إلى رئيس اليوم قبل الغد. وهل التسوية ستنهى أزمات لبنان المتعددة، وهشاشتة مؤسساتها، من وجهة نظرك؟ نحن بحاجة إلى رئيس، وأي تسوية تصل إلى انتخاب رئيس، هى جُل ما نبتغيه، فبوجود رئيس تعود الحياة إلى الدولة، بدءا بمؤسساتها الدستورية، فلدينا مجلس نيابى معطل، وحكومة معطلة، والمؤسسات أيضا، نحن نريد رئيسا على مستوى التحديات المطروحة اليوم.